Peranan Sufi & Tarekat Semasa Daulat Khilafah Osmaniah (B.Arab)

بذلك حفظت الدولة العثمانية الصوفية لشمالي إفريقيا إسلامه وعروبته، وأوغلت الجيوش العثمانية في زحفها على قلب أوروبا حتى بلغت مشارف فيينا، وكانت الأساطيل العثمانية تحقق انتصارات كاسحة ضد التكتلات الصليبية، الأمر الذي أدى إلى تصاعد العداء بين أوروبا المسيحية

يشير المؤرخون إلى أن الدولة العثمانية قامت على أسس صوفية فكيف حدث ذلك؟!!.

مؤسسو الدولة العثمانية كانوا يعيشون- في مقاطعات غرب الأناضول- حياة ايمانية محاطة بالقوة المعنوية من جانب رجال العلم والتصوف الذين كانوا يلازمونهم، وكان للطرق الصوفية دور بارز في إدارة شئون الدولة وتأسيسها، فكان شيوخ الطرق يعملون على نشر الإسلام وإعداد المسلمين للجهاد.

وقد تقلد الصوفية مناصب كبيرة في الدولة، ومن أشهر الطرق التي كان لها دور بارز في الدولة العثمانية الطريقة البكتاشية والطريقة الرفاعية والطريقة المولوية. وكان السلاطين العثمانيون مرتبطين بشيوخ الصوفية وبالطرق والتكايا، وكان لأهل التصوف دورهم العظيم في الدفاع عن الإسلام، وكان لهم نفوذ على الهيئة الحاكمة في الدولة ورقابة سياساتها، وكان رجال التصوف يشتركون مع الجيش العثماني في فتوحاته وساهموا في تحقيق العديد من الانتصارات، (ويكفى فى هذا المقام أن نذكر أن محمد الفاتح- فاتح القسطنطينية- هو تلميذ شمس الدين آق شيخ الطريقة النقشبندية، والسلطان عبد الحميد الثانى الذى رفض بيع أرض فلسطين لليهود تلميذ لشيخ الشاذلية أبى البركات)، وبصفة عامة كان التوجه الصوفي قاسمًا مشتركًا بين جميع السلاطين العثمانيين فقد عرف عنهم التصوف وحب الصوفية([1]).

يقول الأستاذ إسماعيل أحمد ياغى فى كتاب (الدولة العثمانية) بتصرف يسير:

دور الدولة العثمانية في نشر الإسلام في أوروبا

تشغل الدولة العثمانية حيزًا كبيرًا للغاية في التاريخ؛ حيث امتدت فتوحاتها إلى ثلاث قارات، هي آسيا وأوروبا وإفريقية، وغدت دولة آسيوية أوروبية إفريقية؛ وبذلك فإن الدولة العثمانية كانت أول دولة إسلامية في التاريخ الأوروبي تصل بقواتها الجرارة إلى هذه الأراضي الأوروبية، وكان الوجود الإسلامي العثماني، العسكري والسياسي، حقيقة لا جدال فيها.

واحتفظوا بروح الجهاد الدينى في مسيراتهم الحربية في أوروبا؛ فالإسلام عند العثمانيين دين مجاهدين، وازدادت هذه الروح الدينية تَأَجُّجًا في نفوس العثمانيين بعد ما واجهوا تكتلات صليبية متعاقبة واسعة النطاق، ضمت العديد من الدول الأوروبية، وكانت البابوية في روما تدعم وتؤيد هذه التكتلات؛ بل تنادي بالانضمام إليها.

ولم تجد الحركة الصليبية في أوروبا ثغرة تنفذ منها لتفتيت وحدة الصف الإسلامي العثماني، فكان النصر حليفَ القوات العثمانية في معظم المعارك الضارية التي نشبت بين الفريقين.

وحولت الدولة العثمانية دار الحرب إلى دار الإسلام، وأسهم الجميع في غرس بذور الإسلام في الأقاليم المفتوحة؛ مما ساعد على نشر الإسلام في أوروبا، وبذلك اقترنت حركة الفتوح الإسلامية في كل من الأناضول وأوروبا بنشر الإسلام، وقد انتشر انتشارًا سريعًا واسعًا في بعض الأقاليم، وانتشر انتشارًا وئيدًا في أقاليم أوروبية أخرى، وغدت العواصم التي اتخذتها الدولة العثمانية تباعًا وهي: قونية، بروسة، أدرنة، وإستانبول، مدنًا إسلامية عثمانية، ومراكز للدراسات الإسلامية والحياة الإسلامية([2]).

ونظر الأوروبيون إلى الفتوح العثمانية في أوروبا على أنها فتوح إسلامية، وباسم الإسلام فتح السلطان محمد الفاتح (857 هـ / 1453م) القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، واتخذها عاصمة لدولته، واستبدل اسمًا جديدًا هو إستانبول، ومعناها دار الإسلام، وباسم الإسلام فتح السلطان محمد الفاتح روما مقر البابوية، وباسم الإسلام فتح السلطان سليمان القانوني بلغراد، وجزيرة رودس وبودابست.

وباسم الإسلام تقدم العثمانيون لمساعدة عرب شمالي إفريقيا في الصراع الصليبي، الذي احتدم بينهم وبين الإسبانيين والبرتغاليين، الذين أرادوا احتلال هذه الأقاليم، وتحويل سكانها إلى المسيحية.

وبذلك حفظت الدولة العثمانية الصوفية لشمالي إفريقيا إسلامه وعروبته، وأوغلت الجيوش العثمانية في زحفها على قلب أوروبا حتى بلغت مشارف فيينا، وكانت الأساطيل العثمانية تحقق انتصارات كاسحة ضد التكتلات الصليبية، الأمر الذي أدى إلى تصاعد العداء بين أوروبا المسيحية والدولة العثمانية.

ولذلك فإن الأوروبيين اعتقدوا بأن الدولة العثمانية هي الرمز الحيّ المجسِّد للإسلام([3]).

الصوفية وكوسوفا

فتح الصوفية العثمانيون إقليم كوسوفا بقيادة السلطانالعثماني مراد الأول، وضمّوه للحواضر الإسلامية العثمانية في منتصف القرن الخامسعشر.

وترك حكمهم بصمة واضحة في أسلمة الإقليم، الذي يبلغتعداده اليوم أكثر من 2.175.000 نسمة، تسعون بالمائة منهم من الألبان؛ سكان البلاد الأصليين، لتبقى كوسوفا في عز الإسلام حتى نهاية الدولة العثمانية في أوائل القرن المنصرم وقيام يوغسلافيا الحديثة، حين بدأ الألبان مواجهة مشوار جديد من الاضطهاد والتطهير العرقي المنظم على أيدي الصرب، ما اضطر الكثيرين منهم إلى مغادرة الإقليم إلى بعض الدول الإسلامية والعربية، سيما سورية التي احتضنت الكثيرين منهم، إلى أنخاض الإقليم معركة البقاء الأخيرة وحصل على استقلاله منذ بضع سنوات.

يعود الفضل، إذن، للدولة العثمانية بشكل أساسي في نشر الإسلام فيكوسوفا، كما يؤكد أكثر الدارسين للمسألة الكوسوفية والمهتمين بها، وبخاصة من أبناءالإقليم؛ أمثال الأستاذ سامر بايروش أحمدي في كتابه "انتشار الإسلام في كوسوفا" (سلسة كتاب الأمة).

حيث يؤكد على دور الداعية صلتوق الذي مهّد الطريق لسهولة المهمة العثمانية في فتح كوسوفا ونشرالإسلام فيها.

وصلتوق كان صوفياًًّ من أتباع الطريقة "البكتاشية" الصوفية السنية، التي كانت من أكبر الطرق الصوفية المنتشرة في بقاع العالم الإسلامي وقتذاك، إلى جانبالطريقتين الرفاعية والخلوتية. ويوجد ضريحه بالقرب من نهر "بريكا" يسميه الناس "ضريح صاريصلتوق([4]).

لماذا تأثرت أوروبا بالتصوف؟

أكثر المسلمين الأوربيين متأثرون بالطرق الصوفية، والسبب في ذلك يعود إلى الأمور الآتية:

الأمر الأول: قوة نشاط الطرق الصوفية في أوروبا، عن طريق أصحاب تلك الطرق مباشرة، أو عن طريق الكتب المترجمة إلى اللغات الأوربية.

الأمر الثاني: أن عند الأوربيين قلقًا نفسيًّا وخواءً روحيًّا وقسوة قلبية، بسبب الضغوط المادية التي تحيط بهم في كل مكان، ولم يجدوا ما يملأ فراغ قلوبهم ويلينها في الطقوس المسيحية قبل إسلامهم، ولا في الأديان الوثنية، وعندما يلتقون مشايخ الصوفية أو مريديهم الذين غالبًا ما يفدون من مصر والسودان والمغرب وتركيا، بعد أن تعمل لهم دعاية في المناطق التي سيزورونها، فيجتمعون حول الشيخ أو المريد، فيما يسمى بالحضرة. ثم بعد عدد من الجلسات يزداد تأثرهم، ويدخل بعضهم في الإسلام، لأنهم يشعرون بالراحة والطمأنينة بكثرة الذكر والعبادة، والأخلاق الصوفية الفاضلة.

الأمر الثالث: أنهم قد قرءوا في كتب المستشرقين الثناء على الطرق الصوفية والإشادة بها، قبل أن يدخلوا في الإسلام.

العداء الصليبى الوهابى للصوفية

عملت الشعوب الأوروبية التي خضعت للدولة العثمانية على تصفية الوجود العثماني من أراضيها، وأسهمت معها دول أوروبية لم يمتد إليها الحكم العثماني، ولكن جمعت بينها وحدة الهدف في الانتصار للمسيحية، والقضاء على الإسلام، ودعم مصالحها الاستعمارية بتوزيع الممتلكات العثمانية أسلابًا بينها.

وتأسيسًا على هذه النظرة الأوروبية: فإن التحالفات الدولية ضد الدولة العثمانية الصوفية كانت في لحمتها وسداها تحالفات صليبية ضد الإسلام، أَمْلَتْها روحٌ صليبية، ووجَّهَتْها روح صليبية، وكانت حكومات بعض الدول الأوروبية تُحَرِّض رعايا الدولة العثمانية المسيحيين على الثورة، وتمدهم بالأسلحة والذخائر والأموال؛ لإجراء مذابح عامة بين رعايا الدولة المسلمين أصلاً، ورعاياها الذين اعتنقوا الإسلام؛ لنشر الخوف والذعر بين هؤلاء الأخيرينَ؛ كي يعودوا إلى المسيحية، وكانت هذه الحكومات تعطيهم المنح والهدايا والعطايا نظير قيامهم بهذه الأعمال إذا فشلت الثورات عن تحقيق أهدافها، وأطلقت الحكومات الأوروبية على السلطان العثماني شتى الأوصاف، فهو "رجل أوروبا المريض" حِينًا، و"المريض الذي لا يرجى شفاؤه" حينًا ثانيًا، و"المريض الذي يجب الإجهاز عليه شفقةً به، ورحمة عليه حتى يستريح ويريح" حينًا ثالثًا([5]).

لن نذهب بعيدًا ونتحدث عن نشأة الوهابية وخروجها على الخلافة العثمانية، وتكفيرها لحكامها، ومساعدة أوروبا للقضاء عليها، بل سنكتفى ببيان أن الدعم المادى الكبير للفكر الوهابى التكفيرى- خاصة للصوفية وهم أغلب مسلمى القارة- أثر سلبًا على نشر الدعوة بين غير المسلمين، وقد سلك الوهابية عدة مسالك ساعدت الاستعمار على تنفيذ مخططاته الرامية لاقتلاع الإسلام من أوروبا، مما عاد بالسلب على صوفية أوروبا، ومن تلك المسالك ما يلى:

1- روَّج الوهابيون بين مسلمى أوروبا أنه لا ينبغى دعوة غير المسلمين ما دام المسلمون بعيدين عن الإسلام، ويحتاجون هم إلى دعوة الله.

2- اتهموا الصوفية بأنهم دعاة البدع والخرافات، وقد تصل خرافاتهم إلى الشرك بالله.

3- قام الوهابيون بالتفريق بين الجماعات وإثارة الفتن والنزاع والعداوات، ومارس بعضهم النميمة والتجسس لحساب بعض الجهات، من أجل أن ينال شيئًا من حطام الدنيا، وهؤلاء هم أسوأ من يحشر نفسه فى زمرة الدعاة.

4- نقلوا الخلافات الموجودة بين المسلمين فى بلادهم إلى أوروبا، فاحتدم الصراع بين المسلمين الأوروبيين فى مساجدهم ومدارسهم ومراكزهم إلى درجة تقتضى تدخل أجهزة الأمن الأوروبية بينهم.

5- أشاعوا أن أوروبا بلاد كفر، واستحلوا أموالهم وظهروا بصورة أخلاقية منفرة، فنجد بعضهم يحتالون على القوانين الغربية بالكذب والغش، يتمارضون بدون مرض، ويحاولون رشوة الأطباء ليأخذوا منهم تقارير تثبت ذلك، واشتهر ذلك عند الأوروبيين، وأصبحوا لا يثقون فى كثير من المسلمين.

6- لم يراعوا أن المصلحة تقتضى تقديم الأولويات، فقاموا ببناء مساجد كبيرة مزخرفة خالية من الأئمة والمدرسين الأكفاء، وذلك بقصد التباهى والفخر، وأبناء المسلمين فى حاجة إلى التعليم وتبليغ دين الله، حتى أصبحت غاية وجود هذه المساجد أن تدرجها الدول الأوروبية فى أدلة الآثار والمتاحف، ليزورها السائحون، وتنال تلك الدول مكاسب سياحية من تلك المساجد، كما تنال ذلك من المتاحف ونحوها.

7- أراد الوهابيون فرض اللباس النجدى على أوروبا (كالنقاب والجلباب القصير) وذهب بعض أثرياء منطقة الخليج للزنا ولعب القمار وشرب الخمر، مما أوجد حالة من التحدى لتلك المجتمعات الأوروبية فضاقت ذرعًا بالوجود الإسلامى بها، وظهرت الرسوم المسيئة للصورة الوهابية النجدية، لكن الوهابية أشاعوا أنها رسوم خاصة بالرسول J كى يَسْتَعْدُوا العالم الإسلامى على أوروبا، وبالتالى يتم القضاء على الإسلام فيها.

كلمة أخيرة

للمحافظة على أمن واستقرار المسلمين فى أوروبا فإننى نوصى بدعم التصوف والصوفية من خلال إعداد دعاة صوفيين وبعثهم لنشر الإسلام السمح الوسطى، وإعانة المسلمين فى أوروبا على إنشاء مدارس إسلامية خاصة تجمع بين المنهج الإسلامى ومنهج الدولة التى تنشأ فيها المدرسة لحماية أبناء المسلمين من الذوبان فى هذه المجتمعات، وإنشاء دور للترجمة لمخاطبة أوروبا بلغاتها، وإطلاق قنوات فضائية صوفية معتدلة، وكذلك مجلات وصحف، واستغلال شبكة الانترنت فى مخاطبة أوروبا بلغة عصرية، وإبراز الجوانب الإيجابية فى الإسلام، ونشر ثقافة التسامح مع الآخر.

نسأل الله تعالى أن يكشف لقلوبنا حقيقة الجمال الربَّانى, الذى به ننجذب بكليتنا إلى الرضوان الأكبر.

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله أجمعين.

عبد الحليم العزمى – مدير التحرير والمشرف العام لمجلة الإسلام وطن

نقلا من مجلة الإسلام وطن

http://www.islamwattan.org/tkno/shaban31/387-zbkhzhjenjjkh-eupuk-gzhszhiz..-zhzbzhezinjjkh.html


([1]) موسوعة تركمان العراق www.alturkmani.com.

([2]) محمد جميل بيهم، "فلسفة التاريخ العثماني"، بيروت 1954، ص 24.

([3]) عبد العزيز الشناوي، "الدولة العثمانية"، جـ 1، ص 14 – 15.

([4]) منتديات روض الرياحين www.cb.rayaheen.net.

([5])المرجع قبل السابق ص 15 – 16.