Di Mana ALLAH ?


س: أين الله؟ | ج: هو الله بلا مكان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ للهِ الذي لا يشبِهُ ذاتُهُ الذوات، ولا تشبِهُ صفاتُه الصفات، ولا تكتنفُهُ الأراضي ولا السماواتِ، الأول بلا ابتداءٍ، الآخر بلا انتهاءٍ، الذي جلَّ عنِ الصاحبةِ والأبناءِ، كانَ قبلَ الأمكنةِ والأرجاءِ، فكونَ الأكوانَ ودبَّرَ الزمانَ وَحَدَّهُ بلا ريبٍ ولا افتراء، فلا يحتاجُ إلى المكانِ، ولا يتقَيَّدُ بالزمانِ، ولا يشغله شأنٌ عن شأنٍ في المخلوقاتِ جمعاء..... والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكمَلانِ، على سيدِنا ونبيِّنا وقائِدِنا وقرةِ أعينِنا محمدٍ سيدِ ولدِ عدنان أفصح العرب العرباء، وعلى آلهِ وصحبهِ، ومنِ اهتدى بهديهِ ما أطلَّ فجرٌ وأضاءَ... أما بعد:
فقد روى مسلم والبيهقي، أن رسول الله قال: "إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء"، قيل: ومن هم الغرباء يا رسول الله، قال: "الذين يصلحون من سنتي ما أفسد الناس"، وسنة الرسول هي شريعته، أي العقيدة والأحكام.






أخي المسلم الموحِّد بالله إذا سألك أحدهم: أين الله؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا تقل له: الله في السمـاء أو فوقها
ولا تقل: الله في كل مكان

بل قل: الله موجود بلا مكانٍ ولا جهة ، لأنه سبحانه وتعالى تنــزّه وتقدّس عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ، لا تحويه الجهات ولا تحده الحدود فهو موجود بلا مكان.. لأننا لو قلنا الله في السماء أو فوقها لجعلنا له حداً أو جسماً وسبحانه ليس له حد ولا جسم ولا غاية ولا ركن ولا زاوية «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير»وهو أقرب إلينا من حبل الوريد... وهذه هي عقيدة أهل السنة والجماعة من العلماء والأولياء والصالحين... فالله هو الله بلا مكانٍ ولا زمانٍ ولا كيف ولا متى ولا أين.. وهذا المعنى هو ما يرتاح له القلب ويرجِّحه العقل ، وتهدأ له النفس.


أولاً نذكر بعض الآيات الدالة على تنـزيه الله عن الجهة والمكان والحد والجسمية:
_________________________________________________________
قال الله تبارك وتعالى: «لَيْسَ كَمِثْلِهِ شيء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير» (سورة الشورى : 11) أي أن الله تعالى لا يشبه شيئاً من خلقه بوجه من الوجوه، فلو كان في مكان أو جهة لكان مشابهاً لبعض خلقه، فالله تعالى لا يحتاج إلى مكان يحل فيه ولا إلى جهة يتحيز فيها.

ـ۩ وقال الله تعالى: «وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى» (سورة النحل : 60) أي لله الوصف الذي لا يشبه وصف غيره.

ـ۩ وقال الله تعالى: «هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ» (سورة الحديد : 3) قال الطبري في تفسيره (11/670) ما نصه
وهو الباطن، فلا شىء أقرب إلى شىء منه، كما قال:«وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» (سورة ق : 16).ا.هـ

أي أن الطبري نفى القرب الحسي الذي تقول به المجسمة، أما القرب المعنوي فلا ينفيه، وهذا دليل على تنـزيه الله عن المكان والجهة.


ـ۩ وقال الله تعالى:{فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (آل عمران : 98) أي أن الله تعالى مستغنٍ عن كل ما سواه، فلو كان في مكانٍ لكان محتاجاً له، فكيف يكون غنياً عن العالمين من يكون محتاجاً للمكان؟ .. قال الشيخ شرف الدين بن التلمساني في "شرح لمع الأدلة" ما نصه
ومنها قوله تعالى«إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ» (سورة العنكبوت : 6) فأثبت لنفسه الاستغناء عن جميع العالمين، والجهات والأمكنة من أجزاء العالم، فوجب إثبات تعاليه واستغنائه عن العالمين وعن كل وصف من صفات المحدثين. انتهى

ـ۩ وقال الله تعالى:«وكُلُّ شَىءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ» (سورة الرعد : 8) أي أن الله تبارك وتعالى ليس داخل العالم ولا خارجه لأنه لو كان داخل العالم لكان له مقدار ولو كان خارجه لكان له مقدار، فلا مهرب من إثبات المقدار له إلا بنفي التحيز بالكون داخل العالم أو خارج العالم، لأن أفراد العالم كل فرد له مقدار.


قال الإمام أبو منصور التميمي البغدادي في أصول الدين ما نصه:
لو كان الإله مقدراً بحد ونهاية لم يخلُ من أن يكون مقداره مثل أقل المقادير فيكون كالجزء الذي لا يتجزأ، أو يختص ببعض المقادير فيتعارض فيه المقادير فلا يكون بعضها أولى من بعض إلا بمخصص خصه ببعضها، وإذا بطل هذان الوجهان صح أنه بلا حد ولا نهاية.اهـ

يتضح لنا إخوتي في الله من هذه الآيات الكريمة (وهي على سبيل المثال لا الحصر) أن الله سبحانه وتعالى واجدٌ لا يشبه الموجودات، بلا كيف ولا مكان ولا جهة. فالله تعالى هو خالقُ المكانِ والزمانِ والجهات، كان قبل خلق المكان بلا مكان، وبعد أن خلق الأماكن والجهات، مازال موجوداً بلا مكان ولا جهة. فالله تعالى لا يتغير ولا يتحول، فالتبدل والتحول من صفات المخلوقات.


ثانياً نذكر بعض من أقوال السلف الصالح الدالَّة على تنزيه الله عن الجهة والمكان والحد
________________________________________________________________________
قال الإمام علي بن أبى طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه فيما رواه عنه الإمام أبو منصور البغدادى فى كتابه
الفَرْقُ بين الفِرَق
«كان الله ولا مكان، وهو الآن على ما عليه كان»
وقال أيضاً - رضي الله عنه - : 
«إن الله تعالى خلق العرش إظهاراً لقدرتِه لا مكاناً لذاته»
(راجع: الفَرْقُ بين الفِرَق لأبي منصور البغدادي [ ص / 333 ] )
وقال أيضاً - كرَّم الله وجهه - : 
«من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود»
(والمحدود: ما له حجم صغيراً كان أو كبيراً، أو ما كان مخصصاً في جهة)
[راجع: حلية الأولياء: ترجمة علي بن أبي طالب (73/1) ]


وقال التابعيُّ الجليل الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم (ت 94 هـ) ما نصه
«أنتَ اللهُ الذي لا يحويك مكان» 
[راجع: إتحاف السادة المتقين (4/ 380) ]
وقال أيضاً
«أنت الله الذي لا تحد فتكون محدودا»
[راجع أيضاً: إتحاف السادة المتقين (4/ 380) ]  


وقال الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين رضوان الله عليهم (ت 148 هـ) ما نصه
«من زعم أن الله في شىء، أو من شىء، أو على شىء فقد أشرك. إذ لو كان على شىءٍ لكان محمولاً، ولو كان في شىء لكان محصوراً، ولو كان من شىء لكان محدثا - أي مخلوقاً»
[ ذكره القشيري في رسالته المعروفة بالرسالة القشيرية (ص/ 6) ]


وقال الإمام المجتهد أبو حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه (ت 150 هـ) أحد مشاهير علماء السلف الصالح وإمام المذهب الحنفي ما نصه :  
«قلت: أرأيت لو قيل أين الله تعالى؟ فقال- أي أبو حنيفة-: يقال له: كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق، وكان الله تعالى ولم يكن أين ولا خلق ولا شىء، وهو خالق كل شىء»
[راجع: الفقه الأبسط ضمن مجموعة رسانل أبي حنيفة بتحقيق الكوثري (ص/ 25)]

وقال أيضاً رحمه الله تعالى
«ونقر بأن الله سبحانه وتعالى على العرش استوى من غير أن يكون له حاجة إليه واستقرار عليه، وهو حافظ العرش وغير العرش من غير احتياج، فلو كان محتاجاً لما قدر على إيجاد العالم وتدبيره كالمخلوقين، ولو كان محتاجاً إلى الجلوس والقرار فقبل خلق العرش أين كان الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيرا»
[ راجع: كتاب الوصية، ضمن مجموعة رسائل أبي حنيفة بتحقيق الكوثري (ص/ 2) ، وملا علي القاري في شرح الفقه الاكبر (ص/ 75) عند شرح قول الامام: ولكن يده صفته بلا كيف"]


وقال الإمام المجتهد محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه إمام المذهب الشافعي (204 ص) ما نصه
«إنه تعالى كان ولا مكان ، فخلق المكان وهو على صفة الأزلية كما كان قبل خلقه المكان لا يجوز عليه التغيير في ذاته ولا التبديل في صفاته»
[راجع: إتحاف السادة المتقين (2/ 24 ]


أما الإمام المجتهد الجليل أبو عبد الله أحمد بن حنبل الشيباني (241 هـ) رضي الله عنه إمام المذهب الحنبلي وأحد الأئمة الأربعة، فقد ذكر الشيخ ابن حجر الهيتمي أنه كان من المنزهين لله تعالى عن الجهة والجسمية، ثم قال ابن حجر ما نصه
«وما اشتهر بين جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد من أنه قائل بشىء من الجهة أو نحوها فكذب وبهتان وافتراء عليه»
[ راجع: الفتاوي الحديثية / 144).]


وقال الشيخ الإمام سلطان العلماء: العز بن عبد السلام الشافعي في كتابه "حل الرموز" في بيان مراد أبي حنيفة ما نصه
«لأن هذا القول يوهم أن للحق -أي لله عز وجل- مكاناً، ومن توهم أن للحق مكاناً فهو مشبِّه»


وقال إمام الحرمين عبد الملك الجويني المولود سنة 419 هـ في كتابه الإرشاد:
«مذهب أهل الحق قاطبة أن الله يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات»
و يتعالى أي: يتنزه أي لا يجوز في حق الله القول أنّه يحتاج للتحيز في مكان أي أن يكون في مكان، قال تعالى :"وهو الغنيّ الحميد" فالله لا يحتاج لشيء.

هذه ياإخواني هي عقيدة أهل السنة والجماعة وعقيدة السلف الصالح التي كان عليها رسول الله وصحابته الكرام والتابعون لهم بإحسان.
___________________________________________________________________________




أما الاحتجاج بالآية القرآنية في قوله «أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ» سورة المُلك: 16
فالجواب
قال الإمام القرطبي عند تفسير قوله تعالى: «أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ» ما نصه :
والمراد بها توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت، ووصفه بالعلوِّ والعظمة لا بالأماكن والجهات والحدود لأنها صفات الأجسام. وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء لأن السماء مهبط الوحي ومنزل القطر ومحل القُدس ومعدن المطهرين من الملائكة، واليها ترفع أعمال العباد، وفوقها عرشه وجنته، كما جعل الله الكعبة قِبلة للدعاء والصلاة، ولأنه خلق الأمكنة وهو غير محتاج إليها، وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان ولا مكان له ولا زمان، وهو الآن على ما عليه كان " ا.هــ


وأما قوله تعالى: «يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ» النحل: 50
فالفوقية المقصودة هنا هي فوقية القهر والبطش والقدرة لا فوقية المكان والجهة ، ألم تر إلى قول الله تعالى حكاية عن فرعون : «وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ» (الأعراف:127) ، فهل يَفهم عاقل من هذا أن فرعون قد علا قوم موسى حساً وحقيقة بذاته إلى جهة "فَوْق"؟ 
أم هو مجرد تعبير عن التمكن والتسلط ونفاذ القدرة؟
ولو قلت لك : القانون فوق الجميع!! أو : إني أخاف السلطان من فوقي !! أو : المدير فوقنا وكلمته نافذة !!ـ
فهل تفهم أخي الحبيب من هذا أن القانون أو السلطان أو المدير فوقي حقيقة وحساً؟؟ أم هذا كناية عن النفوذ والسلطة؟


كذلك الآيات الآتية
قال الله تعالى «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى» (الأعلى : 1)... أي: الأعلى مقاماً ورفعةً ومنزلةً
قوله تعالى: «وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ» (الأنعام : 61)... أي: فوقهم قهراً وبطشاً وقدرةً ومكانةً
قوله تعالى: «أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» (المُلك: 16)... المراد: توقيره وتنزيهه عن السفل والتحت، ووصفه بالعلوِّ والعظمة
قوله تعالى: «يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ» (النحل : 50)... أي: فوقهم قهراً وبطشاً وقدرةً ومكانةً
قوله تعالى: «ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَآءِ» (فصِّلت : 11) أي: قصد إليها
قوله تعالى: «إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيّـِبُ» (فاطر : 10) إنما ذلك كناية عن قبول الكلام الطيّب أنه لأن الله ليس بجهة.


هكذا فسّر علماء أهل السنة والجماعة الآيات التي تحدثت عن ذات الله.
(راجع: تفاسير الإمام القرطبي، والإمام أبو حيّان الأندلسي، والإمام جلال الدين السيوطي ، وابـن حجر العسقلاني)

فكل هذه الآيات وشبيهاتها - إخواني وأخواتي في الله - هي كنايةٌ على رفعة ومقام الله سبحانه وتعالى في العلو والعظمة والقدر والمنزلة ، وليس (تحديداً لمكان الله جل وعلا) .. حاشا لله سبحانه وتعالى أن يكون له مكان محدداً أو محصوراً أو محدوداً أو متحيزاً، سواء كان هذا المكان (أعلى ، أسفل ، فوق ، يمين ، يسار ، أمام ).. الله جل وعلا منزَّه عن المكان والزمان.. وهكذا اعتقد علماء السلف الصالح وأئمة الهدى رضوان الله عليهم كما سبق وأشرنا.


ثم يا إخواني الأحباب لو سِرتُم على نهج فهم آيات القرآن فهماً جَامِدَاً حِسِّيَّاً وحرفيِّاً لعجزتم عن أن تحدّدوا مكان الخالق المعبود ـ إن كان له مكان سبحانه وتعالى !! ـ
تأملوا معي يرحمكم الله:
قال تعالى حكاية عن سيدنا إبراهيم عليه السلام : {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} (الصآفات : 99)، فهل تفهمون من ظاهر الآية أن الله - سبحانه وتعالى - في فلسطين إلى حيث هاجر إبراهيم عليه السلام؟ وهل ذهب إبراهيم إلى ربه حقيقةً وحسَّاً وتوجّه تلقاء الجهة التي هو فيها؟

ويقول الحق : {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(الحديد : 4)، وتأمل تعبيره بـ (أَيْنَ) !!
فهل الله سبحانه وتعالى معنا أينما كنا حقيقةً وحسّاً؟

ويقول الحق : {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (البقرة : 115)، وتأمل استعماله لجهتي الشرق والغرب ثم تعبيره بـ "أين"!! فهل الله في كل الجهات حقيقةً وحسَّاً؟

ويقول الحق : {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} (الحديد : 3) وجاء تفسيرها في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه الظاهر: ليس فوقه شيء ، والباطن : ليس دونه شيء!! فهل الله هو أسفل جميع مخلوقاته فليس دونه شيء حقيقةً وحسَّا؟

وجاء في الحديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلا يَبْصُقْ أَمَامَهُ ؛ فَإِنَّ رَبَّهُ أَمَامَهُ) مسند الإمام أحمد .
فهل الله أمام المصلي حقيقةً وحسَّاً؟؟ .. والمصلي في الحرم يصلي تجاه الكعبة مباشرة ، فهل الله داخل الكعبة؟؟

كل هذه أمثلة على أننا لا يجوز أن نفهم الآيات فهم حسِّي محض، بل لابد لها من تأويل.


ولكن إن فهمتَ أخي الحبيب الآيات الآتية بفهمٍ حسِّي وحرفيّ محض
ـ«سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى» (الأعلى : 1)ـ
ـ«وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ» (الأنعام : 61)ـ
ـ«تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ» (المعارج : 4)ـ
ـ«يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ» (النحل : 50) ـ
ـ«بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ» (النساء : 158)ـ
ـ«أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ» (المُلك : 16)ـ

فافهم أمثلة الآيات الأخرى التي أوردتُها بفهمٍ حسِّي أيضاً، وإن أوَّلت أي آية منها، فعليك أن تُأوِّل شبيهاتها... فإن لم تُأوّلها كلها وأوّلت بعضها فقط، أصبح هذا تحكُّمٌ وهوىً ولعياذ بالله .فأين الله إذن؟
في فلسطين حيث هاجر إبراهيم ليلاقي ربه، حين قال (إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ)؟
أم مع الجميع في كل مكان، حين قال: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)؟
أم في كل الجهات، حين قال :(وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ)؟
أم تراه أسفل وأدنى من كل شيء، حين قال: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ)؟
أم هو أمام المصلي.. حين قال صلى الله عليه وسلم (إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فِي صَلاتِهِ فَلا يَبْصُقْ أَمَامَهُ ؛ فَإِنَّ رَبَّهُ أَمَامَهُ)؟
أم هو داخل الكعبة.. لأننا نتوجه بالصلاة والدعاء تجاهها؟
أم هو فوق الملائكة؟


إذن أحبابي ، فالآيات القرآنية التي تتحدث عن ذات الله كثيرٌ منها يحتاج إلى التأويل ، فإنها لا تُفهم حِسَّاً محضاً ولا تُفَسَّر حرفياً ، ولا يصح أن نثبت بها جهة الفوقية أو الجنوبية أو الشرقية أو الغربية لذات الله سبحانه وتعالى كما يتوهم البعض... فـ كَوْن وجود ذات الله في جهة من الجهات هذا مستحيلٌ أصلاً في حق الله.


وهنـا ينبّهنا الإمام العالم الراغب الأصفهاني رحمه الله تعالى إلى معنى هام جداً في كتابه النافع "مفردات القرآن" يقول فيه :
[لفظ: فوق، يستعمل في المكان، والزمان، والجسم، والعدد، والمنزلة، وذلك كالآتي:
الأول: باعتبار العلو. نحو
ـ{وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ} (البقرة : 63)ـ
ـ{مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ} (الزمر : 16)ـ
ـ{وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِي مِنْ فَوْقهَا} (فصِّلت : 10)ـ

ويقابله تحت
قال: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}. (الأنعام : 65)ـ

الثاني: باعتبار الصعود والحدور، نحو قوله: {إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ}. (الأحزاب : 10)ـ

الثالثيقال في العدد، نحو قوله: {فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ} (النساء : 11)ـ

الرابع: في الكِبَر والصِغَر، نحو قوله تعالى: {مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} (البقرة: 26) ، قيل: أشار بقوله: {فَمَا فَوْقَهَا} إلى العنكبوت المذكور في الآية، وقيل: معناه ما فوقها في الصغر

الخامس: باعتبار الفضيلة،.. الدنيوية نحو: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} (الزخرف : 32)، أو الأخروية: {وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (البقرة : 112) ..أي {فوق الذين كفروا} في الدرجة والفضيلة

السادسباعتبار القهر والغلبة، نحو قوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} (الأنعام : 61) ، وقوله عن فرعون: {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} (الأعراف:127). انتهى.
___________________________________________________________________________


أما بالنسبة لحديث الجارية:
فهو حديث يعارض الحديث المتواتر الذي رواه خمسة عشر أو ستة عشر صحابيًا، وهذا الحديث المتواتر الذي يعارض حديث الجارية، هو قوله عليه الصلاة والسلام: "أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله"، هذا الحديث معناه، أنه لا يحكم بإسلام الشخص إلا بالشهادتين. أما حديث الجارية فيه أن الرسول اكتفى بالحكم لإسلام الجارية بأنها قالت: "في السماء"، ففيه أن الرسول قال لها: "أين الله؟"، قالت: "في السماء"، قال: "من أنا؟"، قالت: "رسول الله"، قال: "أعتقها فإنها مؤمنة".ـ

هذا اللفظ رواه مسلم من طريق صحابيٍ واحدٍ، ويوجد تعارض واضح بين هذا الحديث وبين الحديث المتواتر الذي رواه خمسة عشر صحابيًا ، لأن ظاهر حديث الجارية يوهم أنه يكفي أن يقول الشخص: "الله في السماء" للحكم عليه بالإيمان، وهذا خلافُ الحق وهو أن يُحكم بإسلام الشخص بالشهادتين فقط...... وعلى أي حالٍ اقرأوا معي كيف يفسر الإمام النووي رحمه الله حديث الجارية في كتاب "صحيح مسلم بشرح الإمام النووي" يقـول:
قوله صلى الله عليه وسلم: أين الله، قالت: في السماء، قال من أنا، قالت: أنت رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة.» هذا الحديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان.... أحدهما :الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقين، والثاني : تأويله بما يليق به، فمن قال بهذا قال : كان المراد بهذا امتحانها هل هي موحدة تقرّ أن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء > كما إذا صلّى له المصلي استقبل الكعبة، وليس ذلك لأنه منحصر في السماء، كما أنه ليس منحصراً في جهة الكعبة، بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين، كما أن الكعبة قبلة المصلين. أو هي من عبدة الأوثان، العابدين الأوثان التي بين أيديهم، فلما قالت في السماء، عُلِم أنها موحدة وليست عابدة للأوثان.] 
وهذه صورة من الكتاب
http://a1.sphotos.ak.fbcdn.net/hphotos-ak-snc6/249200_106490156107608_103595413063749_60218_3483375_n.jpg

وعلى هذا المعتقد - أحبابي في الله - سار أهل السلف الصالح من العلماء والأولياء والصالحين ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر

الإمام علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه
التابعيُّ الجليل الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم
الإمام جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين علي بن الحسين رضوان الله عليهم
الإمام المجتهد أبو حنيفة النعمان بن ثابت رضي الله عنه
الإمام المجتهد الشافعي رضي الله عنه

طوائف المحدثين والفقهاء والمفسرين من الأئمة الأعلام
شيخ الإسلام [أحمد بن حجر العسقلاني] شيخ المحدثين بلا مراء
صاحب كتاب [فتح الباري على شرح البخاري] وكتابه لا يستغني عنه أحد من العلماء .
شيخ علماء أهل السنة [الإمام النووي]ـ
صاحب شرح صحيح مسلم وصاحب المصنفات الشهيرة.
شيخ الإسلام [ابن حجر الهيتمي]
صاحب كتاب (الزواجر عن اقتراف الكبائر)ـ
شيـخ الفقـه والحديـث الإمـام الحجـة الثبـت 
[ زكريا الأنصاري ]

والإمام أبو بكر الباقلاني
والإمام العسقلاني 
والإمام النسفي 
والإمام الشربيني
وأبو حيان النحوي صاحب تفسير [البحر المحيط]ـ
والإمام ابن جزي صاحب (التسهيل في علوم التنزيل)ـ
الإسفراييني
إمام الحرمين الجويني
حجة الاسلام أبو حامد الغزالي
الفخر الرازي
البيضاوي
الآمدي
الشهرستاني
البغدادي
سلطان العلماء العز ابن عبد السلام
ابن دقيق العيد
ابن سيد الناس
البُلقيني
العراقي
الرافعي
وجميع مشايخ الاسلام مشايخ الأزهر الشريف وغيرهم.

وأيضاً سار على هذا المعتقد مفسرون الأمة من السلف الصالح - نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر - :
شيخ المفسرين الإمام القرطبي: صاحب تفسير [الجامع لأحكام القرآن]ـ
الإمام ابن كثير
ابن عطية الأندلسي
أبو حيان الأندلسي
فخر الدين الرازي
الواحدي أبو الحسن علي النيسابوري
الآلوسي
السمين الحلبي
جلال الدين السيوطي
الخطيب الشربيني
الطاهر بن عاشور
فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي
وهبة الزحيلي

وأيضاً من الحفّاظ على سبيل المثال لا الحصر:
أبو الحسن الدارقطني
أبو نعيم الأصبهاني
أبو ذر الهروي عبد بن أحمد
الحاكم النيسابوري
ابن حبان البستي
أبو بكر البيهقي
ابن عساكر
الخطيب البغدادي
محي الدين يحي بن شرف النووي
صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي
ابن أبي جمرة الأندلسي
الكرماني شمس الدين محمد بن يوسف
المنذري
السخاوي
القسطلاني
المناوي

ومن كتّاب السيرة من سار على نفس المعتقد، نذكر منهم - على سبيل المثال لا الحصر - :
القاضي عياض
ابن الجوزي
الحلبي
السهيلي
الصالحي الدمشقي الشافعي المتوفى (942)، صاحب سبل الهدى والرشاد، تلميذ الإمام السيوطي

إذن يتضح لنا جليّاً الآن - إخواني الأحباب - أن عقيدة السلف الصالح وأهل السنة والجماعة هي أنه سبحانه وتعالى بلا مكانٍ ولا جهة ، سبحانه وتعالى تنــزّه وتقدّس عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ، لا تحويه الجهات ولا تحده الحدود .... فاحفظ عقيدتك أخي المسلم ولا تجعل "الإنترنت والمواقع الدينية وفوضى الفتاوى والقنوات الفضائية" هو طريقك الوحيد لتعلّم عقيدتك، ولكن اقرأ في كتب السلف الصالح من العلماء والمحدثين والمفسرين والأئمة وشيوخ الإسلام، وتعرَّف على عقيدتك التي شوّهها كثيرٌ من الذين لا يعترفون بتأويل وتفسير النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.

واَلْحَمْدُ للهِ الَّذي هَدانا لِهذا وَما كُنّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا اَنْ هَدانَا اللّهُ
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على نور العيون وطب القلوب سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلامٌ على المرسلين .. والحمد لله رب العالمي