Sheikh al-Azhar Hassan al-Attar


                   أئمة التنوير.. شيخ الأزهر الإمام حسن العطار.. مفجر حلم النهضة.. قال: «من لم يتأثر برقيق الأشعار، تتلى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار، فى ظلال الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار

                   وائل السمرى يكتب:»



يقولون إن أشد ساعات الليل إظلاما هى تلك التى تسبق الفجر مباشرة، ويبدو أن هذه النظرية الطبيعية الكونية التى تبرز العلاقة بين الظلام والضوء تتطابق مع ما تعيشه المجتمعات فى دوراتها بين الإظلام والتنوير، ففى عمق ظلمة الصراع بين الفرس والروم، ولدت البعثة المحمدية، وفى أشد مراحل الدولة الأموية قهرا جاء الخليفة عمر بن عبدالعزيز، ورأينا فى الحلقات السابقة أنه فى ظلمات الشك والتخبط جاء الإمام الغزالى، وفى عصر الأزمة وتهديد الهوية العربية الإسلامية هل علينا الإمام العز بن عبدالسلام، وفى ظلمات الباطنية والتخبط جاء إلينا الإمام الشاطبى، وها نحن اليوم نعرض لسيرة ومسيرة أحد أكبر علماء الأزهر وأول باعث لنهضة العلم فى مصر، وهو الإمام حسن العطار شيخ الأزهر ومجدد الدولة وصاحب المؤلفات والشروح الكثيرة التى أحدثت حراكا ثقافيا وفقهيا كبيرا فى عصره، وهو الشاعر الرقيق والشيخ الواثق، والمكافح الذى لم يعبأ بجهل يحيط به ولا تخلف يعانى منه المجتمع، فحمل شعلة التنوير بفكره وقلمه وإمامته، فكان بحق غارس نهضة مصر والأزهر، وإمام أهل العلم والعمل.

أطلق الإمام حسن العطار صرخته حينما رأى من تقدم الفرنسيين ما رأى فى الحملة الفرنسية: «إن بلادنا لا بد أن تتغير أحوالها، ويتجدد بها من المعارف ما ليس فيها»، فظلت هذه الصرخة تتردد حتى تغيرت البلاد وأدخل من العلم ما ليس فيها، فتسيدت مصر ما حولها من بلاد وأصبحت أهم وأكبر أقاليم العالم الإسلامى بعدما شربها الإهمال وأنهكتها السرقة وعمها الجهل أثناء فترة الحكم العثمانى لمصر، فصارت روحه تتوق إلى كل جديد، وصار قلبه يهفو إلى العلم أينما كان، فقد كان رحمه الله يقول: من سَمَتْ هِمته به إلى الاطلاع على غرائب المؤلفات، وعجائب المصنفات، انكشفت له حقائق كثير من دقائق العلوم، وتنزهت فكرته إن كانت سليمة فى رياض الفهوم».. أشادت باستنارته وعلمه وأدبه دائرة المعارف الإسلامية فجاء فيها أنه: كان العطار رجلاً مستنيراً، اشتهر بعلمه، وكان أيضاً شاعراً ناثراً، وقال عنه محب الدين الخطيب فى كتابه عن «الأزهر»: وكان العطار متضلعاً فى العلوم الرياضية فضلاً على العلوم الشرعية والعربية، وقال عنه المؤرخ عبدالرحمن الرافعى: وكان الشيخ حسن العطار من علماء مصر الأعلام، وامتاز بالتضلع فى الأدب وفنونه، والتقدم فى العلوم العصرية، وكان هذا نادراً بين علماء الأزهر، كما قال عنه رفاعة الطهطاوى: كان له ولوع شديد بسائر المعارف البشرية، وقال عنه على مبارك: «إنه اشتغل بضرائب الفنون والتقاط فوائدها»، والشيخ الجليل عبدالمتعال الصعيدى الذى قائلاً: «موقف الشيخ العطار من العلوم الرياضية بشكلها الجديد يدل على ما كان يمتاز به من مرونة عقلية ودينية، وعلى أنه كان فى هذا أحسن حالاً من أهل الأزهر الذين حاربوا العلم بعده باسم الدين»، أما المؤرخ الأشهر لعصره عبدالرحمن الجبرتى فقال فيه: «صاحبنا العلامة، وصديقنا الفهامة، المنفرد الآن بالعلوم الحكمية، والمشار إليه فى العلوم الأدبية، وصاحب الإنشاء البديع والنظم الذى هو كزهر الربيع، الشيخ حسن العطار».

ولد الإمام العطار فى العام 1766 أى قبل مجىء الحملة الفرنسية على مصر بنحو ثلاثين عاماً، ووقتها كانت مصر تئن تحت الحكم الخليفة العثمانى ووكلائها من المماليك الذين كانوا كثيراً ما يتصارعون فتصاب الأسواق بالخراب والزراعات بالبوار وتمتلئ البيوت بالنواح والحرائق، وتركزت السلطة والثروة فى يد قلة قليلة من المماليك والأجانب فعاش الشعب فى ضنك مرير، ضاعفه كثرة استيراد البضائع الأجنبية التى أضرت بأصحاب الحرف وأفقرتهم، كما انهارت الزراعة والتجارة الزراعية بسبب احتكار الأغنياء للبائع والمأكولات التى ظلوا يتلاعبون بسعرها فأدى هذا إلى انهيار السوق، كما أدت ظهور طبقة التجار الأجانب المقربين من المماليك إلى الإسراع بوتيرة الدهور المستمر للسوق المصرية فعم الفقر والغلاء والقهر والبلاء، ولعل هذا الذى رآه الإمام العطار من انحدار الثقافة والصناعة والعلوم هو ما جعل ثورته لا تهدأ من أجل تحديث مصر وإدخال العلوم وإدخالها عصر العلم والتحديث، ليعيد إلى الأذهان اهتمام الأئمة الكبار بالعلوم الكونية والطبيعية مثلما كان الحال مع الإمام جعفر الصادق الذى كان أستاذاً لجابر بن حيان مؤسس علم الكيمياء والجبر فى العالم.

ومثلما كان الحال مترديا فى العلوم الدنيوية كان كذلك الحال فى العلوم الدينية، وهذا ما رصده عالم إنجليزى فى تقريره لحكومته فى بداية عصر محمد على باشا حيث يقول: إن التعليم الذى يقوم به أساتذة الشريعة فى المعاهد الدينية لتنشئة علماء الدين المسلمين قليل الجدوى، بل إنه ليهبط إلى مستوى يبلغ فيه من التفاهة الحد الأقصى، فحظ دراسة الآيات القرآنية التى تحض على الفضائل وتدعو إلى الأخلاق الحسنة قليل جدا إذا ما قارناه بحظ المسائل الشكلية فى الإسلام من الدراسة مثل معرفة مقدار التلوث فى الماء الذى يفسد الوضوء!!» وكان الإمام العطار على وعى كبير بتلك المشكلة فقال فى شرحه لكتاب «جمع الجوامع فى أصول الفقه» إن من تأمل فى علمائنا السابقين يجد أنهم كانوا مع رسوخ أقدامهم فى العلوم الشرعية لهم اطلاع عظيم على غيرها من العلوم، والكتب التى ألفت فيها حتى كتاب المخالفين لهم فى العقائد والفروع، وأعجب من ذلك تجاوزهم إلى النظر فى كتب غير أهل الإسلام من التوراة وغيرها من الكتب السماوية واليهودية والنصرانية، ثم هم مع ذلك ما أخلوا فى تثقيف ألسنتهم برقائق الأشعار، ثم يدين الإمام العطار الحال الذى وصلت إليه العلوم الشرعية فى زمنه قائلاً: «ومن نظر ذلك وفيما وصل إليه الحال فى الزمن الذى وقعنا إليه علم أننا (كعلماء) منهم بمنزلة عامة أهل زمانهم» أى أنه يدين الحالة العلمية فى زمنه ويدين جهل العلماء وكسلهم فى التحقيق والتفقه حتى أنه يساوى بين علماء عصره وعامة الناس فى العصور السابقة، ويشرح الإمام العطار أسباب هذا الوضع قائلاً إنهم كعلماء: قصارى أمرنا النقل عنهم بدون أن نخترع شيئا، نكرر ما قالوا فى كتبهم طوال العمر فإذا مر علينا سؤال من علم الكلام لم نجده فيها قلنا إنه لا أصل له، وإن مرت نكتة أدبية قلنا هذا علوم أهل الباطل.
وبينما كانت الحالة السياسية والثقافية فى المجتمع المصرى فى الحضيض كانت كذلك الحالة الاجتماعية، فقد انتشرت الخرافات والخزعبلات وانقاد المجتمع للظلمات والأوهام، ويروى الجبرتى حادثة مضحكة تدل على ما وصل إليه المجتمع من تخلف وجهل، بطلها هو الشيخ عبداللطيف كبير خدام مشهد السيدة نفسية، الذى وجد أن أهل مصر فى الجهل يرتعون فاستغل جهلهم وطيبتهم، وجلب معزة من السوق وادعى أن السيدة نفسية كلمته من قبرها وأوصته بها، وقال للناس إن هذه المعزة لا تأكل إلا اللوز والفستق، ولا تشرب إلا ماء الورد والسكر المكرر، فجاء إليه الناس بقناطير المكسرات وجرار ماء الورد، وتبارت النساء فى عمل القلائد للمعزة وزينوها بأطواق الذهب وحملوا إليها النذور، ولما علم الوالى عبدالرحمن كتخدا بهذه القصة، أحضر المعزة فى غفلة من عبداللطيف ثم ذبحها وشواها ودعا الشيخ عبدالشيخ اللطيف إلى الغداء وصار يأكله من لحم المعزة والشيخ يأكل مبدياً إعجابه بلحمها الطيب، ثم أخبره الوالى بعد فراغه من طعامه بأنها عنزته ووبخه على دجله وشعوذته وأمر بأن يوضع فراء العنزة على رأسه ويسار به فى شوارع القاهرة، لتعايره الناس.

وجد الشيخ العطار مصر على هذه الحال، ووجد اللغة العربية تنحدر انحدارا لا مثيل له، بينما هو طفل صغير يأبى أبوه أن يعلمه، فاعتمد على نفسه وحفظ القرآن الكريم كاملا، ولما وجده أبوه متعلقا بالعلم سمح له بالدراسة، فإذا به ينتهى من المنهج الابتدائى بسرعة فائقة، ويرفض أن يدخل سوق العمل عازما على إكمال دراسته بالأزهر الشريف، وفى الأزهر أحب اللغة العربية حبا جما ودرس فقه اللغة وأجاده وجذبه علم أصول الدين فقرأ فيه باستفاضة، أهلته للتخصص فى هذا العلم وتأليف الكتب المهمة فيه، وبينما هو شاب يافع فى العشرين من عمره يؤلف كتابا فى علم النحو، وبعدها بسنوات ألف كتابا آخر فى علم البلاغة اتضحت فيه رغبة العارمة فى التجديد والثورة على القديم، كما تمتع أيضا بجرأة فى التناول فبدلاً من أن يحشو كتابه بمقدمة تقليدية يبرز فيها أهمية علم البلاغة دينياً وفقهياً ابتدأه بكتابة أبيات شعر تلخص ما فى الكتاب وتعرض ما فيه من أبواب، كما عرض لتاريخ علم البلاغة وأصوله وتطوره، وفى سنة 1794 وضع حاشية على كتاب أستاذه خالد الأزهرى، نقد فيها كتبا كان شيخه قد استفاض فى شرح محاسنها.

ويبدو أن حب الشيخ للتمرد على الأوضاع المتردية هو ما جعله يميل دائما للأسفار، وبرغم أنه كان محبرا فى أسفاره الأولى لكنه اندماجه فى المجتمعات التى سافر إليها واستفادته منها تؤكد أنه كان دائما يبحث عن الجديد ويحدوه فضوله العلمى إلى مزيد من الاستيعاب، فقد ترك الشيخ قاهرته التى أحبها فى أول الأمر بعد قدوم الحملة الفرنسية، وهرب مع من هربوا إلى الصعيد، حيث يسيطر مراد بك القائد المملوكى الذى قاوم الاحتلال الفرنسى، وكانت هذه المحنة مؤثرة بشكل كبير على نفسية وشخصية الإمام، فقد رأى فيها الموت أكثر من مرة سواء فى رحلته إلى أسيوط أو فى إقامته فيها أو فى رجوعه منها، فتعرض إلى ويلات المطاردة فى السفر، كما رأى الطاعون يحصد أرواح الناس عندما ضرب الطاعون الصعيد فوصف ذلك إلى صاحبه عبدالرحمن الجبرتى فى رسالة بليغة وضعها شيخ المؤرخين فى كتابه، ويبدو أن هذه الرسالة هى التى جعلت صاحبه يلح عليه فى القدوم إلى القاهرة، وهى الرحلة التى قاسى فيها أيضاً من تهديد العربان والبدو المستمر للمسافرين.

بعد أن أتى الشيخ إلى القاهرة وجد جنود الحملة وعلماءها منتشرين فى كل مكان، فهجاهم فى البداية وذمهم وكتب شعرا فى احتقارهم قال فيه:

إن الفرنسيس قد ضاعت دراهمهم فى مصرنا بين حمار وخمار
وعن قريب لهم فى الشام مهلكة يضيع فيها لهم آجال وأعمار
كما هجا فعلهم حينما هدموا بعض القصور والبيوت بمدافعهم فى قصائد طويلة وصف فيها ما كان بتلك القصور من مظاهر الحسن والجمال، لكن الشيخ الذى يحب أن يتعرف على كل ما هو جديد قادته غريزة المعرفة للاطلاع على منجزات الحضارة الفرنسية التى حملها علماء الحملة، فتقرب منهم، وتعرف على علومهم وصادق أحدهم، وأثنى على دراستهم للفلسفة والعلوم، وهو فى ذلك يفرق بين مدفع الفرنسى وعلمه، وبحسب وصف الباحث الأمريكى بيتر جران كان يزدريهم ويصفهم بـ«الفرنسيس الكفرة» ولسبب غير معلوم يقرر الشيخ الهرب من الفرنسيين مغادراً إلى تركيا ثم إلى دمشق وفلسطين وهى الرحلات التى أثرت فى تكوينه بشكل كبير، حيث اكتشف أن الصراعات الفكرية من الممكن أن تهدم المجتمعات كما أيقن من أن للتعصب المذهبى والفكرى آثار مدمرة تفوق آثار الاحتلال، لكنه فى رحلاته هذه استفاد بقدر كبير من العلوم التى أتيحت له هنا كما استفاد منه الشوام والأتراك فقال مترجم سيرته عبدالرازق البيطار عن استقبال الدمشقيين له: «فتلقاه أهلها بما لاق وعقدوا على تفوقه وتفرده بالفضائل كلمة الاتفاق»، وهناك تعرف على منجز الثقافات المختلفة وأهمها المنطق والفلسفة كما قرأ كثيراً عن تراث الهند وحراكها الفكرى وقارنه بالركود الشائع فى مصر، ودرس فى تركيا علوم الطب وهناك ألف كتابا عن التشريح انتقد فيه العالم المسلم الكبير ابن سينا، وقد كان ولوعا بدراسته هذه العلوم مؤكداً أنها تزيد الإنسان يقينا وإيمانا بالله وقدرته وقال متحسرا على بلده وافتقارها لهذا العلم «إن هذه المجالات لا يطرقها إلى عدد قليل من الناس فينقذون البشرية من الجهل والتخلف»، ولذلك دافع عن إدخال علم الطب إلى مصر وحينما حدث يوماً أن حاول أحد الطلاب أن يفتك بالطبيب كلوت بك وهو يمارس تشريح جثة فى مشرحة مدرسة الطب بأبى زعبل، وقف الإمام «حسن العطار» وقد كان وقتها شيخا للأزهر فى امتحان مدرسة الطب وقال إن الدين الحنيف لا يتنافى مع العلم ولا يعارضه وأشاد بتعليم الطب وفائدته فى تقدم الإنسانية.

يعود الإمام إلى مصر سنة 1815 فيجد أن الأحوال قد تغيرت وملك زمامها الوالى محمد على الذى أخذ على عاتقه نهضة مصر وتقدمها، وهو الحلم القديم للشيخ العالم، فتقرب العطار منه وصار من مستشاريه، حتى أنه تولى رئاسة تحرير جريدة الوقائع المصرية الناطقة باسم الدولة، وفى ذات الوقت عاد إلى التدريس بالأزهر، وكانت حلقته تغص بالطلاب، كما كان العلماء يتركون دروسهم ويتكاثرون على حلقته ليستمعوا إلى دروسه فى علم أصول الدين واللغة، ولذلك قال عنه المؤرخ على مبارك إن «أكابر المشايخ كانوا إذا جلس للدرس تركوا حلقاتهم وقاموا إلى درسه».

وبرغم علم الإمام الكبير وتبحره فى تخصصاته اللغوية والدينية، لكنه لم يكن يكف عن مطالعة الكتب الأجنبية، وأخذ ينهل من الكتب المترجمة من التركية والفرنسية واليونانية، حتى قيل عنه «إن كلفة بالمعرفة والتعلم هو الذى جعله فذا بين أقرانه تلميذا وأستاذا، ولعل شغف الشيخ الكبير بالعلم هو الذى جعل محمد على يؤثره على من سواه، وهو ما رحب به الشيخ الذى رأى فى محمد على خير معين على تحقيق حلمه بتحديث مصر، فنال الشيخ ما يحلم به من إنشاء مدارس العلوم والطب والهندسة فى مصر كما كان مستشارا للوالى فى ترشيح من يراهم جديرين بالسفر فى البعثات، وإليه يعود الفضل فى ترشيح تلميذه رفاعة الطهطاوى للسفر إلى فرنسا وهى البعثة التى كان لها أكبر الأثر فى تاريخ مصر وتطوير علوم الأزهر، ويبدو أن الشيخ كان دائم الاختلاف مع علماء الأزهر التقليديين، وبرغم أنه لم يصلنا شىء من هذه الخلافات لكن هناك قصيدة شاعر شاب ليؤيده ويذكر محاسنه وأفضاله عقب معركته مع بعض الشيوخ، فقال الشاعر فى قصيدته:

هو فى سماء العلم بدر كامل ما أن يصاب تمامه بسرار
هو فى المعارف صاحب الحال الذى يمتاز عند تنكر الأخبار
هو فى الزمان السعد والعز الذى تعتز مصر به على الأمصار
وقال آخر
ورأى الأقاحى عطر ثغرك فانتشى متعجبا يثنى على العطار
يزهو على الأعصار عجبا عصره وتتيه مصر به على الأمصار
وبرغم أن الشيخ كان يرى بعينه تحقق حلمه فى أن تكون بمصر مدارس للعلوم والفنون والطب والهندسة، وبدأ يرى ما كان يحلم به من تقدم وازدهار لكنه لم ينس الأزهر ذلك البيت الكبير الذى يعرف أنه بداية صلاح مصر ونهوضها، ولذلك عمل بقوة ليحدثه ويطور مناهجه مخففا من حدة التشدد الفكرى والتعصب المقيت، ويروى عنه أن أحدهم لامه وهو شيخ الأزهر فى حبه لسماع الأغانى وكتابة الشعر الغزلى فقال له:

«
من لم يتأثر برقيق الأشعار، تتلى بلسان الأوتار، على شطوط الأنهار، فى ظلال الأشجار، فذلك جلف الطبع حمار»، كما عمل على أن يعيد للعلم سيرته الأولى بأن يحصن العالم بالأدب والعلوم الطبيعية بجانب العلوم الدينية لما فى ذلك من فائدة عظيمة، لكنه حرص على ألا يصطدم بشكل مباشر مع شيوخ الأزهر المنغلقين، فأوعز إلى تلميذه محمد عياد طنطاوى بأن يعطى دروسا فى الشرح والتعليق على كتب الشعر والأدب، وبفضل هذا التوجيه استطاع الإصلاح فى الأزهر أن يسجل أول حركة فى الدراسات الأدبية والشعرية فى صحن الجامع العريق، كما أنه ينسب إليه الفضل فى تعرف الأزهريين على كتب الأدب المختلفة مثل كتاب الأغانى لأبى الفرج الأصفهانى، وبرغم دور الإمام حسن العطار الكبير وتفقه الواسع لم ينل حظه حتى الآن من اهتمام الباحثين حيث تكتظ مكتبة دار الكتب بمؤلفات الشيخ التى تصل إلى ما يقرب التسعين مؤلفا، ما بين علوم الفقه وأصول الدين والنحو والبلاغة والفلسفة والطب، والهندسة، وما بين شروح ومقالات وأشعار، وظلت هذه المخطوطات القيمة والتى شكلت وعى عصر نهضة مصر الحقيقى مجهولة لا يراها دارس ولا قارئ.