al-Kiram al-Alami


كشف أسرار أكثر القرى غموضا فى مصر: عالم "الكرام"!
المصدر: الأهرام اليومى

  


لا أخفى أننى عندما قررت زيارة هذا المشروع، كان بداخلى شغف كبير بإكتشاف أسراره بعد أن سمعت عنه الكثير لدرجة وصفه بأنه واحد من أغرب المشروعات الزراعية على الإطلاق فى مصر! أتحدث هنا عن مزرعة شركة "الكرام" المساهمة والتى تعد بمثابة قرية متكاملة الخدمات والمرافق على مساحة 500 فدان بطريق القاهرة - الأسكندرية الصحراوى وتحديدا بمنطقة التحدى على بعد نحو 90 كيلو متر من القاهرة وأنشأها ضابط مهندس بالقوات المسلحة سابقا وهو إمام الطريقة الصوفية الكبرى "الدسوقية المحمدية" الشيخ مختار على محمد وربما لذلك تشعر بالبركة فى كل أرجاء المزرعة وجوانبها. فهناك تقام ليالى الذكر.
والمدهش حقا أن هناك نحو 150 أسرة على الاقل تعيش داخل القرية إعاشة كاملة وربما لا يغادرها بعض أفرادها من الرجال سوى لقضاء أعمالهم ثم العودة سريعا إليها وجميعهم من أتباع الطريقة. والكل يعمل هناك الكبير قبل الصغير مهما كان منصبه، فهم ليسوا مجرد مزارعين، بل مستشارين ومهندسين وضباط وأساتذة جامعات وغيرها من المناصب. ولذا لم أتعجب عندما زرتها ووجدت أن من يقدم لى فنجان الشاى بترحاب شديد وهو يرتدى ملابس العمل الخاصة بحصاد الإنتاج السمكى بالمزرعة. مهندس شاب تخرج فى الجامعة الأمريكية!.
بل حتى الأطفال هناك من أبناء القرية يبدأون العمل بمجرد بلوغهم السادسة من العمر لتجهيزهم كجيل ثان لإدارة شئون المزرعة مستقبلا، فبعد عودتهم من مدارسهم فى محيط القرية يتجه كل منهم إلى عمله. فتجد من يقدمون العلف للأسماك حيث تضم القرية نحو 13 حوضا أسمنتيا للإستزراع السمكى للبلطى والقراميط والتى تنتج نحو 100 طن فى الدورة الواحدة أو من يهتمون بأحواض الزريعة السمكية أو يرعون الأغنام أو يحصدون البرسيم وغيرها من الأعمال التى تضمها المزرعة وجعلت إسمها عالميا بعد كرمتها اليابان وإختارتها ضمن أفضل 100 مشروع زراعى فى العالم بل وأعد عنها الدكتور جمال مختار الرسالة العلمية التى حصل بها على شهادة الدكتوراة فى الإقتصاد بعنوان "نظم الإنتاج المتكاملة للإستزراع السمكى والزراعة ودورها فى الإستغلال الإقتصادى الأمثل للمياه والأراضى وبالمناسبة فهو نجل المهندس "مختار على محمد" إمام وشيخ الطريقة الدسوقية المحمدية.
هناك ترى الإنضباط الصارم فى كل جوانب الحياة، والإلتزام الكامل بالقانون المصرى، فمثلا المبانى كالفيلات والشقق السكنية بمختلف مساحاتها ومناطق سكن العمال بنيت بنظام موحد على مساحة 2% من إجمالى مساحة الأرض فقط وتم تجميعها فى منطقة واحدة ويتواجد بها منطقة خدمية متكاملة لتوفير الإحتياجات الأساسية لأهالى الكرام، وهو ما يتطابق إلى حد بعيد مع الريف الأوروبى فالزراعة بمختلف مشروعاتها بعيدة عن التجمعات السكنية، ولكن كيف تمارس الزراعة فى "الكرام" ولماذا بهرت العالم؟!
فى مؤتمر كيوتو العالمى فى اليابان قبل عدة سنوات إستعرض الشيخ "مختار" تجربة الكرام والتى تؤكد أن تربية الأسماك فى الصحراء ترشد إستهلاك المياه، حيث يتم إستصلاح الأراضى الجديدة وزراعتها على مياه تربية الأسماك المخصبة للتربة بمعنى إستصلاح الأراضى الجديدة وزراعتها على مياه تربية الأسماك المخصبة للحصول على عوائد متوازية فى منظومة إقتصادية متكاملة مع مراعاة البعد البيئى معتمدة على إعتدال دورة المياه وذلك بزراعة لأراضى الجديدة على مياه الصرف بأنواعها حيث يتم إستخراج المياة من الآبار الجوفية وضخها فى الأحواض الأسمنتية المربى بها الأسماك وفى حالة صرفها وتغييرها تروى بها الأراضى المستصلحة حيث أنها مخصبة ومحملة بأسمدة كمواد عضوية ناتجة من مخرجات الأسماك وفضلاتها ومن ثم تربى الأسماك على مياه جوفية نظيفة خالية من أية ملوثات كيمائية أو ميكروبية. من هنا فاز الشيخ مختار بالمركز الأول على العالم بمشروعه رغم أن الـ99 مشروع الآخر المنافس له كان حكوميا ويمثل أشهر مراكز الأبحاث العالمية. هل أدرك من وضعوا قانون الرى المصرى بأنهم يرتكبون جريمة كبرى بأن جعلوا الإستزراع السمكى على مياه الصرف ويرفضون تعديله!
ويقوم المشروع على 10 أسس يجب تحديدها بدقة بالغة وهى المساحة المراد إقامة المشروع عليها وتحديد نوع المزروعات المراد زراعتها على مياه الأسماك وحساب المقننات المائية اللازمة للزراعة وانشاء الآبار المنتجة للمياه وحساب الطاقة والقوى المحركة لإستخراج المياه وحساب حجم الأحواض اللازمة لإستيعاب المياه وعدد الزريعة اللازمة للتربية والعلائق اللازمة للتربية وحجم قطيع الأغنام وحساب العمالة اللازمة للمشروع المتكامل وعمل دراسة جدوى صحيحة لا تقوم على الفرضيات، ومن هنا تتحقق العوائد المتوازية وهى توافر الزريعة السمكية طوال العام والأصبعيات وأمهات البلطى للمشروع وللراغبين فى إنشاء مفرخات وأسماك البلطى النيلى وحيد الجنس على مدار العام وانتاج القراميط النظيفة والإنتاج الزراعى والحيوانى والبيوجاز.
وبإختصار شديد فإن المشروع الذى زاره أشهر السياسيين مثل د. عاطف عبيد ود. يوسف والى ود. على لطفى رئيس وزراء مصر السابق ود. محمود أبوزيد ود. محمود رياض والعشرات من رجال الأعمال لمتابعة الدورة المغلقة التى تنفذ بإحترافية عالية وتعتمد على تربية أسماك البلطى ثم صرف المياه لأحواض تربية القراميط لقدرته على تحمل إنخفاض الأكسجين وإرتفاع الأمونيا، ثم تصرف المياه بمحتوياتها من مخرجات الأسماك وبقايا الأعلاف للأراضى لزراعة البساتين والبرسيم الحجازى والتى تنتج أعلاف للثروة الحيوانية من أغنام ومواشى والتى تنتج الألبان ومنتجاتها، أما مخرجاتها فتوجه من جديد لتسميد الأرض ووحدة البيوجاز لإنتاج طاقة آمنة وأسمدة معقمه. وربما لا يعلم أحد أن تطبيق مثل هذا النموذج المتكامل على مساحة مليون فدان توزع على مستوى الجمهورية، يوفر نحو 250 ألف فرصة عمل و500 ألف طن أسماك بلطى سنويا و1500 طن لحوم
وأخيرا كان يرافقنى فى الجولة داخل مزرعة شركة الكرام الدكتور جمال مختار والذى كان شديد الدقة فى شرح كل جوانب العمل بالمزرعة، فقلت له بصورة مباشرة. وماذا عن الطريقة الدسوقية المحمدية وما هى حكاية المريدين والعشاق الذين يأتون بالآلاف من شتى بقاع الأرض إلى الكرام حيث حلقات الذكر وجلسات الإنشاد. ماذا يحدث وهل حقا تمول من الخارج؟!
قال لى الرجل بهدوء شديد: الطريقة الدسوقية المحمدية تتبع المجلس الأعلى للطرق الصوفية وشأنها شأن كثير من الطرق فى مصر والتى تتبع القانون 168 لسنة 1976 والطريقة دعوة إلى الله جل شأنه وتعالى إسمه ورسولة الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام. بالحكمة والموعظة الحسنة لإحياء السنة ونبذ البدع ولها شيخ درعه وسيفه كتاب الله وسنة رسوله الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام وشيوخها هم سيدى إبراهيم الدسوقى ثم الشيخ محمد عثمان السودانى ثم الشيخ مختار على ولنا 120 مقر على مستوى الجمهورية وهنا فى "الكرام" المقر الرئيسى.
وأضاف أنها إحدى الطرق التى يتبعها آل البيت وهو مصطلح يشمل "نسب الدم ونسب المحبة شرط صحة الإتباع بمعنى أن الذرية التى تنسب لسيدنا ورسولنا الكريم محمد عليه أفضل الصلاة والسلام من صلح منها يصبح من العترة ومن تفوق من العترة يصبح من الأهل ولكن شرط صحة الإتباع ويأتون دائما فى الليالى الدينية للإحتفال معنا مثل الإسراء والمعراج وليلة القدر وغيرها، وبالمناسبة لا يشترط فى المساهمين فى الكرام تبعية الطريقة المحمدية الدسوقية على الإطلاق.
قلت: هل يأتيكم تمويل من الخراج؟!
قال بضحكة عالية: هل تعلم أنه فى أحد الأيام زارنا فى الكرام الخبير الزراعى العالمى "جيف جورى" وهو إسترالى الجنسية ووصف المزرعة بأنها تفوق المعايير العالمية للإستزراع السمكى الذى يتبعه الإستزراع النباتى وعرض علينا تمويل بنحو مليونى يورو لمزيد من التطوير والإنجاز وبالطبع كان رفضنا قاطعا خوفا من أن يقال أن الطريقة الدسوقية المحمدية تمول من الخارج. وباليورو
!.
http://digital.ahram.org.eg/Community.aspx?Serial=1339947