Masyikhah Turuq Sufiyyah : as-Saadah al-Bakriah


Masyikhah Turuq Sufiyyah : as-Saadah al-Bakriah
مشيخة الطرق الصوفية – أول من تولاها محمد بن محمد أبى السعود البكرى 1812 م
مات شيخ السجادة البكرية الشهير الشيخ محمد أبو السعود البكرى في نوفمبر 1812 م، وقبل وفاته بوقت قصير ذهب كل من: العلامة الشيخ محمد الشنواني (وهو شيخ الأزهر في ذلك الوقت)، وعدد من «العلماء»، ورؤساء الطرق؛ بناء على طلب الشيخ محمد أبو السعود شيخ السجادة البكرية مع ابنه محمد إلى الباشا محمد على ؛ ليطلبوا منه تعيين ابنه في مكانه.
ولدى تعيين محمد البكري في منصب شيخ السجادة البكرية، صدر فرمان يتضمن فقرة واضحة وصريحة على سلطته على الطرق في جميع أرجاء مصر؛ بل وعلى جميع التكايا والزوايا والأضرحة.
وكان إصدار هذا الفرمان مثل جزء من اصطلاحات محمد علي، الهادفة إلى جعل الحكومة حكومة مركزية، ولم يكن صدور هذا الفرمان نابعًا فقط من كرم الباشا وطيبة قلبه، واستجابة بريئة لمطلب العلماء؛ بمعنى أن هذا الفرمان لم يكن مثل حدث فردي غير مرتبط بالأحداث الجارية؛ بل ويبدو أن هذا الفرمان كان مثل وسيلة نحو تحقيق أهداف محمد علي باشا السياسية، فقد قوض هذا الفرمان مركز محمد أبو الأنوار السادات، شيخ السجادة الوفائية ونقيب الأشراف بعد ذلك.
ولقد ادعى الكثيرون من رؤساء الطرق، ورؤساء الزوايا والتكايا، والمشرفين على الأضرحة: بأنهم من سلالة الأشراف، وبإعطاء البكري سلطة قضائية عليهم، تقلص نفوذ السادات إلى حد كبير.
بل والأكثر من ذلك: أن السلطة الممنوحة للبكرى، تضمنت إمكانية إشرافه بشكل غير مباشر على إدارة شئون أوقاف الأشراف؛ حيث كان تعيين الموظفين في نظارة الأوقاف، متوقفًا على الموافقة النهائية للبكري.
ولكن يبدو أن إضفاء الصفة القانونية على سلطة البكري، والتوسع في هذه السلطة -كان يقصد به زيادة تقويض مركز «العلماء»، قبل أن يشرع محمد علي باشا في القيام بالإصلاحات الحاسمة المتعلقة بالأراضي والضرائب، في الفترة ما بين عام 1812 وعام 1814 م؛ فهذا قد جعلهم معتمدين من الناحية المالية على الحاكم إلى حد كبير، فالعديد من العلماء المشهورين كانوا يمارسون الطقوس الصوفية، وكان كثير منهم رؤساء للطرق.
وبصفة خاصة نجد أن الخلوتية وفروعها، كانوا من «العلماء» وشيوخ أزهريين، فمنذ عهد الشيخ العارف سيدى مصطفى كمال الدين البكري (1161 هـ/ 1749 م)، شيخ الطريقة الخلوتية فى مصر - كان شيخ الإسلام محمد بن سالم الحنفي شيخ الأزهر من عام (1171 هـ/ 1757 م إلى عام 1181هـ/ 1767 م)، وكان من بين خلفائه علماء مشهورون، تقلدوا وظائف دينية مهمة؛ مثل: العلامة الشيخ إسماعيل الغنيمي شيخ المالكية، والعلامة الشيخ محمد المنير السمنودي شيخ القراء والمحدثين بالأزهر، وشيخ الإسلام العلامة الإمام المحقق الشيخ أحمد الدردير «1127- 1201 هـ/  1715- 1786م) شيخ المالكية، والعلامة الشيخ العارف سيدى محمود الكردي (1130- 1195 هـ: 1717- 1780م).
وكان شيخ الإسلام الشيخ عبد الله الشرقاوي -وهو خليفة الكردي- هو أيضًا شيخًا للأزهر، من عام (1208 هـ: 1793 م إلى عام 1227 هـ: 1812 م).
وظهر نوع من الصدام والعداء بين فروع الطريقة الخلوتية التى ازدانت بالأزهريين وبين بعض الطرق الصوفية الأخرى، بشأن مدى تقبل سلطة محمد أبو السعود، بسبب شجب الخلوتية لبعض الممارسات الخاصة ببعض الطرق الصوفية والتى رآها العلماء مخالفة للشرع الشريف، ومع صدور الفرمان وقعت المجموعتان تحت سلطة البكري القضائية؛ حيث أصبح له الحق في التدخل في شئونهم وتعيين رؤسائهم؛ وبذلك فقد تقوضت سلطة «العلماء»، الذين يحتلون مراكز قيادة على الطرق، وانخفضت قوتهم بالتالي.
هذا علاوة على أن منح البكري سلطات استثنائية، على الطرق والهيئات المرتبطة بالطرق؛ قد خلق منصبًا يوازي منصب شيخ الأزهر في كثير من المجالات؛ حيث تم تفويض البكري في الإشراف على التعليم، والمناهج التي تعطى في الكثير من الزوايا والتكايا والمساجد ذات الأضرحة؛ وبذلك فقد خلق الباشا إطار عمل للتلاعب بالصراع القديم بين علماء الشريعة وبين بعض المنتسبين للصوفية ممن ابتعدوا عن الشريعة، واتخاذ ذلك وسيلة لتخفيض سلطة «العلماء».
ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا ، قلت أهمية التصوف من حيث هو فرع من فروع المعرفة التي تدرس بالأزهر؛ ولذلك فقد يكون هذا الفرمان هو السبب الرئيسي في تحول الأزهر إلى قلعة قويمة تقليدية، ومركز للمعارضة ضد أولئك المنتسبين زورا للصوفية والذين ينشرون مفاهيم غير صحيحة عن التصوف الإسلامى.
ولذلك يمكن القول بأن هذه التنظيمات تسببت للأسف فى توسيع الفجوة ما بين العلم الصحيح كما يقدمه الأزهر الشريف وبعض الممارسات الصوفية غير الصحيحة التى لم يجد القائمون عليها ما يضطرهم إلى تصحيحها فى ضوء العلم الشرعى بعد انفصالهم تحت سلطة البكرى، وساهم ذلك في تجميد وتحجير الطرق الصوفية في مصر، طالما أن فرصة رئيس الطريقة في الحصول على التصديق الرسمي من البكري، قد قضت على احتياجه لأن يكون دارسًا للعلوم الشرعية بالأزهر الشريف.
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 19-21، بتصرف واسع

مشيخة الطرق الصوفية - قائمة مشايخ الطرق الصوفية 1265 هـ-1849 م

كان الشيخ البكري شيخ مشايخ الطرق الصوفية في حاجة لوجود كتيب وجيز، يتيح له فرصة التحقق من السلاسل، وهذا الكتيب الذي يعدد ويسرد سلاسل عدد من رؤساء الطرق المعاصرين، قد تم تأليفه وإعداده في عام 1265 [1848/ 1849]، أو قبل ذلك بوقت قصير...

ونورد فيما يلي أسماء هذه الطرق وأسماء رؤسائها:
الاسم
الطريقة
حسين بن مصطفى الرفاعي
الرفاعية
محمد الفريضي أحمد قاسم
القادرية
محمد مصطفى شمس الدين
المرزوقية الأحمدية
علي المنوفي
المنايفة الأحمدية
أحمد يوسف الكناسي
الكناسية الأحمدية
مصطفى النقاش
السلامية الأحمدية
حسن سلمان الامبابي
الإمبابية الأحمدية
محمد محجوب خضير
الحمودية الأحمدية
محمد عطاء الله
التسقيانية الأحمدية
مصطفى الجنيدي
الحلبية الأحمدي
محمد الشعيبي
الشعيبية الأحمدية
حسين الشناوي
الشناوية الأحمدية
محمد نافع
البيومية الأحمدية
محمد محمد عاشور
البرهامية
محمد الجوهري
الشاذلية
عبد الرحمن الطوبى
العيسوية الشاذلية
رضوان العفيفي
العفيفية الشاذلية
عبد الرحمن الشعراني
الشعرانية
مصطفى الدمرداش
الدمرداشية
محمد الخضري
السعدية
 
 
 
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 31-33.

مشيخة الطرق الصوفية - منشور الشيخ عبد الباقى بن على البكرى إلى مشايخ الطرق الصوفية سنة 1881 م

أصدر رئيس الطرق الشيخ عبد الباقى بن على البكرى مجموعة من القوانين والتنظيمات الشاملة الرامية إلى وضع قرار الخديوي موضع التنفيذ. وقد شمل هذا المنشور تصنيف بعض الممارسات الإدارية التي كان لها تأثير مباشر على تنظيمات الطقوس التي وجدت في غالبية البنود التي وضعت.

وينطبق هذا على النصف الأول من المادة 2 التي تنص على منع إقامة الموالد وغيرها من الاحتفالات الدينية الأخرى بدون تصريح من البكرى أو من نوابه.
وكذلك نجد أن المادة رقم 15 تشير مرة أخرى إلى ضرورة الانتماء لطريقة واحدة فقط ، بينما المادة رقم18 تشير إلى ضرورة تواجد شيخ مسئول مسئولية كاملة أي خليفة معتمد من البكرى.
ويبدو أن هاتين المادتين كان يقصد  بهما بصفة خاصة تدعيم مراكز السلطة المحلية للخلفاء الذين كان ينظر إليهم على أنهم مسئولون تمامًا عن تنفيذ معظم الترتيبات المتبقية شأنهم في ذلك شأن وكلاء البكرى.
ويبدو لنا من المادة 10 والمادة13 أن هؤلاء الخلفاء قد حصلوا على سلطات تنفيذية مستقلة أكبر من ذي قبل كنتيجة حتمية للتوسع في الأماكن التي خضعت للسلطان القضائي للبكرى.
أما بقية المواد فكانت تضم القيود التي أثرت على هوية كافة الطرق الصوفية تقريبًا فبالنسبة للسعدية والعيسوية والرفاعية والقاسمية على سبيل المثال نجد أن منع استخدام السيوف وأكل الفحم المشتعل والثعابين والحيات والزجاج المادة رقم3 كان له نتائجه. كذلك نجد أن منع قيام أي شخص بضرب نفسه بالكرات الحديدية وهى الممارسات التي كان يقوم بها قائد الحضرة في الطريقة الحندوشية قد قضى على أحد العناصر الرئيسية التي تتميز بها طقوس هذه الطريقة.
والمادة رقم 18 التي تنص على منع الغناء أثناء الحضرة قد أحدثت تأثيرًا شديدًا على كافة الطرق نظرًا لأن الغناء يعتبر من الطقوس الدينية التي تشترك فيها معظم الطرق الصوفية. فكل طريقة تقريبًا كانت لها أناشيدها الخاصة بها والتي تغني أثناء الحضرة. وفي كثير من الطرق كانت الأغاني تنشد قبل الحضرة وبعدها وكانت بمثابة العنصر الذي لا يمكن الاستغناء عنه في الطقوس الدينية.
وكذلك نجد أن المادة رقم 1 والتي نصت على فرض القيود على ذكر الله ومديحه قد أثرت على العديد من الطرق لأن هذا كان معناه منع الابتهال للنبي وللمشايخ المقدسين أثناء الحضرة ، بل ومنع الابتهال لله وذكر اسمه عن طريق أخذ نفس اهتزازي قصير أو عن طريق ما يسمى بعزم الصدر وهو لفظه «آه» التي تتميز بها معظم الطرق الشاذلية.
بل ولم يعد يسمح لبعض هذه الطرق بممارسة الطقوس الخاصة المميزة لها (المادة رقم26) والتي كانت تميزها وتحدد هويتها وتبرر وجودها. فالعروسية كانت لها طقوس خاصة بها تسمى ذكر المناولة، أو الذكر التبادلى حيث كان المشاركون فى هذا الذكر يرتدون عباءات طقوسية بيضاء خاصة بهم ويقفون في صفين في مواجهة بعضهم البعض وينحنون نحو بعضهم البعض في دورات مما يعطي للمجموعة بأكملها حركة الأمواج المرفرفة. وكانت للعيسوية طقوسها الدينية المعقدة حيث يقفز المشاركون فيها في المرحلة التي تسمى «الرباني» لأعلى ولأسفل من قدم لأخرى فتأثرت هذه الطقوس بالقرارات الجديدة.
وفي حضرات الطرق الشاذلية بل وفي حضرات غالبية الطرق الأخرى كانت تستخدم أنواع الطبول المختلفة. وفي بعض الطرق كانت هذه الطبول- علاوة على كونها أدوات وآلات لها وظيفة محددة في طقوس الطريقة- لها أشكال وأحجام متميزة مما كان يجعلها بمثابة رموز لهذه الطرق. ولذلك فإن منع استخدام هذه الأدوات والطبول في جميع المناسبات (المادة رقم5)- باستثناء بعض الطبول الخاصة في داخل التكايا- كان معناه حرمان الطريقة التي تستخدم هذه الأدوات من هويتها.
بل ونصت المادة رقم17 على عدم السماح لأعضاء الطرق المشاركة في المواكب بحمل أي شيء معهم باستثناء الأعلام الخاصة بهم. وهذا معناه أن الظهور بالأدوات  والمعدات المميزة لطريقة ما مثل الآلات الموسيقية والسيوف والمجمرات والكوانين والمشاعل والعصى كان ممنوعًا.
وعلاوة على ذلك فإن الاحتفال بالموالد التي لم يسبق الاحتفال بها كان ممنوعًا (المادة 2 والمادة10) كما نصت المادة رقم 22 على إلغاء الموالد التي بديء الاحتفال بها خلال العشر سنوات المنصرمة.
وكانت المعاني المتضمنة في هذا المنع تذهب إلى ما هو أبعد من فرض القيود على تكريم عدد من المشايخ المنتقلين إلى رحمه الله. إذ كانت تقصد إلى فرض القيود على عدد المناسبات التي تظهر فيها الطرق نفسها أمام المجتمع العريض والتي تصل فيها الطريقة إلى الحقيقة القصوى بالنسبة لأولئك المنضمين إليها حيث ينتظم الموتى والأحياء في وحدة شاملة. وكان هناك اعتقاد راسخ بأن الرحمة والأخلاق الفاضلة تنشأ عن مجرد المساهمة في هذه المناسبات. ولذلك فإن المنع كان يمارس ليس فقط من حيث هو قيود على  عدد من المناسبات التي يمكن الحصول منها على الرحمة وإنما كتحديد أيضًا على التدفق الذي ينساب من الرحمة في حد ذاتها. بل وكان بمثابة تحريم ومنع تكريم الأشخاص الذين يمكن الحصول على الرحمة من خلالهم، سواء أكانوا أحياء أم موتى نظرًا لمساهمتهم في التدفق الإلهي للرحمة. ولذلك فمن وجهة النظر هذه فإن منع الاشتراك في المناسبات الدينية يعتبر بمثابة منع المساهمة في الرحمة ذاتها.
وبالإضافة إلى هذه التنظيمات والقوانين كانت هناك ثلاثة قوانين أخرى تفرض القيود على الاستقلالية الداخلية لرؤساء الطرق وهو أمر ليس له سابقة في تاريخ التصوف. فقد نصت المادة 13  على أن الشكاوى المتعلقة بشئون طريقة ما لايمكن أن تفحص إلا عن  طريق البكرى أو عن طريق وكلائه ، وبذلك حصل وكلاء البكرى على سلطات تنفيذية كبيرة ومستقلة. كما أن حق رئيس الطريقة في توقيع العقاب الرادع على موظفى الطريق بإيقافهم عن العمل قد سحب منه أيضًا وأصبح لزامًا عليه أن يقدم للبكرى الدوافع التي تسلتزم الإيقاف المقترح. وإما أن يصدق البكرى على الإيقاف أو يعقد محاكمة لفحص جوانب القضية حتى يتمكن من اتخاذ قرار بشأن الجزاء الملائم (المادة 11).
وعلاوة على ذلك فإن سلطة رؤساء الطرق قد تقوضت بسبب ما ورد بالمادة رقم 9 التي سحبت منهم حق معاقبة الخلفاء عن طريق أخذ العدة الخاصة بهم ولابد أن هذا العقاب كان فعالًا للغاية نظرًا لأنه كان يحرم الخليفة من الرموز التي تدل على وقاره ومنزلته الرفيعة. إذ كان هذا من شأنه أن يعوق الخليفة في أنشطته بشكل خطير ويؤثر على دخله المالي حيث يتعذر عليه قبول الدعوات لكي يسير مع الأعلام في مواكب الختان والزواج والجنازات في مقابل أجر مالي ، كما يتعذر عليه إقامة حضرة في مقابل أجر مالي أو عيني بناء على طلب أي شخص غير مرتبط بطريقة. وعلاوة على ذلك فإن الدخل الذي اعتاد الخلفاء على الحصول عليه بهذه الطريقة قد تعرض للخطر بسبب منع اشتراك الطرق في المواكب سالفة الذكر وفقًا لما ورد في المادة رقم24، كما أن الفقرة الأخيرة من المادة رقم9 قد حرمتهم من مورد آخر للدخل حيث منعتهم من تأجير أو رهن أجزاء من العدة الخاصة بهم لأشخاص لا ينتمون لطريقتهم.
وفي أوائل عام 1881 تم إرسال منشور متضمن لهذه القوانين والتعليمات إلى رؤساء الطرق. وحتى ذلك الوقت كان من صالحهم الاعتراف بسلطة البكرى عليهم. إذ كانت سلطة البكرى تتميز بالاعتماد على المؤسسات الحكومية فأسهم هذا في حماية مصالح رؤساء الطرق إلا أن هذه المؤسسات الحكومية أصبح عليها أن تراقب تنفيذ مجموعة من القوانين التي تنتهك الأسلوب المعياري الذي تتميز به الطرق. فرد رؤساء الطرق على هذا بأن فصلوا أنفسهم عن إدارة الطرق وأصبحت النزاعات حول الخلافة وازدواج العضوية والحقوق في تنظيم احتفالات مولد معين تجد لها الحل تدريجيًا بطريقة غير رسمية وبدون الرجوع إلى البكرى وبالتالي بدون اللجوء إلى الموظفين الحكوميين.


مشيخة الطرق الصوفية - المحضر الخاص بتحديد مجالات السلطة لكل من شيخ السجادة البكرية محمد أفندي البكري وشيخ الأزهر إبراهيم البيجوري
في عام 1263 هـ/ 1847 م تم عقد اتفاق بين محمد البكري وشيخ الأزهر إبراهيم الباجوري، ترتب عليه توسيع الفجوة بين العلم والتصوف، وهي الفجوة التي خلقها فرمان عام 1812، ففي المنازعات التي تضم أعضاء في طريقة ما أو تضم أشرافًا، يكون للبكري وحده سلطة النظر في الدعاوى والفصل فيها، وأيضًا إذا كان أحد الأطراف مرتبطًا بالأزهر، ولكن إذا كان جميع أطراف النزاع ليست لهم علاقة بأية فئة من هذه الفئات، يكون المختص في الفصل في النزاع هو شيخ الأزهر أو شيخ الرواق أو المذهب للمتهم.
ووافق الباجوري أيضًا على الامتناع عن التدخل في شئون الزوايا والأضرحة ومشيخة المقارئ، والامتناع عن الاستجابة للطلبات التي تقدم له من أجل التحكيم، والتدخل في الأمور التي لها علاقة بالطرق.
ولقد حدث هذا الوضع بالفعل قبل التوقيع على هذا الاتفاق بوقت قصير، عندما وقف شيخ الأزهر مع أحد طرفي النزاع في داخل نطاق البيومية؛ حيث كان كل طرف منهما يساند مرشحًا لتولي منصب شيخ الطريقة البيومية، عقب وفاة محمد نافع شيخ هذه الطريقة.
وأخيرًا، حصل على هذا المنصب عبد الغني الملواني «1292- 1875»، وهو المرشح المفضل لدى  الجانب الذي كان يلقى التأييد والمساندة من شيخ الأزهر، ولكن النزاع والخلاف في الرأي نشأ بين شيخ الأزهر والشيخ البكري؛ حيث كان البكري يساند المرشح الآخر المنافس، ويبدو أن هذا النزاع كان هو الحافز الأساسي نحو عقد الاتفاق، ولم يكن هذا النزاع هو السبب المباشر؛ فإن هذا الاتفاق كان يهدف إلى منع تكرار مثل هذه المنازعات في المستقبل.
وكان تدخل شيخ الأزهر في قضية العنانية سنة 1886 م (راجع: @السجاجيد الشريفة - العنانية - مدخل عام@) وكذلك في قضية الشاذلية تحت قيادة الحصافى قبل ذلك بعامين تقريبًا سنة 1884 (راجع: @الشاذلية - فروعها - الحصافية الشاذلية - مدخل عام@) بمثابة خرق لاتفاقية عام 1847 .
وهذا يوحي لنا بأن هذه الاتفاقية قد أصبحت من الناحية الواقعية ملغاة كما يدل هذا على العلاقة المتغيرة التي حدثت بين إدارة الطرق وبين الوكالة الحكومية بالدولة. وهذا التغير يرجع أساسًا إلى إعادة تنظيم الإدارة الحكومية في الدولة في مطلع الاحتلال البريطاني لمصر في عام 1882 مما أعطى للإدارة الحكومية كفاءة عالية للغاية فأدى ذلك بدوره إلى تضاؤل أهمية إدارة الطرق الصوفية في مواجهة الدولة ووكالاتها ومن المؤكد أن الوكالات الحكومية قد توقفت تمامًا عن تدعيم إدارة الطرق حتى عندما كان هذا- كما هو في الحالات سالفة الذكر- التدعيم وثيق الصلة بالحفاظ على حقوق القدم.
نص المحضر الاتفاق بين الشيخ البكرى وشيخ الأزهر 1263 هـ/ 1847 م :
بسم الله الرحمن الرحيم. والشكر لله العظيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. ففي يوم الأحد المبارك الموافق 19 شعبان من عام 1263 تم عقد اجتماع عند الشيخ الأعظم السيد: البكري نقيب الأشراف الحالي وحضر هذا الاجتماع كل من: شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم البيجوري، وصاحب المعالي فخر العلماء شيخ المالكية محمد حبشي، وصاحب المعالي الواسع المعرفة الشيخ محمد التميمي المغربي، والشيخ المبجل الشهير الشيخ عثمان السادي، والشيخ العلامة علي خليفة، وصاحب المعالي الشيخ أحمد مينا.
وقد تم الاتفاق بين هؤلاء جميعًا وبين صاحب المعالي الشيخ إبراهيم البيجوري سالف الذكر قبل قراءة الفرمان السامي بتعيينه على مسجد الأزهر على أنه في أفضل حالة وفي أحسن درجات النضج والكمال التي يتطلبها منصب شيخ الأزهر بما يتمشى مع موقف السلف، وأن ذلك سيكون متمشيًا مع المباديء المعروفة للجميع ومتوافقًا مع كافة السلطات وبدون إعاقة للشئون التي لا تدخل ضمن اختصاصات مسجد الأزهر مثل تلك المتعلقة بالزوايا والفقراء (أي أعضاء الطرق الصوفية) الذين يخضعون لسلطة حضرة صاحب السعادة السيد/ البكري مثال ذلك قراءة القرآن في الزوايا ومشيخة المقاريء ومكاتب المشرفين على الأضرحة (خلافات الأضرحة) مثل تلك الخاصة بالسيد/ البدوي ورؤساء الطرق، فينبغي عليه أن يحولها إلى القاضي الخاص بها سالف الذكر، فهو الذي يتوسط ويصدر الحكم طبقًا للمباديء سالفة الذكر. أما البت في الأمور الهامة فينبغي أن يتم بعد استشارة رؤساء الأزهر. أما الحالات المتعلقة بالطلبة (المجاورون) فإنها تحال إلى مشايخ أروقتهم أو تحال إلى شيخ المالكية إذا كان الطالب مالكيًّا أو إلى شيخ الحنفية إذا كان الطالب حنفيًّا أو تحال إلى شيخ الشافعية إذا كان الطالب شافعيًّا طبقًا للمباديء التي صدر بها قرار من الديوان وذلك حتى يشعر كل فرد بالاطمئنان والتحرر من القلق طالما أن أحدًا لن يتعدى على آخر. وينبغي عليه أن يعطي اهتمامًا كبيرًا بكل ما هو متعلق بمصالح المسجد و«المشدون» والعساكر والقائمين على خدمة الطلبة (المجاورون). فلا أحد من هؤلاء سيستمر في عمله إلا إذا كان صالحًا لتأدية هذه الخدمة المحترمة وعلى النحو الذي تنشده السلطة المشرفة، وذلك لكي لا يقترب من سيادته سوى أناس يتميزون بالكمال والمعرفة والتقوى.
ويرفع الحاضرون في هذا الاجتماع هذا البيان المتعلق بسيادة إبراهيم البيجوري إلى السيد نائب الوالي على مصر أدام الله مجده للأبد. وهم يقرون بما ورد في هذا المحضر فيما يتعلق بكمال المعرفة والعمل الصالح والتقوى والنضج، وقد أكد فضيلة الشيخ بأنه ملتزم بكل ما ورد في هذا البيان ونسأل الله أن يوفقه ويوفقنا جميعًا إلى ما فيه الخير ببركة سيدنا أبي بكر الصديق وسيدنا الإمام الشافعي وببركة جميع أولئك المنتمين لبيت النبي ×.
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص29-30، 102 - 104 ، 190-193.

مشيخة الطرق الصوفية - لائحة الطرق الصوفية لعام 1895 م
مشيخة الطرق الصوفية مشيخة الطرق الصوفية - لائحة الطرق الصوفية لعام 1895 م إن سلطة محمد توفيق البكرى والذى صار شيخ مشايخ الطرق الصوفية سنة 1892 م لم تتدعم تمامًا إلا في عام 1895 م عندما تم نشر لائحة الطرق الصوفية بقرار من الخديوي وهى لائحة تتضمن مجموعة من التنظيمات. فهذه التنظيمات قد شيدت من جديد سلطة البكرى وأعطتها أساسًا قانونيًا جديدًا. وإذاعة ونشر هذه التنظيمات الجديدة قد ألغى تمامًا كل ما ورد بالمنشور الدوري الذي نشره عبد الباقي البكرى في عام 1881. وأزاحت هذه التنظيمات الجديدة العقبة الرئيسية التي كانت تقف أمام استعادة البكرى لسلطته ، ولذلك فهى تعتبر بداية عهد جديد متميز للتصوف الإسلامي القائم على النظم والقوانين في مصر. ويوحي محمد توفيق البكرى في كتابه «بيت الصديق» الذى ألفه هو إلى أنه قام بنفسه بالحث على نشرها وأنه كان مسئولًا عما ورد بها من مضامين ومحتويات. ولكن يبدو أن قوله هذا لم يكن صادقًا تمامًا حيث إنه من المعروف أن اللائحة قد وضعت في صيغتها النهائية بمعروف مجلس من وزارة الداخلية كونه نوبار رئيس الوزراء في ذلك الوقت لهذا الغرض. وأغرب نص وارد في هذه التنظيمات ينبغي إرجاعه إلى هذا التدخل من جانب هذا المجلس: إذ جعل مهمة البكرى كشيخ مشايخ الطرق الصوفية مجرد وظيفة ونظرًا لأنه لم ينص صراحة على أن شاغل هذه الوظيفة ينبغي أن يكون هو شيخ السجادة البكرية على النحو الذي أملته التقاليد على مدى العقود السابقة ، وإنما ترك الأمر مفتوحًا أمام تعيين أي شخص آخر يعتبره الخديوي مناسبًا ، فإنه قد حول سلطة شاغل هذا المنصب من سلطة لها الطابع القانوني من خلال التقاليد إلى سلطة لها الطابع القانوني العقلاني. ولابد أن هذا المجلس كان أيضًا هو المسئول عن فرض قيود على سلطة البكرى من خلال مجموعة القيود الواردة في هذه التنظيمات حيث من المتوقع ألا يكون البكرى نفسه هو الذي فرض هذه القيود على نفسه أو كانت لديه مثل هذه الرغبة. ومن بين هذه القيود ما ورد بالمادة الثانية التي نصت على أن تعيين مشايخ للتكايا والزوايا والأضرحة والمرتبط بالحصول على معاشات ورواتب ومنح مالية من ديوان الأوقاف لم يعد أمرًا ممكنا بدون الحصول على تصريح من هذا الديوان. وتضمين هذه المادة مرتبط بسياسة كانت قد اتبعت وخاصة عقب الاحتلال البريطاني بهدف تخفيض سلطة النظار الخصوصيين للأوقاف الخيرية، وهى تعتبر متوافقة مع (لائحة إجراءات ديوان عموم الأوقاف) التي نشرت أيضًا في عام 1895. ألا أن غالبية المواد كان تتضمن قيودًا تتعلق كلها بشكل مباشر بالحد من سلطة البكرى بوجه عام: إذ نصت هذه التنظيمات على إنشاء مجلس يعرف باسم «المجلس الصوفي» (المادة رقم3) تكون مهمته ممارسة نوع من السلطة المشتركة على الطرق والمؤسسات المرتبطة بالطرق، وطبقًا للاشتراطات الواردة بالبند رقم 3 يتكون هذا المجلس من أربعة أعضاء دائمين وأربعة أعضاء آخرين كمندوبين فقط عن الأربعة الدائمين ويعمل هذا المجلس تحت رئاسة البكرى. وعلى أن يتم انتخاب كافة الأعضاء كل ثلاث سنوات من بين حشد يضم عشرين على الأقل من مشايخ الطرق المقيمين بالقاهرة وعلى أن تجرى الانتخابات تحت إشراف محافظ العاصمة وفي مبنى ديوان المحافظة (ديوان محافظة مصر). ومن الخطأ أن ننظر إلى تشكيل هذا المجلس على أنه بمثابة اعطاء الصفة الرسمية على المجالس التي كانت تعقد من وقت لآخر لفض المنازعات في أيام على البكرى أو أنه بمثابة استمرار لتلك المجالس. فمهمة تلك المجالس السابقة كانت مجرد التوسط لعقد الصلح بين الأطراف المتنازعة ولم يكن البكرى مرغمًا بأي حال من الأحوال على التصرف بما يتمشى مع القرارات أو التوصيات التي اتخذها الأعضاء. أما المجلس المنشأ حديثًا فكانت له طبيعة مختلفة: إذ كان عليه أن يعمل على نحو مماثل لمحكمة شرعية (المادة رقم9) بسلطات قضائية بحتة كاملة في جميع الأمور المتعلقة بالطرق (المادة 1 والمادة9) ، بما في ذلك المنازعات حول حق القدم الذي لم يكن قد ألغى بعد من الناحية الرسمية رغم أنه كان قد أصبح لا أهمية له ولا حاجة إليه. وعلاوة على ذلك فإن آراء أعضاء المجلس الجديد أصبحت لها أهميتها حيث لم يعد من سلطة البكرى أن يتغاضى عن هذه الآراء بعد أن نصت اللائحة على أن قرارات المجلس فيما يتعلق بالطرق لا تصبح صحيحة وسارية المفعول إلا إذا حصلت على موافقة غالبية الأعضاء. ولكي يتم تنفيذ قرارات هذا المجلس تجرى الاتصالات مع الوكالات الحكومية- باستثناء السلطة القضائية التي كانت قد كفت عن القيام بأي دور في الإجراءات الحكومية- بما يتمشى مع الخطوات المألوفة المقررة وكان علي البكرى أن يبدأ في اتخاذ الإجراءات التنفيذية للقرارات وذلك بصفته رئيسًا للمجلس حيث يعهد إليه مهمة تنفيذ القرارات التي تتخذ (المادة رقم10). وفرضت هذه التنظيمات القيود على الحقوق التقليدية لشيخ السجادة البكرية إلا أنها زودت محمد توفيق البكرى بأداة تعينه على استعادة سلطاته على الطرق والمؤسسات المرتبطة بالطرق وهى السلطات التي كانت قد تدهورت بشدة أثناء الفترة التي قضاها والده في هذا المنصب ، وهى السلطات التي كان يتطلع بكل تأكيد لاستعادتها. وفيما يتعلق بالتكايا والزوايا والأضرحة فإن التنظيمات وضعت سلطته تحت إشراف ديوان الأوقاف إلا أنها في نفس الوقت أكدت من جديد على شرعية سلطاته على هذه المؤسسات بما في ذلك التكايا التي كان رؤساؤها قد أكدوا استقلالهم أثناء فترة عبد الباقي البكرى. أما بالنسبة للطرق فإن سلطة البكرى قد تقيدت نظرًا لأن التنظيمات نصت على ضرورة موافقة المجلس الصوفي على القرارات المتعلقة بالطرق ولأن التنظيمات قد أعطت مشايخ الطرق بعض الاستقلال الذاتي الداخلي مرة أخرى كل في نطاق الطريقة الخاصة به (المادة رقم 12). إلا أن العودة إلى الوضع قبل عام 1881 كانت مجرد عودة جزئية نظرًا لأنه في حالة نشوب نزاع بين رئيس الطريقة وأحد تلاميذه أعطت التنظيمات (المادة 13) للتلميذ الحق في التقدم بمطالبه إلى المجلس الذي له الحق في النظر في الأمر وإجراء التسوية بين الأطراف المتنازعة وهذا معناه استمرار تقلص نفوذ واستقلال رؤساء الطرق. ولكن اللائحة نصت أيضًا على أن جميع رؤساء الطرق (المادة رقم14) عند الإعلان عن هذه التنظيمات يتعين عليهم البقاء في مناصبهم وكان هذا معناه أنه من الآن فصاعدا لا يمكن لأحد من رؤساء الطرق الذين اعترف بهم رسميًا أثناء عهد عبد الباقي البكرى المطالبة بشرعية تولى المنصب اللهم إلا إذا كانت مطالبهم ترتكز على مضامين المادة المتعلقة بهذا الشأن. ونظرًا لأن هذه المادة كانت جزءا لا يتجزأ من التنظيمات فإن قبول كل ما ورد بهذه التنظيمات قد أصبح أمرًا ضروريًا لكل رئيس طريقة يرغب في الاحتفاظ بمنصبه كرئيس شرعي على الطريقة التي اعترف بها رسميًا. ولذلك فإن سلطة شاغل منصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية ينبغي قبولها بدون أي مواربة وفقًا لما جاء بالتنظيمات ونظرًا لأن هذا المنصب كان يشغله محمد توفيق البكرى الذي كان في نفس الوقت هو شيخ السجادة البكرية فإنه يمكن القول بأن التنظيمات كانت عاملًا مساعدًا ومفيدًا من حيث إعادة تثبيت سلطة شيخ السجادة البكرية على الطرق وهى السلطة التي كانت قد أصبحت ضئيلة للغاية خلال السنوات العشر السابقة على تولي محمد توفيق البكرى للمنصب. إلا أن التنظيمات لم تحدث أي تغيير في هذا الشأن بالنسبة للطرق المعترف بها رسميًا والتي لم يكن رؤساؤها يقيمون بالقاهرة ، والتي كان معظم أعضائها يتواجدون بالمناطق الريفية بعيدًا عن العاصمة. إذ نجد أن القانون قد زاد من وضعهم الهامشى حيث نص على أن الجميعة العمومية التي يتعين عليها انتخاب أعضاء المجالس الصوفية كل ثلاث سنوات ينبغي أن تتألف من رؤساء الطرق المقيمين بالقاهرة فقط. ولابد أن هذا الترتيب قد نشأ أصلًا عن الرغبة في الفاعلية الإدارية التي قد تتعرقل في حالة مجييء أعضاء المجلس من خارج العاصمة. إلا أن هذا الوضع بالنسبة لرؤساء هذه الطرق كان معناه أنهم يقعون تحت نفوذ عدد من نظائرهم ممن أصبحوا أعضاء في مجلس لا يستطيعون تحديد تشكيله. ومن المؤكد أن هذا الوضع قد دفع بعضهم إلى الاستمرار في سياسة الابتعاد عن إدارة الطرق مما أدى بالتالي إلى فقدان أربعة طرق صوفية للاعتراف الرسمي بها وهذه الطرق هى : المسلمية- الشهاوية –البرهامية- المكية الفاسية. لائحة الطرق الصوفية لعام 1895 المادة رقم 1: إن تعيين رؤساء الطرق أو إقصائهم عن مناصبهم أو إيقافهم عن العمل لفترة محددة والتحكيم في منازعاتهم وخاصة في المنازعات المتعلقة بالطرق وإصدار الحكم فيما يتعلق بالشكاوى الموجهة نحوهم بشأن هذا التحكيم سيتم بمعرفة مجلس خاص يتكون على النحو الوارد بالمادة رقم 3. المادة رقم 2: إن عزل وتعيين مشايخ التكايا والسجاجيد والأضرحة التي لا تتبعها أية أشاير سيتم طبقًا للاشتراطات التي يشترطها «الواقف». (أي الشخص الذي يخصص أموالًا أو منحًا أو أوقافًا) ولكن بالنسبة لأولئك الذين لهم أشاير ومرتبات من ديوان الأوقاف أو من ناظر آخر، فلن يتم عزل أو تعيين بدون الحصول على موافقة من ديوان الأوقاف أو الناظر الآخر وفقًا لما يراه المجلس، وإذا لم يوافق الديوان أو الناظر على رأي المجلس، فإن الأشاير ستعطي لشخص يعينه المجلس وسيتم دفع المرتبات كالمعتاد. المادة رقم 3: المجلس المذكور سيتألف من رئيس المشايخ الذي يعينه الخديوي في منصب الرئيس وأربعة أعضاء دائمين من بين رؤساء الطرق. وهؤلاء الأربعة سيتم انتخابهم في انتخاب تشترك فيه غالبية المجموعة من خلال عقد جمعية عمومية يحضرها على الأقل عشرون شيخًا من بين رؤساء الطرق المقيمين بالقاهرة. كما سيتم انتخاب أربعة نائبين عن هؤلاء الأربعة الدائمين وفقًا لنفس القواعد. وهؤلاء النائبون سيحلون محل الأعضاء الدائمين لدى الاعتذار عن حضور جلسات المجلس. وسوف تتم الانتخابات في ديوان محافظ القاهرة تحت رئاسة السيد محافظ القاهرة. وسوف تجري الانتخابات مرة واحدة كل ثلاث سنوات، وإذا حدث أن استقال شخص أو مات شخص تجري انتخابات لمواجهة هذه الظروف الطارئة. المادة رقم 4: إذا حدثت ظروف تحول دون حضور الرئيس للاجتماع فإنه ينبغي عليه أن ينيب أحد أعضاء المجلس لكي يرأس اجتماع المجلس. المادة رقم 5: إن إجراءات المجلس وأحكامه ستكون متمشية مع القواعد والمباديء التي تلقى قبولًا عامًا من أولئك المنتمين للطرق بشرط ألا تتعدى على أحكام القانون المقدس. المادة رقم 6: يعقد اجتماع واحد للمجلس شهريًا اللهم إلا إذا لم تكن هناك حاجة لعقد الجلسة وعندئذ يجب على رئيس المجلس أن يعرض التماسًا للتأجيل على أعضاء المجلس أو يجب على ثلاثة أعضاء بالمجلس تقديم التماس للرئيس لتأجيل عقد الاجتماع. المادة رقم 7: أي عضو من أعضاء المجلس أو أي نائب من نواب الأعضاء يتغيب عن حضور أربعة جلسات سنويًا بدون إبداء الأعذار التي منعته من الحضور يعتبر مستقيلًا وعندئد يتم انتخاب عضو آخر بدلًا منه. المادة رقم 8: إذا قاضى أحد المدعين واحدًا من أعضاء المجلس فإنه ينبغي على المجلس أن يقرر ما إذا كان ذلك العضو سيبقى في منصبه أو يستبدل بأحد النواب وذلك أثناء النظر في القضية وإجراءاتها. المادة رقم 9: النظر في القضايا المعروضة على المجلس سيتم بنفس الأسلوب الذي تنظر به المحكمة الشرعية (مجالس القضاء الشرعي) في القضايا وطبقًا لتسلسل استلام القضايا ولن تعرض قضية للفحص إلا إذا تم الانتهاء من فحص القضية السابقة عليها. المادة رقم 10: بعد سماع القضية وكافة نواحيها التفصيلية يتشاور أعضاء المجلس، ويؤخذ الرأي فيها بأغلبية الأصوات، ثم يصدر القرار بشأنها. ويتكفل رئيس المجلس بتنفيذ القرار. وإذا اقتضت الضرورة يتم اللجوء إلى الموظفين الحكوميين لتنفيذ القرار على أن يوضع في الاعتبار النص الوارد بالمادة رقم 2. المادة رقم 11: على الرئيس أن ينظم الترتيبات السليمة للجلسات. المادة رقم 12: إن حسم الصراعات بين الخلفاء أو مع المريدين. أو بين «المريدين» سيظل من الحقوق التي يمارسها مشايخهم (أي رؤساء الطرق). المادة رقم 13: إن الادعاءات التي يقدمها أعضاء الطرق ضد أحد رؤساء الطرق لا يتم النظر فيها وتسويتها إلا بمعرفة المجلس وحده. المادة رقم 14: لن يتم في الوقت الحالي إجراء انتخابات تتعلق برؤساء الطرق الحاليين. فهم سيظلون في مناصبهم. المادة رقم 15: تسري مواد هذه اللائحة من تاريخ نشرها في الجريدة الحكومية (الجريدة الرسمية). المادة رقم 16: تتولى وزارة الداخلية مهمة تنفيذ هذه اللائحة. 23 ذو الحجة 1312 16 يونيو 1895 مصطفى فهمي المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص 132-136، 203-207.


مشيخة الطرق الصوفية - فرمان محمد على باشا بتنظيم مشيخة الطرق الصوفية 1227 هـ
 

ويعتبر هذا الفرمان هو أول محاولة لتنظيم مشيخة الطرق الصوفية، وجعلها تحت سلطان شيخ السجادة البكرية، وقد صدر هذا الفرمان فى 27 شوال 1227 ، الموافق 4 نوفمبر 1812 م.

إن إصدار محمد علي في عام 1812 لفرمان يعطي لشيخ السجادة البكرية السلطة على الطرق والمؤسسات المتعلقة بالطرق، هو مثل عهد جديد لهذه الجماعات التي لم تكن قبل صدور هذا الفرمان خاضعة لسلطة مركزية.
ولكن من الناحية العلمية، نجد أن نتائج هذا التنظيم الجديد لم تتجل بوضوح حتى الأربعينات من القرن التاسع عشر، وذلك عندما أصبحت الوكالات الحكومية نشيطة في تدعيمها لإدارة البكري لمملكة الطرق، وعندما منع شيخ الأزهر من التدخل في شئون الطرق الصوفية، وقد أدى هذا إلى تحديد سلطة البكري ووضوحها أكثر من ذي قبل، كما أدى إلى زيادة أهميتها الإدارية، ولكن التحقيق الكامل للسلطة الممنوحة للبكري عن طريق الفرمان، كان من المحتم أن يتم في يوم ما.
 
ونص هذا الفرمان ما يلى :
"المرسوم السامي الواجب قبوله وتكريمه والتقيد بما ورد به، قد صدر كتابة من الديوان القاهري المستظل بحماية الله إلى حضرة صاحب المقام الرفيع الشيخ الأعلى صاحب الجدارة والافتخار فخامة السيد محمد وفا أبي الأنوار السادات أدام الله شخصه الرفيع المقام. وإلى فخر السادة المبجلين أحمد أفندي أدام الله شخصه الرفيع المقام ، وإلى سيدنا صاحب الشهامة وأعظم الناس معرفة الشيخ محمد الشنواني شيخ جامع الأزهر ، وإلى مشايخنا الأجلاء العلماء البارزين في جامع الأزهر ، وإلى رؤساء الطرق الجديرين بالمدح والثناء والأعضاء العديدين بالطرق بالقاهرة حماها الله لإبلاغهم جميعًا أن مفخرة الأسياد والأشراف وأولئك المسئولين عن السجاجيد الباهرة السيد محمد أفندي البكري الصديقي حفيد أسرة الحسن زاده الله سموًا وعلاء، قد تم تعيينه للمشيخة ولسجادة السادة البكرية، وتقلد السلطة على الهيئات الصوفية (طوائف الفقراء الصوفية) وعلى التكايا (الباقية) وعلى الزوايا والأضرحة خلفًا لوالده الفقيد المرحوم السيد: محمد البكري. وبمقتضى القرار القانوني الصادر له فقد منحت له السلطة على المشيخة سالفة الذكر طبقًا لتقاليد أجداده بني الصديق، وكل ما يتعلق بهم وعليه أن يتخذ القرارات بين الفقراء (أي أعضاء الطرق الصوفية) بما يتماشى مع قوانينهم القديمة وعاداتهم القويمة وقواعدهم وأحكامهم السليمة. ولذلك فنحن نصدر هذا المرسوم السامي من الديوان القاهري المستظل بحماية الله، حتى يكون العمل متمشيًا مع فحواه ومقتضياته. ويمكن أن يوضع الاعتماد على اليد النبيلة وعلى الختم العظيم.
27 شوال 1227
محمد علي
(ختم)

أثر هذا الفرمان على الطرق الصوفية:

قبيل وفاة محمد أبو السعود شيخ السادة البكرية (والذى توفى في نوفمبر 1812م)، بوقت قصير ذهب كل من: محمد الشنواني (وهو شيخ الأزهر في ذلك الوقت)، وعدد من «العلماء»، ورؤساء الطرق؛ بناء على طلب محمد أبو السعود مع ابنه محمد إلى الباشا؛ ليطلبوا منه تعيين ابنه في مكانه.
ولدى تعيين محمد البكري في منصب شيخ السجادة البكرية، صدر الفرمان السابق ذكره والذى يتضمن فقرة واضحة وصريحة على سلطته على الطرق في جميع أرجاء مصر؛ بل وعلى جميع التكايا والزوايا والأضرحة.
ويرى د/ فريد دى يونج أن إصدار هذا الفرمان كان بمثابة جزء من إصلاحات محمد علي، الهادفة إلى جعل الحكومة حكومة مركزية، ولم يكن صدور هذا الفرمان نابعًا فقط من كرم الباشا وطيبة قلبه، واستجابة بريئة لمطلب العلماء؛ بمعنى أن هذا الفرمان لم يكن بمثابة حدث فردي غير مرتبط بالأحداث الجارية؛ بل ويبدو أن هذا الفرمان كان بمثابة وسيلة نحو تحقيق أهداف محمد علي السياسية، فقد قوض هذا الفرمان مركز محمد أبو الأنوار السادات، شيخ السجادة الوفائية ونقيب الأشراف بعد ذلك.
ولقد ادعى الكثيرون من رؤساء الطرق، ورؤساء الزوايا والتكايا، والمشرفين على الأضرحة: بأنهم من سلالة الأشراف، وبإعطاء البكري سلطة قضائية عليهم، تقلص نفوذ السادات إلى حد كبير.
بل والأكثر من ذلك: أن السلطة الممنوحة للبكري، تضمنت إمكانية إشرافه بشكل غير مباشر على إدارة شئون أوقاف الأشراف؛ حيث كان تعيين الموظفين في نظارة الأوقاف، متوقفًا على الموافقة النهائية للبكري.
ولكن يبدو أن إضفاء الصفة القانونية على سلطة البكري، والتوسع في هذه السلطة -كان يقصد به زيادة تقويض مركز «العلماء»، قبل أن يشرع محمد علي في القيام بالإصلاحات الحاسمة المتعلقة بالأراضي والضرائب، في الفترة ما بين عام 1812 وعام 1814؛ فهذا قد جعلهم معتمدين من الناحية المالية على الحاكم إلى حد كبير، فالعديد من العلماء المشهورين كانوا يمارسون الطقوس الصوفية، وكان كثير منهم رؤساء للطرق.
وبصفة خاصة نجد أن الخلوتية وفروعها، كانوا من «العلماء» وأزهريين، فمنذ مصطفى كمال الدين البكري «1161/ 1749»، الخليفة الرئيسي على مصر -كان محمد بن سالم الحنفي شيخ الأزهر من عام 1171: 1757 إلى عام 1181: 1767، وكان من بين خلفائه دارسون مشهورون، تقلدوا وظائف دينية مهمة؛ مثل: إسماعيل الغنيمي شيخ المالكية، ومحمد المنير السمنودي شيخ القراء والمحدثين بالأزهر، وأحمد الدردير «1127- 1201:  1715- 1786 شيخ المالكية، ومحمود الكردي «1130- 1195: 1717- 1780».
وكان عبد الله الشرقاوي -وهو خليفة الكردي- هو أيضًا شيخًا للأزهر، من عام 1208: 1793 إلى عام 1227: 1812.
وظهر الاختلاف بين مجموعات الخلوتية الأزهريين وبين الطرق، بشأن مدى تقبل سلطة محمد أبو السعود، بسبب شجب الخلوتية للممارسات والمعتقدات الخاصة بالطرق، ومع صدور الفرمان وقعت المجموعتان تحت سلطة البكري القضائية؛ حيث أصبح له الحق في التدخل في شئونهم وتعيين رؤسائهم؛ وبذلك فقد تقوضت سلطة «العلماء»، الذين يحتلون مراكز قيادة على الطرق، وانخفضت قوتهم بالتالي.
هذا علاوة على أن منح البكري سلطات استثنائية، على الطرق والهيئات المرتبطة بالطرق؛ قد خلق منصبًا يوازي منصب شيخ الأزهر في كثير من المجالات؛ حيث تم تفويض البكري في الإشراف على التعليم، والمناهج التي تعطى في الكثير من الزوايا والتكايا والمساجد ذات الأضرحة؛ وبذلك فقد خلق الباشا إطار عمل للتنافس والاختلاف بين العلماء وبين الطرق الصوفية.
ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا، قلت أهمية التصوف من حيث هو فرع من فروع المعرفة التي تدرس بالأزهر؛ ولذلك فقد يكون هذا الفرمان – فيما يرى المستشرق د فريد دى يونج - هو السبب الرئيسي في تحول الأزهر إلى قلعة قويمة تقليدية، ومركز للمعارضة ضد أولئك الذي ينشرون المفاهيم الصوفية الإسلامية؛ ولذلك قام الأزهر بتوسيع الفجوة ما بين العلم والتصوف، وساهم في تجميد وتحجير التصوف الإسلامي في مصر، طالما أن فرصة رئيس الطريقة في الحصول على التصديق الرسمي من البكري، قد قضت على احتياجه لأن يكون دارسًا.
 
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 19-21 ، 35-36، 189-190.
 


مشيخة الطرق الصوفية - لائحة الطرق الصوفية المعدلة لعام 1903 م
وفي نهاية عام 1895 وعقب استقالة نوبار باشا وتشكيل مصطفى فهمى حكومة جديدة بذل محمد توفيق البكري جهودًا عديدة لتعديل التنظيمات حتى يتمكن من الحصول على مزيد من الاستقلالية والسلطة. وكانت التعديلات التي اقترحها تهدف إلى إلغاء إشراف ديوان الأوقاف. وأراد أن يكون الإشراف على جميع التكايا والزوايا  والأضرحة والأوقاف التابعة لها وجميع الأوقاف المخصصة للصوفية من اختصاصه وحده. بل والأكثر من ذلك أنه اقترح إلغاء دور المحافظ في انتخابات المجلس الصوفي وأبدى رغبته في أن تجرى الانتخابات مستقبلًا في قصر البكرى بدلًا من مبنى ديوان المحافظة.
وقد تجرأ وتقدم بهذا الاقتراح الأخير لأن إجراء الانتخابات في مبنى المحافظة كان يوحي بأنه يقع تحت إشراف المحافظة وهو أمر- من وجهه نظره- يقلل من هيبة منصبه كشيخ مشايخ الطرق الصوفية ومن شخصيته ذاتها. بل واقترح أيضًا أن يكون لأعضاء الطرق الصوفية المختلفة الحق في اللجوء إلى المجلس الصوفي في حالة التظلم من القرارات التي أصدرها رؤساء الطرق الخاصة بهم. والأكثر من ذلك أنه أراد أن تطبق القرارات والتوصيات التي يصدرها المجلس الصوفي على كل شخص يصف نفسه بأنه صوفي.
وافق مصطفى فهمي رئيس الوزراء والذي كان مسئولًا عن نشر وإعلان التنظيمات بصفته وزيرًا في حكومة نوبار باشا- على عدد قليل من التعديلات المقترحة. إذا كانت رغبة البكرى في السيطرة على الأوقاف الخيرية تتناقض مع سياسة مصطفى فهمي التي كانت تهدف تقليص نفوذ النظار الخصوصيين لهذه الأوقاف.
وتمشيًا مع هذه السياسة وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها البكرى لتحريك المعارضة ضد هذه السياسة نجد أن نظارة الأوقاف قد أصبحت تحت سلطة وإشراف «ديوان الأوقاف» كما احتفظ الديوان لنفسه أيضًا بالحق في تعيين رؤساء التكايا والزوايا... ليس فقط الرؤساء الذين كانوا مسئولين عن جماعة مقيمة مقصورة على أعضاء تابعين للطريقة الخاصة بهم فقط مثلما هو الحال بالنسبة لرئيس تكية النقشبندية بالقرب من الحبانية ورئيس طريقة تكية الرفاعية عند بولاق ولكن أيضًا رؤساء التكايا الذين كانوا في نفس الوقت يشغلون منصب الرئيس الأعلى في طرقهم مثلما هو الحال بالنسبة لرؤساء المولوية والجلشانية والبكتاشية. وقد أدى هذا إلى انخفاض النطاق الذي يقع تحت إشراف وسلطة محمد توفيق البكري. نظرًا لأن التعيين الرسمي عن طريق ديوان الأوقاف لرؤساء هذه التكايا- والتي كانت هى المراكز الوحيدة لهذه الطرق في مصر والأماكن الوحيدة  التي يتجمع فيها أعضاؤها محدودي العدد لتأدية أنشطة طقوسية طائفية- كان يعني أيضًا شرعية المنصب بالنسبة لهم كرؤساء على الطرق الخاصة بهم. وهكذا نرى أن هذه الشخصيات  الدينية الكبيرة أصبحوا- فيما يتعلق بشرعية منصبهم وكل ما يترتب على ذلك من مضامين- لا يعتمدون على التعيين الرسمي لهم من جانب شيخ مشايخ الطرق الصوفية وإنما كانوا يحصلون على شرعية المنصب كرؤساء على الطرق عن طريق وكالة حكومية.
وقد أدى هذا الأسلوب الجديد إلى فصل هذه الجماعات عن إدارة الطرق الصوفية ووضعها في مكان هامشي في نطاق عالم الطرق الصوفية فظلوا على ذلك النحو إلي أن تم إغلاق جميع أنواع التكايا في مصر عقب ثورة 1952.
وعقب هذه الإصلاحات تم تعديل لائحة الطرق الصوفية بما يتمشى مع الإصلاحات وكان ذلك في يونيو 1903. فجميع التكايا والزوايا والأضرحة التي تنفق عليها الأوقاف ولها رواتب ومعاشات ومدفوعات اعتيادية من أي مورد وكذلك أي مؤسسة من هذه المؤسسات لم يقم مؤسسها بوضع شروط بتعيين ناظر عليها قد استثنيت من الخضوع لسلطان مشيخة الطرق الصوفية (المادة2). وقد ترتب على هذا الإجراء أن أصبح محمد توفيق البكري بصفته شاغلًا لذلك المنصب له سلطة على عدد قليل فقط من المؤسسات المرتبطة بالطرق. ولذلك نجده في «بيت الصديق» الذي نشر في عام 1906 يشير إشارة عابرة إلى هذه المساحة من سلطته ومن المؤكد أن عدم أهمية المؤسسات التي ظلت واقعة تحت سلطته هو الذي منعه من ذكر أسمائها.
وبالإضافة إلى هذا التعديل نجد أن الفقرات المتعلقة بتشكيل المجلس الصوفي قد تعدلت أيضًا (المادة3). فالجمعية العمومية التي كان عليها أن تنتخب المجلس الصوفي لم تعد مقصورة على رؤساء الطرق المقيمين بالقاهرة وإنما أصبحت تضم رؤساء كافة الطرق المعترف بها رسميًا بغض النظر عن المكان الذي يقيمون فيه.. ومن ثم فإن رؤساء الطرق المقيمين في المديريات قد حصلوا هم أيضًا على حق الانتخاب ، بل وحق أن يتم انتخابهم كأعضاء للمجلس الصوفي. ومن المؤكد أن هذا التعديل قد تم إدخاله بهدف إنهاء وضعهم الهامشي في نطاق إدارة الطرق نظرًا لأنهم كانوا يشعرون بأنهم غير ملتزمين بالقرارات التي يتخذها زملاؤهم بالمجلس الصوفي بالقاهرة. فهذا كان يعود بالضرر على كفاءة الإدارة وبشكل يفوق الضرر الناجم عن تعطل الإجراءات إذا كان واحد أو أكثر من أعضاء المجلس يقيمون في خارج العاصمة.
وطبقًا للتوسع في عدد رؤساء الطرق الذين لهم الحق في حضور الجمعية العمومية فإن عدد أولئك المطلوب حضورهم لجعل انتخابات المجلس الصوفي قانونية وشرعية قد رفع إلى خمسة وعشرين عضوا. بل وحدث تعديل آخر إضافي حيث لم يعد هؤلاء الرؤساء للطرق ينتخبون أربعة أعضاء دائمين وأربعة مندوبين وإنما أصبحوا ينتخبون ثمانية أشخاص من بينهم، أما اختيار الأعضاء الأربعة الدائمين بالمجلس من بين الثمانية أعضاء فقد أصبح من حق شيخ مشايخ الطرق الصوفية. ويبدو أن هذا الأسلوب في اختيار أعضاء المجلس الصوفي قد جاء كحل وسط وتسوية ما بين البكرى من ناحية الذي كان يريد أكبر قدر من الاستقلالية في ممارسته لسلطاته وبين أولئك العاملين في الإدارة الحكومية من ناحية أخرى الذين كانوا يرغبون في تخفيض نفوذ وسلطات البكرى الشخصية لأسباب تتعلق بسياسة السلطة أو لأنهم كانوا متمسكين بمبادئ قانونية عقلانية.
وبالنسبة لمحمد توفيق البكرى فإن هذا التعديل، على أية حال كان يعني تخفيف درجة القيود التي فرضت على سلطاته الشخصية من جانب أعضاء المجلس حيث أصبح بالإمكان من الآن فصاعدًا استبدال أي عضو يختلف في الرأى مع البكرى بعضو آخر من بين الأعضاء المنتخبين. ومن خلال هذا التعديل أصبحت الفرصة متاحة أمام البكرى لإعاقة تنفيذ أية سياسة يقرها المجلس وتتعارض مع آرائه الشخصية وأصبح بإمكانه الحصول على الموافقة على آرائه تحت ظل إجراءات ديموقراطية من الناحية الشكلية.
وأضيفت مادة أخرى جديدة (المادة رقم12) نصت بشكل قاطع وأكيد على عدم أخذ أجور عن القضايا التي يفحصها المجلس الصوفي أو وكلاء المشيخة أو رؤساء الطرق. ومن الواضح أن هذه المادة كان يقصد بها الحماية ضد الإجراءات غير العادلة. وفي نفس الوقت كان يقصد بها أن تكون بمثابة تدعيم لكفاءة إدارة الطرق عن طريق تشجيع أولئك المتورطين في الصراع إلى السعى نحو تحقيق تسوية من خلال عرض الصراع على المجلس الصوفي لفحصه والتوسط لحله في حالة حدوث النزاع بالقاهرة وعرضه على وكلاء المشيخة في حالة حدوث النزاع في المديريات والمحافظات. والمهمة الأخيرة التي كانت في يوم ما من مهام الوكيل من الناحية التقليدية قد صيغت بوضوح شديد وبشكل محدد في المادة رقم 13.
والمادة رقم 12 المشار إليها أعلاه كانت تتضمن فقرة تنص على عدم دفع أجور من أجل التعيين في المناصب المختلفة في نطاق الطرق وإدارة الطرق. إلا أنها في هذه الحالة وكذلك في حالة الوساطة أو النظر في الدعاوى والفصل فيها كانت تعني فقط أن الأجور الرسمية كانت غير ملائمة وغير قابلة للتطبيق. ولكنها لم تكن تعني أنها لها أية علاقة بالنسبة لتقبل الأموال أو البضائع على شكل هدايا أو كشرط أساسي بالنسبة لأي شخص على وشك أن يتم تعيينه في أي منصب في نطاق هيئة الطرق.
وعلاوة على هذا التعديل وبعض التغييرات القليلة في المصطلحات الفنية فإن البكرى تمكن من إدخال إضافتين كبيرتين على هذه التنظيمات الجديدة. الإضافة الأولى (المادة رقم13) تنص على أن أي عضو في طريقة سواء أكان مريدًا أو خليفة أو موظفًا كبيرًا له الحق في اللجوء إلى المجلس الصوفي في حالة اعتراضه على القرارات التي أصدرها شيخ طريقته. فتخفيض السلطة الداخلية لمشايخ الطرق كان يؤدي حتما إلى تزايد سلطة البكرى حيث كان هذا يفتح الطريق أمام تدخله المباشر في الشئون الداخلية للطرق المختلفة.
أما الإضافة الثانية (المادة رقم5) فقد نصت على أن جميع القرارات الصادرة عن المجلس الصوفي تنطبق على أي شخص أو أي جماعة تعمل بأية وسيلة تحت اسم التصوف. إذ أعطى هذا النص أساسًا قانونيًا لممارسة السلطة على أولئك الذين ينتمون لطرق غير معترف بها رسميًا بدون تغيير وضع هذه الطرق. والطرق الواقعة في نطاق هذه النوعية كانت تشمل فروع النقشبندية والشاذلية والخلواتية بالإضافة إلى التيجانية والسنوسية.
 
 
 
لائحة الطرق الصوفية المعدلة لعام 1903
المادة رقم 2:
إن إقصاء مشايخ الأضرحة والتكايا والسجاجيد وإجراء التعيينات في المناصب التي تخلو بإقصائهم سيكون على النحو التالي:
أولًا:بالنسبة للتكايا والأضرحة التي ليس لها دخول ولا مرتبات سواء من ديوان الأوقاف أو من الحكومة وأيضًا بالنسبة للسجاجيد فإن الإقصاء والتعيين الجديد بالمناصب الخالية سيتم بمعرفة المجلس الموصوف في المادة الثالثة.
ثانيًا:بالنسبة للتكايا والأضرحة التي لها دخول أو مرتبات من ديوان الأوقاف أو من الحكومة مهما كان حجم هذا الدخل والمرتب، فإن هذا الحق سيمارس وفقًا لما هو منصوص عليه في تنظيمات ديوان الأوقاف الصادرة بقرار من الخديوي في 13 يوليو 1895.
ثالثًا:بالنسبة للتكايا والأضرحة التي لها نظار معينون تعيينًا قانونيًا فإن تعيين شيخ عليها سيكون متمشيًا مع ما هو منصوص عليه في التنظيمات التي وضعها الشخص المانح للوقف (شرط واقف) فالتعيين سيكون وفقًا لهذا الشرط.
المادة 3:
المجلس سالف الذكر سوف يتكون من شيخ مشايخ الطرق المعين بمعرفة الخديوي رئيسًا للمجلس وأربعة أعضاء من مشايخ الطرق ينتخبهم الرئيس من بين ثمانية أشخاص من مشايخ الطرق الذين ينتخبوا بمعرفة جمعية عمومية حضرها 35 شخصًا على الأقل من بين مشايخ الطرق بأغلبية الأصوات (وستتم الانتخابات في ديوان محافظ القاهرة تحت رئاسة السيد/ محافظ القاهرة).
أما باقي هذه المادة فهو طبق الأصل من المادة رقم 3 من اللائحة لعام 1895.
المادة رقم 5:
إضافة: كافة القرارات الصادرة من المجلس التي تمنع وتحرم شيئًا ما أو تسمح بشيء ما بما يتوافق مع القانون سوف تنطبق على كل شخص يصف نفسه بأنه صوفي (بعنوان الصوفية).
المادة رقم 12:
لا تحصل أية مصاريف على الإطلاق عن القضايا التي يبحثها المجلس الصوفي أو وكلاء المشيخة (أي وكلاء مشيخة الطرق الصوفية أي وكلاء البكري) أو رؤساء الطرق. ولا تحصل أيضًا أية مصاريف أو رسوم مالية من أجل التعيين في أي منصب مهما كانت طبيعته.
المادة رقم 13:
الصراعات المتعلقة بالصوفية والتي تنشأ بين أعضاء منتمين لنفس الطريقة سينظر فيها شيخ تلك الطريقة. وللأطراف المتصارعة الحق في اللجوء إلى المجلس الصوفي سالف الذكر بالمادة رقم 3. وإذا كانت الصراعات بين أعضاء ينتمون لطرق مختلفة فإن بحث هذه الصراعات يكون من اختصاص المجلس الصوفي في حالة حدوث الصراعات بالقاهرة. أما إذا حدثت مثل هذه الصراعات في المديريات والأقاليم، فإن وكلاء المشيخة هم الذين ينظرون ويبتون فيها. وللأطراف المتنازعة الحق في اللجوء إلى المجلس الصوفي.
المادة رقم 14:
أما الدعاوى المتعلقة بالصوفية والتي يرفعها أعضاء الطرق ضد أحد المشايخ فيكون النظر فيها وتسويتها عن طريق المجلس الصوفي وحده.
5 ربيع الأول 1321
ا يونيو 1903
مصطفى فهمي
(ملاحظة : المواد المذكورة فى اللائحة المعدلة، هى المعدلة والمضافة فحسب، وتبقى سائر المواد كما هى فى اللائحة السابقة الصادرة سنة 1895م).
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 136-141، 209-211.
مشيخة الطرق الصوفية - الطرق الصوفية فى مصر فى الفترة 1905 - 1906م
مشيخة الطرق الصوفية مشيخة الطرق الصوفية - الطرق الصوفية فى مصر فى الفترة 1905 - 1906م بحلول عام 1905 وكما يتضح لنا من المادة التي تضع نظام الأسبقية للطرق في المواكب القسم رقم 5 المادة 7) نجد أن طرقًا عديدة كانت معترفا بها رسميًا حتى ذلك الحين ومنذ فترات سابقة قد اختفت مثل الجوهرية والسباعية والبندرية والحنفية والزاهدية والحمودية والعربية. وبالنسبة لثلاث طرق الأولى فإن تغير أحوال قد نتج على ما يبدو عن حدوث تدهور تدريجي في أعضائها النشيطين عندما تم تعيين أشخاص تنقصهم الكفاءة والأقتدار كرؤساء على تلك الطرق. إذ حدث تدهور في الجوهرية عقب وفاة حسن الجوهري وتعيين نجله عبد اللطيف (1949) شيخا على هذه الطريقة ، بينما تعرضت السباعية للتدهور والاضمحلال في مطلع القرن العشرين، عقب تولي محمد السباعي وهو نجل رجب السباعي منصب الرئيس الأعلى لهذه الطريقة. أما التدهور الذي أصاب البندرية فمن المؤكد أنه بدأ في عام 1900 تقريبًا عقب موت عطية الصغير الذي كان قد أنشأ هذه الطريقة في عام 1899 ، ومجيء ابنه حسن خلفًا له كرئيس على الطريقة حيث كان يتصف بعدم النشاط واللامبالاة حتى أنه أثناء توليه هذا المنصب توقف الاحتفال بمولد المؤسس لهذه الطريقة وهو عطية الكبير والذي كان يقام في مدينة الزقازيق. وليس هناك معلومات متوفرة عن الأسباب التي أدت إلى اختفاء طرق العربية والحنفية والزاهدية والحمودية المعترف بها رسميًا كطرق أو عن التواريخ التي اختفت فيها، وعندما كانت العربية قد فقدت بالفعل وضعها السابق بحلول مطلع القرن العشرين نجد أن عبد الرحمن عليش وهو ونجل عليش الذي كان شيخ السادة المالكية بالأزهر والذي كان الشيخ المبرز للطريقة العربية قبل عام 1882. قد طالب بمركز القيادة لنفسه ويبدو أنه لم يأخذ متطلبات هذا المنصب مأخذ الجد حيث راح يصدر الإجازات من أي طريقة كان قد دخل فيها بمعرفة والده لصالح أي شخص يتقدم بطلب للحصول على تلك الإجازات ، وعلاوة على ذلك فإنه لم يكن يهتم على الإطلاق بتدعيم مركز الطريقة التابعة له مما أدى بالتالي إلى تدهور هذه الطريقة واختفائها من الوجود تمامًا. أما بالنسبة للطريقة الحنفية والتي كانت تضم أعضاءًا من منطقة دمياط فقط فإنه فقدانها للاعتراف الرسمي بها كان نتيجة للتدهور الشديد في عدد أعضائها الناجم عن الدعاية الفعالة التي قامت بها الطرق الأخرى في تلك المنطقة وخاصة الدعاية التي قامت بها الطريقة القاوقجية. أما فقدان الطريقة الزاهدية للاعتراف الرسمي بها عقب موت محمد سليمان الدريني فإنه يوحى لنا أن وجود تلك الطريقة كان معتمدًا تمامًا على شخصية هذا الشيخ، ومما يؤكد ذلك أن هذه الطريقة لم تكن نشيطة عقب منتصف القرن التاسع عشر وأنها لم تبذل أي نشاط إلا في عهد محمد سليمان الدريني، ولكن يبدو أن بعض الأعضاء المنتمين لهذه الطريقة وكذلك بعض الأعضاء المنتمين للحمودية التي كانت قد توقفت هي الأخرى كطريقة معترف بها رسميًا في نهاية القرن التاسع عشر عقب موت شيخها مصطفى إبراهيم قد ظلوا نشطاء فدبت الحياة في كلتي الطريقتين حوالي عام 1930 حيث تم تعيين شيخين جليلين على هاتين الطريقتين مما أعادها إلى وضعهما السابق. وفي مطلع القرن العشرين عندما كانت معظم الطرق التي تناولناها بالجزء السابق في حالة التدهور والاضمحلال كانت هناك طريقتان جديدتان للشاذلية. وكانت الطريقة الأولى قد أسسها محمد عامر المغازي المقيم في الكوم الطويل بشمال الدلتا وكان قد دخل في فرعين مختلفين للخلواتية عن طريق محمد صالح السباعي وعن طريق شخص يسمى علي المعدواي بينما كان والده عامر قد أدخله إلى العفيفية الشاذلية وفي نهاية السبعينات شغل منصب المشرف على المسجد المشيد حديثًا والذي يضم ضريح سلفه محمد المغازي في الكفر الغربي بالقرب من الكوم الطويل وذلك خلفًا لابن عمه سعيد أبو زيد الذي تناول عن المنصب لصالحه. ومنذ ذلك الوقت بدأ ينشر الدعاية لطريقة متميزة خاصة به ليس فقط في شمال الدلتا وإنما في أماكن أخرى في الشمال الشرقي حول كفر الدوار حيث كان يعيش في أواخر أيامه. وصادفه النجاح في جميع أرجاء تلك المناطق وخاصة في خلال الثمانينات حيث أدى عدم الالتزام بحقوق القدم إلى تسهيل النشاط الدعائي لضم الأعضاء الجدد ، والذي يقوم به أولئك المنتمون لطرق ولا يستطيعون المطالبة بمثل هذه الحقوق. وأثناء تولي ابنه وخليفته «علي» منصب المشرف علي الضريح في الكوم الطويل نجد أن سلسلة الطريقة التي ترجع إلى السباعية قد قطعت ، وبدأ التركيز على سلسلة ثانية تربط الطريقة بمصطفى كمال الدين البكري وبالخلواتيين من خلال على المعداوي ، وكان الهدف من وراء ذلك هو إعطاء الطريقة طابعًا أكثر تميزًا لظهور الطابع المميز لهذه الطريقة ونظرًا لأنها تمكنت من ضم أعضاء كثيرين في المناطق المختلفة فإن المجلس الصوفي اعترف بها رسميًا في عام 1905 عقب قبولها اللائحة الداخلية. وبعد مرور عام أي في عام 1906 حصلت الحميدية الشاذلية على الاعتراف الرسمي بها. ولقد كان مؤسس هذه الطريقة ويسمى سلامة حسن الراضي (1866-1939) عضوًا فى المكية الفاسية في أيام حياته الأولى ثم انضم بعد ذلك للقوقاجية ، وأصبح خليفة لهذه الطريقة في منطقة بولاق حيث كان يعيش ويقيم في بولاق. ولكن في أواخر القرن التاسع عشر وقع الخلاف بينه وبين محمد أبو الفتح شيخ الطريقة القاوقجية ، فقرر الشيخ سلامة الراضى قطع جميع علاقاته مع شيخه السابق ، ومن المؤكد أن هذا الحادث مع شيخه السابق هو الذي دفعه إلى إنشاء طريقة خاصة به مستقلة عن القاوقجية. ولكي يؤكد هذه الحقيقة اتخذ سلسلة الفاسية وهي الطريقة التي كان قد انضم إليها قبل أن يصبح عضوًا في القاوقجية. وكان اتخاذه لهذه السلسلة مفيدًا بالنسبة له لأنها ربطته بطريقة معروفة ومحترمة ، وبدون أن تكون هناك مخاوف من أن يقوم رئيس هذه الطريقة بالمطالبة بالسلطة عليه ؛ نظرًا لأن الفاسية لم تعد طريقة معترف بها رسميًا في نهاية القرن التاسع عشر. ونجح في ضم عدد كبير من الأتباع فصدر اعتراف رسمي بطريقته من المجلس الصوفي ، ولكن محمد أبو الفتح شيخ الطريقة القاوقجية عارض في قرار المجلس الصوفي حيث كان لا يزال يعتبر سلامة الراضى من خلفائه وخاضعا لسلطاته، إلا أن مطلبه لم يلق تأييدا من محمد توفيق البكري أو من أعضاء المجلس الصوفي ، وأصدر المجلس الصوفي قرارًا ينص على الاعتراف الرسمي بسلامة كشيخ على طريقة مستقلة قبل نهاية عام 1906 بغض النظر عن اعتراضات محمد أبو الفتح وبغض النظر عن الحقيقة الواضحة بأن سلامة كان أحد خلفائه. وفي نفس العام حصل فرع للطريقة السمانية على الاعتراف الرسمي ، وكانت هذه الطريقة قد انتشرت في خلال القرن التاسع عشر ليس في مصر فقط ولكن في السودان أيضًا حيث دخلت هذه الطريقة السودان حوالي عام 1800 بمعرفة أحمد الطيب ابن البشير (1239: 1823) وهو خليفة لمحمد بن عبد الكريم السمان مؤسس الطريقة ، وتحت قيادة ابن أحمد وخليفته والذي يسمى نور الدايم (1286: 1869) أصبحت هذه الطريقة إحدى الطرق الواسعة الانتشار بالإقليم قبل المهدية. وحتى ذلك الحين كانت الطرق المصرية تتلقى عونًا وتدعيمًا وتشجيعًا حكوميًا في جهودها الرامية إلى ضم أعضاء جدد حيث كانت تنقل الدعاة للطرق الصوفية إلى أفريقيا الاستوائية وإلى الحدود القصوى للفتوحات المصرية ، وأحرز وكلاء السعدية والقادرية المصرية وبعض وكلاء الأحمدية نجاحًا مرموقًا ، ومن الناحية النظرية ظل خلفاء الطرق المصرية في السودان وأتباعهم خاضعين لسلطة رئيس الطريقة بالقاهرة وخاضعين في النهاية لسلطة البكري التي امتدت وشملت السودان أيضًا ، ولكن يبدو أن البكري ورؤساء الطرق المصرية كانوا غير قادرين على ممارسة السيطرة الفعالة على هذه المنطقة إذ لم هناك نصوص تشريعية مثل تلك النصوص المتعلقة بمبدأ حق القدم متاحة في تلك المنطقة ، ولذلك نجد أن كافة الطرق بالسوادن باستثناء الطريقة الميرغينيةـ كانت لها كيان مستقل مقصور على السودان أساسًا، وبدون أية روابط رسمية مع عالم الطرق الصوفية المصرية. ومع ذلك ففي النصف الثاني من القرن التاسع عشر نجد أن فرعًا معدلًا من السمانية تحت قيادة حفيد أحمد الطيب والذي يسمى محمد الشريف (1327-1909) والذي أطلق عليه الأخير اسم الطيبية السمانية البكرية قد اكتسب أعضاء كثيرين في مصر. وفي بادئ الأمر كان الأعضاء من مريدين من القاهرة. وهنا أصبح للطريقة نقيب على مصر كلها وهو رجل يسمى عثمان باشا عبد الحميد العبادي، والذي سعى للحصول على اعتراف رسمي به كرئيس على الطيبية السمانية البكرية في مصر في عام 1906 ، ولكنه لم يتمكن من الحصول على ذلك الاعتراف ، وليس من المعروف لنا الأسباب التي أدت إلى عدم منحه الاعتراف الرسمى، ومن المؤكد أن من بين الأسباب التى أدت إلى عدم اعتراف المجلس الصوفي به هو الحملة التي شنها عليه إبراهيم الجمل (1912) شيخ السمانية في مصر والذي ربما كان ينظر إلى الإعتراف الرسمي بالعبادي على أنه تهديد لمركزه وإضعاف لسلطاته. وعلاوة على ذلك فإن المجلس الصوفي ربما كان واقعًا تحت ضغوط غير رسمية على مستوى عال من جانب محمد الشريف رئيس الطريقة في السوادن والذي كان متواجدًا بالقاهرة في ذلك الوقت. إذ كانت لديه المقدرة على التأثير على قرار المجلس الصوفي نظرًا لأنه على علاقة وثيقة بالأزهر والوكالات الحكومية ومن المحتمل أن يكون قد أجرى اتصالات للحيلولة دون صدور اعتراف رسمي بنقيبه في مصر كشيخ للطيبية في مصر ؛ لأن هذا كان سيعطي للمثل الأعلى لهذه الطريقة في مصر حق التصرف بحرية بدون الرجوع لرئيس الطريقة في السودان وكان سيؤدي إلى جعل العبادي مستقلًا تمامًا عن محمد الشريف ، بل والأكثر من ذلك فإن هذا كان سيؤدي إلى خلق طريقة طيبية مستقلة تمامًا في مصر طالما أن الاعتراف الرسمي بالعبادى كشيخ على طريقة كان سيعطيه السلطة على أعضاء الطريقة الطيبية في مصر مع سحب السلطة من محمد الشريف في نفس الوقت ، وكان هذا سيعود بالضرر على الشريف الذي لم يكن بمقدوره العمل بكفاءة إلا من خلال اتصالاته مع كبار الموظفين المصريين نظرًا لأنه لم يكن له وضع رسمي في مصر. وبحلول عام 1906 كان المجلس الصوفي قد اعترف من جديد رسميًا بمشايخ الطرق الشهاوية البرهامية، ومنهم محمد أبو العلاء الحسيني وكان محمد أبو العلاء الحسيني قد أصبح غير معترف به كواحد منهم عندما اتخذ موقف عدم الانطواء تحت لواء إدارة البكري في عام 1895 م،. وفى عام 1906 م بعد أن أصبحت الحميدية الشاذلية طريقة معترفا بها رسميا ، نجد أن الثلاثة والثلاثين شيخًا الآتية أسماؤهم قد تولوا سلطة قانونية على الطرق التي كانت لها هذا الوضع: 1- سلامة حسن الراضي الحميدية الشاذلية 2- علي المغازي المغازية الخلواتية 3- محمد محمد ياسين الرفاعية 4- محمد إبراهيم علي الإمبابية الأحمدية 5- محمد محمود نوايتو الكناسية الأحمدية 6- حسن محمد شمس الدين المرازقية الأحمدية 7- محمد يوسف الشناوى الشناوية الأحمدية 8- منصور كريم العروسية الشاذلية 9- علي أبو النور الجربي الإدريسية الشاذلية 10- عبد المجيد محمد البرموني القاسمية الشاذلية 11- محمد أبو الفتح القاوقجي القاوقجية الشاذلية 12- محمد محمد مشينة السلامية الشاذلية 13- محمد محمد مسعود الفريدية القادرية 14- علي محمد القادري القاسمية القادرية 15- محمد أبو العلاء الحسيني الشهاوية البرهامية 16- يوسف البسيوني الشرنوبي الشرنوبية البرهامية 17- محمد إسماعيل ضيف الضيفية الخلواتية 18- إبراهيم الجمل السمانية الخلواتية 19- محمد عبد الغني الملواني البيومية الأحمدية 20- علي أحمد المنوفي المنايفة الأحمدية 21- حسن محمد الشعيبي الشعيبيبة الأحمدية 22- محمود عطاء التسقيانية الأحمدية 23- محمد أحمد العفيفي العفيفية الشاذلية 24- حسن محمد يوسف المرزوقي المدنية الشاذلية 25- حمودة محمد الخضري السعدية 26- الشيخ درويش الحندوشية الشاذلية 27- محمد خليل التهامي التهامية الشاذلية 28- عبده محمد الخياطي العيسوية الشاذلية 29- حسن حسن جاد السلامية الأحمدية 30- محمود حسن الجندى الحلابية الأحمدية 31- عبد السميع السطوحي السطوحية الشاذلية 32- محمد علي عاشور البرهامية 33- محمد عثمان سر الختم الميرغانية المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص 172-



مشيخة الطرق الصوفية – اللائحة الداخلية للطرق الصوفية لعام 1905 م
 

تعديل النظام المتعلق بتشكيل المجلس والوارد في التنظيمات لعام 1903 ربما قد أعطى الفرصة للبكري للتلاعب بأعضاء المجلس أكثر مما كان متاحًا له في ظل الاتفاق السابق الذي أبرم في عام 1895 . (راجع: @مشيخة الطرق الصوفية - لائحة الطرق الصوفية المعدلة لعام 1903 م @).

إلا أن نتيجة قضية بيت العزازية أحد بيوت الطريقة الرفاعية (راجع: @ الرفاعية - مدخل عام - الوضع العام فى مصر فى القرن 13 هـ@) تبين لنا أن هذه التعديلات لم تسمح للبكري بأن يمنع المجلس الصوفي من تنفيذ الحق الذي منح لهذا المجلس على حساب البكري وفقًا للتنظيمات لعام 1895 ، وهو أن يمنح الشرعية لرئيس طريقة ، هذا بالإضافة إلى أن هاتين المجموعتين من التنظيمات لم تتضمنا أية مواد محددة تهدف إلى تحقيق الإدارة الفعالة للجهاز المنظم للرسامة العليا والفرعية التي شكلتها ، فالحقوق والواجبات الخاصة بمشايخ الطرق لم تكن محددة بوضوح تام ، كما أن المعايير الخاصة بشغل المناصب المختلفة التي خلت بسبب موت شاغليها أو تنحيهم كانت غير واضحة أيضًا وكذلك نجد أن الإجراءات التي تتبع في تسوية الخلافات بين المجموعات والأفراد لم تأخذ شكلًا محددًا بل إن الاحتياجات الأساسية التي تضمن كفاءة الشئون الإدارية والبيروقراطية- مثل حفظ السجلات والمستندات المكتوبة لم تكن من الأمور الإجبارية التي ينبغي الالتزام بها.
ولكي يصلح محمد توفيق البكري من نواحي النقص هذه فإنه صاغ مجموعة من القوانين التكميلية تحت اسم «اللائحة الداخلية للطرق الصوفية» وكان القسم الأول من هذه اللائحة يتضمن فقرات عن عقد المزيد من الاجتماعات المنتظمة للمجلس الصوفي (المادة رقم 1) ، مع التنظيم المتقن للروتين الإداري المصاحب لها والإجراءات القانونية وكانت هذه الفقرات تتعلق بصفة خاصة بالإجراءات التي ينبغي أن يتخذها المجلس عندما يتناول المنازعات التي تعرض عليه (المواد من 2 إلى 8)، وألغى إمكانية الاستئناف (المادة 9).
والجدير بالذكر أن اللائحة الداخلية قد نصت في الفقرة الأولى من المادة2 وفي المادة 5 على أنه في حالة حدوث نزاع فإنه ينبغي على الأطراف المتنازعة أن تتقدم بكافة الوثائق المتعلقة بالموضوع إلى المشيخة أي إلى البكري بينما ينبغي أن تظل محاضر الجلسات الخاصة بالمجلس الصوفي والمتعلقة بأي حالة من حالات النزاع محفوظة تحت يدي البكري المادة 3 .
وهذه الفقرات تعني أن دور محمد توفيق البكري في المجلس السابقة ونظرًا لأن هذه الترتيبات الجديدة كان من شأنها أن تضعه في مركز هام للغاية في المجلس الصوفي من حيث هو هيئة قضائية ، فإنه أصبح بإمكانه ممارسة الإشراف على النواحي القضائية فيه وعلاوة ذلك نجد أنه قد أعطى نفسه – وفقًا لما ورد في فقرة بالقسم الثاني (الفقرة الأخيرة من المادة7)- من حيث هو شاغل لمنصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية دورًا كبيرًا هامًا في تعيين الخلفاء على رئاسة الطرق المعترف بها رسميًا ، والتي مات رؤساؤها إذ نصت هذه الفقرة على أنه في حالة انتقال شيخ طريقة إلى رحمة الله فإنه ينبغي أن يتم تسليم كافة السجلات المتعلقة بالشئون الإدارية لهذه الطريقة إلى باب المشيخة، وعقب تعيين شيخ جديد تسلم إليه تلك السجلات.
والتعيين لمنصب شيخ الطريقة قد تم تنظيمه أيضًا وفقًا لما جاء في مواد القسم الثاني (المواد: 1، 2، 3، 4، 6) التي فرضت عددًا من الالتزامات على مشايخ الطرق وحرمت عليهم أمورًا معينة المواد (8، 9، 10، 12، 13).
ومن بين هذه المواد نجد أن مبدأ شغل منصب شيخ الطريقة بالوراثة وهو المبدأ الذي أقرته التقاليد والعرف السائد في معظم الطرق قد صيغ في وضوح شديد في المادة رقم 6 ، ولكن المادة 6 ورد بها ضمان ضد شغل الوظيفة بوريث غير جدير بالمنصب في فقرة لها نفس المعنى الوارد في المادة رقم 1 ، حيث نصت هذه الفقرة على أنه لا ينبغي أن يتم تعيين أي شخص في منصب شيخ طريقة إلا إذا كان على مستوى معين من المعرفة (العرفان) ، والكمال الأخلاقي ، وفوضت هذه الفقرة المجلس في تعيين أي شخص يراه ملائمًا لتولي رئاسة الطريقة إذا كان الورثة على قدر غير كافي من التعليم ، أو كانوا غير ملائمين لشغل هذا المنصب.
والمادة رقم 1 في تنظيمات عام 1903 قد ضمنت في شيء من التعديل في المادة الرابعة التي نصت مرة أخرى على أنه ليس من حق أي رئيس طريقة أن يدعى أنه تم تعيينه كشيخ على طريقة مستقلة متميزة وبالتالي اعترف به كشيخ على الطريقة ، إلا إذا كان التعيين صادرًا عن المجلس الصوفي ، وكان المجلس الصوفي يهدف من وراء هذا الشرط إلى الحصول على الحد الأقصى من الإشراف على كافة جماعات المتصوفين المنظمة في مصر. وكان يهدف بصفة خاصة إلى جعل شرعية رؤساء على طرق مستقلة متوقفة على التعيين عن طريق المجلس ومن خلال المادة الثالثة أصبح من المستحيل أن يصدر اعتراف رسمي بتعيين اثنين من المشايخ على طريقة صوفية واحدة ، وكان مثل هذا النوع من القيادة المشتركة متواجدًا فيما مضى بالنسبة للقادرية والصاوية والشناوية. وكان هذا الوضع يؤدي دائمًا إلى المنافسة والصراع والنزاع والانفصال ، ومن الواضح أن هذه المادة كان يقصد بها منع حدوث ذلك.
أما النزاعات الكامنة والرغبات الكامنة في الإنفصال فقد أخضعت للمادة رقم 11. فقد نصت هذه المادة على منع استخدام كلمة شيخ الطريقة كلقب تشريفي لدى مخاطبة نواب الطريقة نظرًا لأن إستخدام هذا التعبير لم يكن يعكس خضوع النقيب لرئيس الطريقة وبذلك فقد تم القضاء على أحد العوامل التي تسهم في ظهور مراكز محلية للسلطة تعمل على عدم الخضوع لسلطان شيخ الطريقة مع احتمال تطورها إلى طرق انفصالية.
ومن بين الطرق المعترف بها رسميًا نجد عددًا كبيرًا منها لم ينشأ في داخل مصر وإنما أدخل إلى مصر من أجزاء أخرى من العالم الإسلامي.
وكان لهذه الطرق خلفاء نشطاء في مصر وكان هؤلاء الخلفاء أما من المواطنين المصريين أو من المغتربين المنفيين الذين لم يعتبروا أنفسهم خاضعين لسلطة أي رئيس من رؤساء الطرق المعترف بها رسميًا في مصر ، وكانوا يقومون من وقت لآخر بجمع الأنصار والأعضاء لمصلحتهم الخاصة ، ولذلك نجد أن المادة (5) قد جعلت من المستحيل عليهم أن يحصلوا على اعتراف رسمى مهما حققوا من نجاح كرؤساء أو قادة، إذ نصت هذه المادة على عدم الاعتراف بأي طريقة جديدة إذا كانت تشبه أي طريقة من الطرق التي تم الاعتراف بها بالفعل ، سواء في الاسم أو في المنهج ، وبالتالي فإن المادة (5) قضت تمامًا على احتمالات ظهور أي طريقة جديدة متماثلة تمامًا مع طريقة أخرى حيث كان هذا الوضع يؤدي دائمًا إلى ظهور الصراع على السلطة العليا ، مثل ذلك الصراع الذي حدث بالنسبة للرئاسة على العروسية في أوائل التسعينات. كما أن هذه المادة قد قضت تمامًا على ظهور الخلافات والمنازعات بين الطرق المعترف بها رسميًا والناجمة عن مطالبة أحد المشايخ بالسيادة على شيخ آخر على أساس التماثل في أسماء الطرق أو مناهجها ، طالما أنها قضت منذ البداية على احتمال وجود أي تماثل في هذا الشأن.
ولقد نصت المادة 2 على عدم تعيين شيخ واحد رئيسًا على طريقيتين ، وكان هذا الوضع منطبقًا على فرعي القادرية اللذين كانا تحت رئاسة شيخ واحد ، واعتبارًا من عام 1870 حتى عام 1892 ، كما كان هذا الوضع منطبقًا على فرعين للأحمدية: وهما الإمبابية والكناسية ، حيث كانا تحت رئاسة علي نوايتو مدى حوالي عشر سنوات وحتى عام 1904 ، وكان علي نوايتو شقيقًا لمحمد نوايتو ، الذي كان شيخًا لضريح إسماعيل الإمبابي ، وكان قد عين شيخًا للإمبابية عن طريق عبد الباقي البكري في عام 1308 (1890) عندما مات إبراهيم علي سلمان شيخ الطريقة مخلفًا وراءه ابنا صغيرًا وحيدًا ، ومن المؤكد أن على نوايتو كان مدينًا بتعيينه هذا إلى الحقيقة التي مفادها أنه كان ينتمي للأسرة التي كانت تشرف على ضريح مؤسس الإمبابية ابتداء من نهاية القرن الثامن عشر فصاعدا نظرًا لأن هذا قد جعل منه مرشحًا واثقًا من الحصول على الحد الأدنى من الشرعية المطلوبة. إلا أن العوامل التي أدت إلى تعيينه أيضًا كشيخ للكناسية عقب وفاة شيخ هذه الطريقة والذي يسمى مصطفى حمودة وهو عم حمودة محمد رئيس السعدية كانت عوامل غامضة.
وظل منصب شيخ الكناسية في حوزة أسرة نوايتو منذ ذلك الوقت فصاعدا وعندما مات علي نوايتو في عام 1904 جاء بعده شقيقه محمد محمود خلفًا له كشيخ على هذه الطريقة ، وتولى محمد أيضًا منصب شيخ الإمبابية ولكن لفترة قصيرة، إذ اعترض على شرعية خلافته ابن إبراهيم علي سلمان والذي يسمى محمد ، والذي كان قد وصل في ذلك الوقت إلى سن الرشد ، وتم الاعتراف بمطالب محمد في عام 1905 عقب قبول المجلس الصوفي للتنظيمات الداخلية ، حيث أرغم محمد محمود على الاستقالة من منصبه كشيخ للإمبابية وتم تعيين محمد إبراهيم في مكانه.
والمواد المتبقية من القسم الثاني كانت تتضمن عددًا من الأوامر والتعليمات التي ينبغي أن ينفذها رؤساء الطرق. إذ أرغموا على فتح سجلات للإدارة الخاصة بهم وفقًا لنموذج معين (المادة رقم7) ، وتعيين الخلفاء في المناطق المختلفة وتعيين النواب في كل مركز يكون فيه عدد كبير من الأعضاء التابعين للطريقة (المادة رقم9).
ونصت المادة رقم 10 على أن يقوم شيخ الطريقة بالتفتيش على الخلفاء مرة واحدة على الأقل سنويًا ، وذلك بهدف منع الطريقة من التدهور نتيجة لتكاسل وعدم فاعلية شاغلي المناصب القيادية بها.
ولتحقيق  المزيد من الفاعلية للقيادة على المستوى المحلي نصت المادة الثامنة على منع تعيين خلفاء ممن ليسوا على مستوى معين التعليم ، كما نصت المادة 12 من القسم الأول على عدم تعيين خلفاء غير جديرين بصفة عامة على تولى منصب خليفة.
وفيما يتعلق بمضمون (الإجازات) الصادرة بمعرفة رؤساء الطرق للتلاميذ والتي يصبح التلاميذ بمقتضاها خلفاء فقد وضعت الاشتراطات لذلك في المادة رقم 12. إذ نصت على أن الإجازات ينبغي أن تتضمن عبارات صريحة واضحة عن طبيعة التصريح وطبيعة القواعد التي ينبغي أن يسير عليها متسلم الإجازة لدى قيامه بالتوجيه والإرشاد. كما نصت المادة على ضرورة طبع الإجازات بدلًا من كتابتها بخط اليد وهو الأمر الذي كان شائعًا حتى ذلك الوقت.
ومن المؤكد أن هذا النص كان يقصد به عرقلة التلاعب بالسلسلة والأسماء والتواريخ المذكورة بالإجازة حيث كان ذلك التلاعب يتم أحيانًا عندما كانت مثل هذه التغييرات تدعم ادعاءات شخص ما في الحصول على الاستقلالية والسلطة.
وكانت هناك مادة أخيرة تهدف إلى القضاء على الاتجار في الإجازات الخالية من الكتابة. ففي فترات سابقة كان الاتجار في الإجازات متفشيًا إلى حد كبير ولكن الإجازات الخالية من الكتابة قد انتشرت أساسًا بعد عام 1881 عندما منع عبد الباقي البكري في المنشور الدوري الذي أعده (المادة رقم 18) أى شخص لا يشغل منصب خليفة من إقامة الحضرات.
ومن المؤكد أن هذا المنع كان يقصد به ضمان حضور موظفين مسئولين عن تطبيق كل ما ورد بالمنشور الدوري. إلا أنه في نفس الوقت لم يجعل حضور الخليفة أمرًا إجباريًا في الحضرات الاعتيادية التي يقيمها أعضاء محليون تابعون لطريقة معينة أو في الحضرات التي يشارك فيها أفراد غير منتمين لطريقة معينة أثناء الموالد وغيرها من الاحتفالات التي تتم على فترات منتظمة وكذلك أثناء ما يسمى «بالليالي».
وكانت هذه بمثابة ليال مهرجانية تضم فقرات أهمها الحضرة التي يقيمها عدد من أعضاء الطريقة ربما تحت إشراف خليفة مع المنشدين والعازفين والموسقين والتي يمكن أن يشارك فيها كافة الحاضرين في الليلة ، ولذلك فإن الشخص الذي يرغب في إقامة ليلة يقوم بتوجيه الدعوة لمجموعة كهذه لإحياء الليلة ويدفع لهم أجورهم على شكل نقود أو هبات عينية ولكن عندما أصبح بعد عام 1881 حضور الخليفة في مثل هذه المناسبات أمرًا إجباريًا شعر أولئك الذين يقومون بإحياء الليلة بأنهم بحاجة إلى إجازة بطريقة أو بأخرى تسمح لهم بالمشاركة في احتفالات الليالي، طالما أن الحصلو على الإجازة صار أمرا ضروريا إذا ما أرادوا الاستمرار في الحصول على إيراد من هذا المصدر، ولكن الشخص الذي يرغب في الحصول على هذه الوثيقة أو الإجازة كان عليه أن يدفع ثمنًا على شكل نقود أو هبات عينية للخليفة الذي يمنحه الإجازة ويقوم الخليفة بدوره بدفع أموال لرئيس الطريقة الذى قدم الإجازات الخالية من الكتابة. ولذلك فإن منع هذا الإجراء أدى إلى عرقلة المصالح المالية لرؤساء الطرق وخلفاءهم، وعلاوة على ذلك فإنه نظرًا لأن إقامة الليالي قد ظل مستمرًا، ونظرًا لأن التنظيمات الحالية أيضًا قد نصت على تواجد الخليفة الذي حصل على الإجازة من شيخه أثناء الحضرة (القسم الخامس مادة 3) فقد استمرت الحاجة إلى الحصول على الإجازات قائمة من جانب أولئك الذين كانوا يستفيدون اقتصاديا ومهنيا من امتلاك مثل هذه الوثيقة.
وهذه العوامل مجتمعة هي السبب على ما يبدو في بقاء هذه المادة من القانون غير سارية المفعول، مما أدى إلى بقاء هذه الممارسات إلى ما بعد عهد الثورة.
والمادة رقم 13 قد عادت بآثار ضارة على الإيرادات المالية لرؤساء الطرق وخلفائهم إذ تضمنت فقرة تتمشى مع المادة12من تنظيمات عام 1903 وتنص على منعهم من قبول الهبات والمنح المتعلقة بنزاع أو قضية تحت الفحص والدراسة أو المتعلقة بتعيين خليفة بل ونصت هذه الفقرة على أن المدفوعات الاعتيادية على شكل أموال أو أشياء عينية والتي اعتاد أن يقدمها المريدون والخلفاء لرئيس طريقتهم ينبغي ألا تكون إجبارية.
وكانت مثل هذه الهبات تقدم عادة في المولد النبوي ومولد مؤسسي الطريقة ، وفي مناسبة عيد الفطر في نهاية شهر رمضان ، وكانت بمثابة جزء رئيسى من إيراد رؤساء الطرق، ولذلك فإن هذه المادة كانت تشكل خطرًا على إيراداتهم إلى حد ما ، حيث إنه لم يرد بها استخدام أي نوع من العقاب الرسمي ضد أعضاء الطريقة الذين لا يرغبون- لسبب أو لآخر- في تقديم هذه الهبات الاعتيادية.
ونص القسم الثالث على إعادة التنظيم والتوسع في شبكة وكلاء المشيخة الذين أوكلت لهم- شأنهم في ذلك شأن رؤساء الطرق وخلفائهم- مهمة حفظ السجلات الخاصة بإدارتهم في نموذج معين (المادة رقم 5) وأصبح من المقرر أن يتم تعيين مثل هؤلاء الموظفين في كل مركز بدلًا من ذلك العدد القليل من المراكز الحضرية في المديريات وهو الأمر الذي كان سائدًا من قبل. وتقرر أن يكون هؤلاء الموظفون من بين الناس الأفاضل والمحترمين الأعضاء في طريقة ما .
ونصت المادة رقم 2 على عدم تعيين نواب الطرق المختلفة في منصب «الوكيل» ومن المؤكد أن الهدف من وراء ذلك هو عدم إتاحة الفرصة أمام شخص واحدًا للحصول على قدر كبير من السلطة مما قد يخلق لنفسه مركزًا استقلاليًا قويًا قد يجعل من المتعذر على البكري والمجلس الصوفي ممارسة السلطة عليه فيسمح له هذا الوضع بتحدي توجيهاتهم وتعليماتهم. مما قد يؤدي إلى ظهور طريقة إنفصالية جديدة.
ومن العوامل الأخرى التي أسهمت في ظهور المراكز المحلية للسلطة هو استخدام اصطلاح أو تعبير شيخ مشايخ الطرق كلقب شرف يطلق على وكيل المشيخة ، وقد تم القضاء على ذلك الوضع بعد أن ورد نص يقضى بمنع ذلك بالمادة  رقم 1 .
إلا أن الأهم من ذلك هو أن حق تعيين وطرد هؤلاء الوكلاء والذي كان بمثابة عقوبة رادعة ضد سوء استخدام المنصب كان مقصورًا فقط على شيخ مشايخ الطرق الصوفية ، أي مقصورًا على البكري بدون أن يشترك معه في ذلك أعضاء المجلس الصوفي (المادة رقم 1) .
وعلاوة على ذلك كان الوكلاء ملزمين بإبلاغ البكري شخصيًا بكافة الأحداث التي تتعلق بالصوفية والتي تحدث في المديريات (المادة 3 والمادة 6) وكان عليهم أن يتصلوا به مباشرة (المادة1) وبعبارة أخرى نصت المادة على منع اللجوء للوسطاء لكي لا يؤدي هذا إلى تزايد سلطة الوكلاء نظرًا لأن الاتصال غير المباشر من شأنه أن يؤدي إلى الإشراف غير المباشر من جانب البكري.
وفي الماضي كان الوكلاء يقومون أولًا وقبل كل شيء بدور ضباط الاتصال للبكري في المديريات وكان حق الفصل في القضايا المتعلقة بالصوفية من اختصاص البكري وحده.
ولكن الفصل في القضايا المتعلقة بانتهاك حقوق القدم كان يمارسه أيضًا القاضي المحلي. وفي اللائحة الداخلية نجد أن المادة 4 من القسم الذي يتناول الوكلاء تتضمن عبارة تتعلق بأحكام القاضي المحلي. وكانت هذه العبارة بمثابة إشارة صريحة ووضع صيغة رسمية للحقيقة التي مفادها أن أحكام القضاة المحليين لم تكن تشتمل فقط على حق الإيقاف المؤقت للأطراف المتورطة في النزاع ، وهو ما نصت عليه صراحة الفقرة الأخيرة من المادة رقم 3 ، وإنما كانت تشتمل أيضًا على حق النظر في الدعاوي والفصل فيها. وليس من المعروف على وجه الدقة الوقت الذي أصبح فيه هذا الحق من اختصاص الوكيل.
فالمنشور الدوري لعام 1881 لم يتضمن أية إشارة إلى حق النظر في الدعاوي والفصل فيها بمعرفة الوكلاء كما لم ترد أية إشارة بذلك في تنظيمات عام 1895 إلا أن التنظيمات المعدلة لعام 1903 قد تضمنت مثل هذه الإشارة في فقرة بالمادة رقم 13 حيث فوضت الوكلاء في حسم حالات الصراع والنزاع التي تحدث في المديريات ومنحتهم صراحة حق فحص هذه الحالات والتوسط لإيجاد حل لها.
إلا أن حق النظر الدعاوي والفصل فيها كان بالتأكيد جزءًا من اختصاصهم إذ يتضح ذلك من فقرة لاحقة تنص على أنه من حق الأطراف المتنازعة في الصراع الذي بحثه وكلاء المشيخة أن تستأنف أمام المجلس الصوفي، ولذلك فإنه من المؤكد أن محمد توفيق البكري قد أعطى قدرًا محدودًا على الأقل من حق النظر فى الدعاوى والفصل فيها للوكلاء فى فترة ما تنحصر ما بين عام 1895 وعام 1903 ، ربما كجزء من إعادة التعديل العام بين صفوفهم عقب تنازل محمد توفيق البكري عن منصب نقيب الإشراف في يناير 1895 ، ونتج عن هذا التنازل أنه لم يعد له إشراف على النقباء الإقليميين الذين فقدوا أهميتهم بالنسبة لإدارة الطرق،  عندما لم يعد بالإمكان استخدامهم في ممارسة السلطة على الطرق. ولكي يعوض محمد توفيق البكري عن هذه النكسة فإنه لجأ بالتأكيد إلى تعيين وكلاء في المناطق التي اعتاد أن يعمل فيها النقباء الإقليميون بهذه الصفة. وعلاوة على ذلك فإن الكفاءة الإدارية العالية التي كان يهدف إلى تحقيقها منذ اللحظات الأولى لتوليه المنصب هي التي حفزته بالتأكيد إلى أن يزيد عددهم في نفس الوقت.
والمادة 4 من اللائحة الداخلية وضعت حدودًا زمنية بشأن حق الاستئناف أمام المجلس الصوفي من جانب الأطراف الذين أصدر الوكيل حكمًا بشأنهم وفقًا لما ورد في تنظيمات عام 1903 م ، بل ونصت الفقرة الأولى من هذه المادة صراحة على أن الاتصال ما بين الوكلاء والمجلس الصوفي بصفتهم مسئولين أمام المجلس عن الأحكام التي أصدروها ينبغي أن يتم عن طريق البكري وحده.
وهذا الترتيب بالإضافة إلى الفقرات الأخرى التي تناولناها من قبل قد وضعت البكري في مركز يسمح له بالاحتفاظ بالإشراف الدقيق على شبكة الوكلاء الممتدة في جميع أرجاء مصر كلها وكان هذا الوضع له أهمية عظمى في مجال السيطرة على إدارة الطرق.
إذ أدى هذا إلى تقليص الدور المحجوز للمجلس الصوفي في هذا الشأن.
والحكم في القضايا المتعلقة بالأضرحة (المادة رقم8) والذي أشارت إليه اللائحة الداخلية في القسم الرابع كان خارج نطاق الاختصاص القضائي مكملًا إلى حد كبير للمادة الثانية من التنظيمات المعدلة لعمام 1903 التي حددت فئة الأضرحة التي ينبغي أن تكون تحت سلطة المجلس الصوفي. فتعيين وطرد المشرفين على هذه الأضرحة كان من اختصاص المجلس وكان من اختصاص المجلس الصوفي أيضًا تعيين موظفين إضافيين وفقًا لما ورد بالمادة رقم 1 من هذا القسم. أما العرف السائد الذي يقضي بمنح الإشراف على الضريح في أي وقت لأي شخص يتمكن من البرهنة على أنه أكبر الأشخاص المنحدرين من سلالة الشيخ المدفون بالضريح سنًا وأوثقهم صلة من حيث القربى فقد تعدل بمقتضى المادة الثانية التي نصت على منح الأولوية لهذا المنصب لشخص الذي ظل قائمًا على خدمة الضريح لمدة خمس سنوات أو أكثر حتى ولو لم يكن سلالة الشيخ المدفون في الضريح.
ونصت المادة الثالثة على ضرورة أن يقوم المشرف على أي ضريح بإبلاغ كافة الموظفين الآخرين الملحقين بالضريح (الخدمة) بجميع الهبات والمنح التي قام بجمعها. ومن المؤكد أن هذه الفقرة كانت تهدف إلى تزويد هؤلاء الموظفين ببعض الضمانات التي تؤكد لهم أنهم في نهاية كل شهر سيحصلون على نصيب من النذورات وكان العادة قد جرت على تقسيم النذورات إلى ثلاثة أقسام متساوية: يخصص قسم منها على صيانة الضريح أو مسجد الضريح بالإضافة إلى الإنفاق على الاحتفالات بالأعياد المتعلقة بالضريح، والقسم الثاني كان من نصيب المشرف على الضريح ، أما الجزء الثالث فكان يوزع بالتساوي بين الموظفين الملحقين بالضريح .
وليس من المعروف إلى أي حد كان تقسيم النذورات إلى نذورات يقصد بها أن تستخدم في أو من أجل الضريح ونذورات تخصص للمواطنين الملحقين بالضريح (الخدمة) ، وهو الأمر الذي ورد ذكره بشكل محدد في التنظيمات الصادرة عن ديوان الأوقاف في نوفمبر 1898 مقبولًا أيضًا من جانب المشرفين الواقعين تحت السلطان القضائي للمشيخة ، ولكن يبدو أن أي اختلال خطير في التوازن بين الفئتين يعود بالفائدة على المشرف كان سيلقي الاعتراض من جانب المجتمع العريض إذ عرض الأمر عليه ، ولذلك فإن تضمين فقرات تهدف إلى منع حدوث مثل هذه الفوضى ربما كان يعتبر أمرًا غير ضروري والاشتراطات المبهمة الغامضة المتعلقة بتقسيم النذورات كانت تعتبر أساسًا رسميًا كافيًا للتعامل مع كافة التعقيدات الإدارية التي يمكن أن تظهر في هذا المجال.
وفي القسم الأخير وتحت عنوان «شئون عامة» تناولت المادة رقم 5 الإلغاء الرسمي لحقوق القدم فهذه الحقوق كانت تصان بطريقة كافية من خلال المساعدة التي تقدمها الوكالات الحكومية، واستمرت تلك الصيانة طالما أن ذلك كان في صالح الفاعلية الإدارية للدولة. ولكن عندما أعيد تنظيم الإدارة الحكومية المصرية في نهاية القرن التاسع عشر ووصلت إلى درجة عالية من الكفاءة فقدت إدارة الطرق أهميتها بالنسبة للدولة ، وبالتالي توقفت الوكالات الحكومية عن مساندة مبدأ حق القدم ، وهو المبدأ الذي كانت تقوم عليه إدارة الطرق في نطاق المجتمع المصري في معظم فترات القرن التاسع عشر.
وبذلك أصبحت المطالبة بحقوق القدم لا معنى لها وأصبحت لاغية في نهاية القرن التاسع عشر عندما لم تعد المحافظة على حقوق القدم من اختصاص البكري والمجلس الصوفي على النحو الوارد في المادة التي تناولت الإلغاء الرسمي لحقوق القدم ، ويبدو أن محمد توفيق البكري لم يبذل أية جهود لإحياء إدارة ترتكز على هذه الحقوق وهذا أمر لا يدعو للدهشة لأنه حتى لو كان بالإمكان العودة لمثل هذا النوع من الإدارة فإن كان يعني إشراك عدد كبير من الوكالات الحكومية مما يصبح من المتعذر عليه إنشاء الهيئة التنظيمية المستقلة التي يتطلع إلى إنشائها.
والغالبية العظمى من المواد الواردة بالقسم الأخير تناولت الممارسات الطقوسية والعقائد فنصت المادة رقم 3 على ضرورة حضور خليفة أثناء إقامة الحضرة كما نصت على ضرورة أن يجتمع الخلفاء ورؤساء الطرق مع تلاميذهم من أجل الحضرات ومن أجل التثقيف والإرشاد الديني مرة واحدة على الأقل أسبوعيًا .
كما نصت المادة رقم 2 على استبعاد أي شخص عن الطرق الصوفية إذا اتضح أنه متمسك بنظرية الحلول والاتحاد وغيرها من المعتقدات المشابهة ، فمنذ المراحل الأولى للتصوف الإسلامي كانت هذه النظريات مادة للجدل والنزاع والمناقشة التي تورط فيها الكثيرون ومن بينهم على أبو النور الجربي رئيس الطريقة الإدريسية الشاذلية في أوائل التسعينات.
إلا أن غالبية المواد كانت موجهة ضد الممارسات الطقوسية التي تعتبر بدعة والتي سبق أن سعي عبد الباقي البكري إلى التخلص منها قبل ذلك الوقت بعشرين عامًا ، ولذلك كانت هذه المواد تتضمن عددًا من التوجيهات المتعلقة بالذكر ، فالمواد (2، 3) والتي تنص على أن الذكر ينبغي أن يقتصر على مدح الله وأن كافة حروف أسماء الله المستخدمة في الذكر ينبغي أن تنطق.
كما نصت على منع جميع أنواع تشويه الذات وأكل الثعابين والحيات والحشرات ...إلخ أثناء إقامة الحضرة ، كما وردت مادة تحدد ترتيب الطرق في المواكب ، وتمنع إقامة المواكب بالنهار اللهم إلا إذا صدر أمر بذلك من شيخ مشايخ الطرق الصوفية (باب المشيخة) ، وعلاوة على ذلك منعت ما كان يعرف بالدوسة بأن يمتطى رؤساء الطرق أو نوابهم الخيول ويمرون على ظهور أتباعهم الذين ينامون على الطريق أمامه، كما نصت على أنه لا ينبغى أن يحدث فى هذه المواكب أي شيء يحيد عن السلوك الشرعي (المادة 7).
بل وحرمت على أعضاء الطريقة السير بالأعلام أمام مواكب الجنازات وكان هذا الأمر شائعًا تمامًا في المواكب الجنائزية الخاصة بأولئك الذين لم يكونوا أعضاء في الطريقة إذ جرت العادة على أن يحصل الخليفة ورجاله على أجور للمشاركة بأعلامهم في هذه المناسبات ، أو أحيانًا من أجل إقامة حلقة ذكر أثناء المواكب الجنائزية وكجزء منها ، وأيضًا حول جثمان الفقيد وضع الجثمان في القبر ، ونظرًا لأن العادة قد جرت سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بأن يقوم الخليفة بتأجير أعلامه وأدواته الأخرى ، فإن هذا المنع قد أحدث تأثيرًا على الدخل المالي للخلفاء إلا أن هذا المنع لم يكن بشكل مطلق إذ نصت المادة على أنه يمكن الحصول على تصريح خاص من «باب المشيخة» من أجل المشاركة بالأعلام في المواكب الجنائزية ، وهذه الحقيقة وكذلك عدم تحديد الممارسات الممنوعة الواردة في هذا الجزء بالمقارنة بالوضوح الشديد الذي نجده بالمنشور الدوري الذي أعده عبد الباقي البكري يوحي لنا أن محمد توفيق البكري قد حاول أن يصوغ مجموعة من القوانين وثيقة الصلة بالقضاء على البدعة ، ولكنها في نفس الوقت مقبولة من رؤساء الطرق ومتمشية مع الرغبة المتزايدة من جانب المصلحين في ضرورة تطبيق إجراءات تؤدي إلى «الإصلاح».
وكان محمد توفيق البكري نفسه منذ وقت مبكر يرجع إلى عام 1893 يعترف بأن الأمر يستلزم ضرورة إصلاح الطرق حيث كتب بحثًا في هذا الشأن تحت عنوان «المستقبل للإسلام» ، والجدير بالذكر أن الأفكار المتعلقة بهذا الموضوع وكذلك الموضوعات العامة الواردة في هذا الكتيب كانت متمشية تمامًا مع التأثيرات التي أحدثها في ذلك الوقت جمال الدين الأفغاني الذي تقابل مع محمد توفيق البكري في استنابول في عام 1892 م، ولعل هذا هو السبب في أنه عندما تقلد محمد توفيق البكري منصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية قام رجل مثل عبد الله النديم وعبر عن اعتقاده بأنه سيتمكن من القضاء على «البدعة» المتفشية بين أعضاء الطرق وسيعمل على عودة هؤلاء الأعضاء إلى «السنة».
ولكن نظرًا لأن محمد توفيق البكري كان قد عين حديثًا كرئيس على الطرق فإنه لم يكن في وضع يمكنه من اتخاذ إجراء قد يعود بالضرر على جهوده الرامية إلى إعادة تدعيم سلطته ، ولذلك نجد أنه أحجم عن اتخاذ أية اجراءات تهدف إلى القضاء على «البدعة» ، وقاوم الضغوط التي تدفعه لاتخاذ تلك الإجراءات ، مثال ذلك الضغوط التي شنها عليه محمد رشيد رضا أثناء عدد من الاتصالات الشخصية خلال عام 1897 م، ثم بعد ذلك ابتداء من عام 1898 م فصاعدا في مجلته المنار الدورية حيث نشر مقالات ينتقد فيها التصوف في مصر بصفة خاصة.
وأصحبت الانتقادات الإصلاحية للتصوف أكثر حدة وتلاحقًا مع مطلع القرن العشرين ومن أشهر الكتاب في هذا الشأن: عبد الحميد الزهراوي - محمد عمر - عبد الرحمن الكواكبي حيث وصلت حدة هجومهم إلى التعرض للبكرى نفسه، لأن محمد توفيق البكرى من وجهة نظرهم كان رمزًا وممثلًا لهذا التقليد الديني في مصر على الأقل.
وربما كرد فعل على هذا النقد الذي أبداه هؤلاء الكتاب وتمشيًا على الأقل مع الرغبة المتزايدة في إصلاح الطرق قام محمد توفيق البكري- كما يقول بنفسه في كتابه «بيت الصديق» الذى ألفه بنفسه - بصياغة معظم مواد اللائحة الداخلية المتعلقة بالقضاء على البدعة بما في ذلك المادة رقم 6 التي تتضمن فقرة تحدد الحق في الاحتفال بمولد ، وتنص على القضاء على البدع أثناء هذه الأحداث ، وكذلك المادة 2 التي تتضمن فقرة تنص على منع إقامة «الزار» في الأضرحة.
ولكن يبدو أن تضمين المادة رقم 9 و التي تجعل من المتعذر على أي شخص ينتمي لطريقة أن ينظم حضرة لأغراض تجارية بهدف المحاكاة الساخرة ، أو مجرد تسلية الجماهير كان أمرًا زائدا عن الحاجة ولا لزوم له ، طالما أن مادة مماثلة تنص على اعتبار هذه الأعمال وغيرها من الأشكال الأخرى المتعلقة بالاستغلال التجاري للدين جريمة بشعة كانت على وشك أن تضمن فى ما يسمى بقانون العقوبات المصرى الجديد والذي كان من المقرر أن يبدأ تنفيذه في عام 1904.
إن محمد توفيق البكري كان قد أوضى بتضمين هذه المادة فى قانون العقوبات ، ورغم ذلك كان يرى أن الأمر يستلزم صياغتها في مادة مماثلة في اللائحة الداخلية للطرق ، وربما هذا التصرف من جانبه كان نتيجة مباشرة لنشر المقالات بالجرائد المصرية في مطلع القرن العشرين والتي تنتقد الاتجار بالدين في مثل هذه العروض التي يحضرها مشاهدون معظمهم من الأوربيين.
ومن بين المادتين الأخيرتين في اللائحة الداخلية نجد أن المادة رقم 10 قد غطت جميع الاحتمالات المستقبلية حيث نصت على أن العقائد الرئيسية للشريعة سوف تنطبق على كل حدث لم يرد بشأنه نص خاص، ونصت المادة الأخيرة على تنفيذ عقوبات التأنيب والإيقاف والطرد من جميع أنواع الطرق، وهو الأمر الذي كان شائعًا على الأقل منذ أيام علي البكري - في حالة انتهاك أي نص من النصوص الواردة باللائحة الداخلية.
ولكن عندما عرض محمد توفيق البكري اللائحة الداخلية على المجلس الصوفي في خريف عام 1903 م ، نجد أن أعضاء المجلس قد رفضوا إعطاء موافقتهم على اللائحة ، وكان ذلك نابعًا من تأييدهم لرؤساء  الطرق ، وربما كان هؤلاء الأعضاء يعملون تحت ضغوط لصالح رؤساء الطرق ومن بين اعتراضاتهم التي أرسلت في خطاب مرسل منهم إلى البكري هو أن كل مادة واردة باللائحة تتضمن الإشارة إلى ضرورة الحصول على إذن من البكري أو موافقة منه ، وقالوا أيضًا أن التنظيمات عام 1903 م كانت تكفي تمامًا لتسيير الأمور الخاصة بإدارة الطرق وبالتالي فلا توجد هناك حاجة للإضافات ، وقالوا إنهم ليسوا في وضع يسمح لهم بالمطالبة بإضافة أية نقاط جديدة للتنظيمات التي سبق أن صدرت بقرار من الخديوي.
إلا أن اعتراضاتهم الرئيسية كانت تنصب بالتأكيد على شيء جوهري: وهو أن اللائحة الداخلية تجعل المجلس الصوفي من حيث هو هيئة قضائية وتشريعية للطرق الصوفية معتمدًا تمامًا على البكري طالما أن معظم المعلومات والقرارات ينبغي أن تصدر عنه.
فهذا الاعتماد- بالإضافة إلى الحقيقة التي مفادها أن المجلس كانت له درجة محدودة للغاية من الإشراف على شبكة الوكلاء – قد نظر إليه بالتأكيد على أنه بمثابة قيود مفروضة على الدور الفعال الذي خصص للمجلس وفقً لتنظيمات عام 1903.
وعلاوة على ذلك فإنه من المحتمل أن يكونوا قد عارضوا تضمين الفقرات المتعلقة بالبدعة لأسباب تتشابه مع تلك الأسباب التي جعلت مضامين المنشور الدوري الذي أعده عبد الباقي البكري غير مقبولة منذ ربع قرن تقريبًا ، ولكن بعد أقل من عامين وفي أبريل 1905 نجد أن المجلس الصوفي قد وافق على التنظيمات الداخلية (اللائحة الداخلية) التى اكتسبت وفقا لتنظيمات عام عام 1903 (المادة5)- صفة القرار المنطبق على كل شخص يطلق على نفسه اسم: صوفي.
وهاتان المجموعتان من التنظيمات المتحدتان مع بعضهما البعض قد أعطت لإدارة الطرق كفاءة ذاتية وتميزًا لا نظير له في أية مرحلة سابقة ولذلك أصبحت محصنة ضد الوقوع تحت إشراف هيئات  أخرى أو إدماجها مع هيئات أخرى. ولقد زودت التنظيمات منصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية وهو أعلى منصب في إدارة الطرق بالصفات المتميزة والاستقلالية والسلطة على نحو أعظم بكثير من ذي قبل ، واعترفت الغالبية العظمى من رؤساء الطرق وأعضائها الذين بلغ عددهم في ذلك الوقت ما يزيد على مليون عضو بمدى أهمية ذلك المنصب في إدارة شئون عالم التصوف. ولذلك فإنه يمكن لنا  أنا نقول إن أحدًا ممن شغل منصب شيخ السجادة البكرية قبل محمد توفيق البكري لم يحصل على مثل هذه السلطات الهائلة فيما يتعلق بشئون الطرق على الأقل.
ولكن كيف تمكن محمد توفيق البكري من إقناع شيوخ الطرق الممثلين في المجلس الصوفي بقبول اللائحة الداخلية؟
إن هذا الأمر غير معروف لنا حيث يكتنفه غموض شديد ، ولكن طالما أنه لم يبذل أية جهود لفرض المواد التي تهدف إلى إصلاح الممارسات الطقوسية بالقوة فإنه يبدو أن اللائحة قد تمت الموافقة عليها على أساس أنه كانت هناك ضمانات سرية بأن هذه المواد لن تطبق وستظل حبرًا على ورق ، كمجرد رد فعل لمطالب رجال الإصلاح بهدف إيقاف انتقاداتهم المتزايدة.
ويبدو أن هذا الهدف قد تم إنجازه في بادئ الأمر ولكن مع نهاية عام 1908 وبعد أن اتضح عدم بذل أية جهود لتنفيذ هذه المواد الواردة باللائحة بدأت تظهر الشكوك حول مدى جدية البكري ونواياه في هذا الصدد في دوائر الداعين للإصلاح ، فقام واحد من أشهر المهتمين بالإصلاح وهو عبد العزيز الجاويش بنشر خطاب مفتوح ينتقد فيه محمد توفيق البكري في جريدة «اللواء» اليومية التي يصدرها مصطفى كامل لعدم قيامه باتخاذ إجراءات ضد الأنشطة غير الشرعية التي يقوم بها أعضاء الطرق أثناء احتفالات المولد النبوي التي شاهدها في تلك السنة ، ولم يقم البكري أو أي رئيس من رؤساء الطرق المعترف بها بالرد على الهجوم الوارد بذلك الخطاب المفتوح ، والتزموا بالصمت الذي كان بمثابة السمات المميزة التي ظلت سائدة على مدى العشر سنوات التالية في كل مرة يحدث فيها هجوم من جانب أولئك الذين ليست لديهم مفاهيم صوفية للإسلام أو الذين لديهم مفاهيم مناهضة للتصوف الإسلامي.
وبحلول سنة 1905 / 1906 م ، كان هناك تغير واضح فى الطرق الصوفية المعترف بها رسميا من قبل الشيخ البكرى، حيث أصاب التدهور العديد من الطرق ، كما ظهرت طرق أخرى جديدة، وهو ما يمكن الاطلاع عليها فى موضوع (@مشيخة الطرق الصوفية - الطرق الصوفية فى مصر فى الفترة 1905 - 1906م@).
والآن بعد هذا التحليل الضافى لللائحة الداخلية للطرق الصوفية لعام 1905 م ، والتى أصدرها الشيخ محمد توفيق البكرى شيخ السجادة البكرية، وشيخ مشايخ الطرق الصوفية، فلنعرض فى الأسطر التالية النص الكامل لهذه اللائحة:


ملامح الإصلاح فى لائحة 1905م
كان محمد توفيق البكري نفسه منذ وقت مبكر يرجع إلى عام 1893 م يعترف بأن الأمر يستلزم ضرورة إصلاح الطرق حيث كتب بحثًا في هذا الشأن تحت عنوان «المستقبل للإسلام».
والجدير بالذكر أن الأفكار المتعلقة بهذا الموضوع وكذلك الموضوعات العامة الواردة في هذا الكتيب كانت متمشية تمامًا مع التأثيرات التي أحدثها في ذلك الوقت جمال الدين الأفغاني الذي تقابل مع محمد توفيق البكري في استنابول في عام 1892 م ، ولعل هذا هو السبب في أنه عندما تقلد محمد توفيق البكري منصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية قام رجل مثل عبد الله النديم وعبر عن اعتقاده بأنه سيتمكن من القضاء على «البدعة» المتفشية بين أعضاء الطرق وسيعمل على عودة هؤلاء الأعضاء إلى «السنة».
ولكن نظرًا لأن محمد توفيق البكري كان قد عين حديثًا كرئيس على الطرق فإنه لم يكن في وضع يمكنه من اتخاذ إجراء قد يعود بالضرر على جهوده الرامية إلى إعادة تدعيم سلطته ولذلك نجد أنه أحجم عن اتخاذ أية إجراءات تهدف إلى القضاء على «البدعة» وقاوم الضغوط التي تدفعه لاتخاذ تلك الإجراءات مثال ذلك الضغوط التي شنها عليه محمد رشيد رضا أثناء عدد من الاتصالات الشخصية خلال عام 1897 م ثم بعد ذلك ابتداء من عام 1898 م فصاعدا في مجلته المنار الدورية حيث نشر مقالات ينتقد فيها التصوف في مصر بصفة خاصة.
وأصبحت الانتقادات الإصلاحية للتصوف أكثر حدة وتلاحقًا مع مطلع القرن العشرين ومن أشهر الكتاب في هذا الشأن: عبد الحميد الزهرواي- محمد عمر- عبد الرحمن الكوكبي.
وربما كرد فعل على هذا النقد الذي أبداه هؤلاء الكتاب وتمشيًا على الأقل مع الرغبة المتزايدة في إصلاح الطرق قام محمد توفيق البكري- كما يقول بنفسه في كتابه «بيت الصديق» - بصياغة معظم مواد اللائحة الداخلية المتعلقة بالقضاء على البدعة بما في ذلك (المادة رقم 6) التي تتضمن فقرة تحدد الحق في الاحتفال بمولد وتنص على القضاء على البدع أثناء هذه الأحداث وكذلك (المادة 2) التي تتضمن فقرة تنص على منع إقامة «الزار» في الأضرحة.
ولكن يبدو أن تضمين (المادة رقم 9) والتي تجعل من المتعذر على  أي شخص ينتمي لطريقة أن ينظم حضرة لأغراض تجارية بهدف المحاكاة الساخرة أو مجرد تسلية الجماهير كان أمرًا زائدا عن الحاجة ولا لزوم له طالما أن مادة مماثلة تنص على اعتبار هذه الأعمال وغيرها من الأشكال الأخرى المتعلقة بالإستغلال التجاري للدين جريمة بشعة ، وذلك فى القانون الجديد والذي كان من المقرر أن يبدأ تنفيذه في عام 1904.
إن محمد توفيق البكري كان يرى أن الأمر يستلزم صياغتها في مادة مماثلة في اللائحة الداخلية للطرق وربما هذا التصرف من جانبه كان نتيجة مباشرة لنشر المقالات بالجرائد المصرية في مطلع القرن العشرين والتي تنتقد الاتجار بالدين في مثل هذه العروض التي يحضرها مشاهدون معظمهم من الأوربيين.
ومن بين المادتين الأخيرتين في اللائحة الداخلية نجد أن (المادة رقم 10) قد غطت جميع الاحتمالات المستقبلية حيث نصت على أن العقائد الرئيسية للشريعة سوف تنطبق على كل حدث لم يرد بشأنه نص خاص ونصت المادة الأخيرة على تنفيذ عقوبات التأنيب والإيقاف والطرد من جميع أنواع الطرق وهو الأمر الذي كان شائعًا على الأقل منذ أيام علي البكري- في حالة انتهاك أي نص من النصوص الواردة باللائحة الداخلية.
ولكن كيف تمكن محمد توفيق البكري من إقناع الطرق الممثلين في المجلس الصوفي بقبول اللائحة الداخلية؟ أن هذا الأمر غير معروف لنا حيث يكتنفه غموض شديد ولكن طالما أنه لم يبذل أية جهود لفرض المواد التي تهدف إلى إصلاح الممارسات الطقوسية بالقوة فإنه يبدو أن اللائحة قد تمت الموافقة عليها على أساس أنه كانت هناك ضمانات سرية بأن هذه المواد لن تطبق وستظل حبرًا على ورق كمجرد رد فعل لمطالب رجال الإصلاح بهدف إيقاف اننقاداتهم المتزايدة.
ويبدو أن هذا الهدف قد تم إنجازه في بادئ الأمر ولكن مع نهاية عام 1908 وبعد أن اتضح عدم بذلك أية جهود لتنفيذ هذه المواد الواردة باللائحة بدأت تظهر الشكوك حول مدى جدية البكري ونواياه في هذا الصدد في دوائر القائمين على الإصلاح فقام واحد من أشهر المهتمين بالإصلاح وهو عبد العزيز الجاويش بنشر خطاب مفتوح ينتقد فيه محمد توفيق البكري في جريدة «اللواء» اليومية التي يصدرها مصطفى كامل لعدم قيامه باتخاذ إجراءات ضد الأنشطة غير الشرعية التي يقوم بها أعضاء الطرق أثناء احتفالات المولد النبوي التي شادها في تلك السنة ولم يقم البكري أو أي رئيس من رؤساء الطرق المعترف بها بالرد على الهجوم الوارد بذلك الخطاب المفتوح والتزام بالصمت الذي كان بمثابة السمات المميزة التي ظلت سائدة على مدى العشر سنوات التالية في كل مرة يحدث فيها هجوم من جانب أولئك الذين ليست لديهم مفاهيم صوفية للإسلام أو الذين لديهم مفاهيم مناهضة للتصوف الإسلامي.
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 167 - 172.

مشيخة الطرق الصوفية - نقباء الأشراف
مشيخة الطرق الصوفية مشيخة الطرق الصوفية ونقباء الأشراف ثمة علاقة وطيدة بين الطرق الصوفية والأشراف ، تظهر جلية من أن العديد من كبار الأولياء هم من الأشراف كالسيد البدوى وإبراهيم الدسوقى وأبى الحسن الشاذلى وغيرهم كثير ، والحقيقة أن منصب نقيب الأشراف أقدم وأعرق من منصب شيخ الطرق الصوفية. ومن الممكن عند استعراض أسماء الذين تقلدوا منصب رئيس نقابة الأشراف في الفترة من عام 1750 إلى عام 1911 م أن نرى العديد من الشيوخ الذين تولوا المنصبين معا ، وهذه قائمة بأسماء نقباء الأشراف بمصر فى تلك الفترة: 1- محمد أبو الهادي السادات من ؟ إلى 1168 (1754/1755). 2- محمد بن إسماعيل السادات من 1168- 1176 (1754/ 1755 إلى 1762/ 1763). 3- محمد بن عبد المنعم البكري من 1176 (1762/ 1763) إلى -؟. 4- أحمد بن محمود البكري من ؟ إلى 12 ربيع الثاني 1195 (ابريل 1781). 5- محمد البكري الكبير من 18 ربيع الثاني 1195 إلى 10 شعبان 1196 (13 ابريل 1781 إلى 31 يوليو 1782). 6- محمد البكري الصغير من 1196 إلى 18 ربيع الثاني 1208 (1782 إلى 23 نوفمبر 1793). 7- عمر مكرم الأسيوطي من ربيع الثاني 1208 إلى ربيع الأول 1213 (نوفمبر 1793 إلى سبتمبر 1798). 8- خليل بن محمد البكري 5 ربيع الأول 1213 إلى ذي القعدة 1216 (16 سبتمبر 1798 إلى فبراير 1802) 9- يوسف أفندي 29 رمضان 1216 إلى 15 ذي الحجة 1216 (13 يناير 1802 إلى 19 ديسمبر 1802). 10- عمر مكرم الأسيوطي 15 ذي الحجة 1216 إلى 27 جماد الثاني 1224 (19 ديسمبر 1802 إلى 9 أغسطس 1809). 11- محمد أبو الأنوار السادات 27 جماد الثاني 1224 إلى 18 ربيع 1228 (9 أغسطس 1809 إلى 21 مارس 1813). 12- محمد بن أحمد الدواخيلي 18 ربيع الأول 1228 إلى 12 ربيع الأول 1231 (12 مارس 1813 إلى 11 فبراير 1816). 13- محمد أفندي البكري 12 ربيع 1231 إلى 17 رجب 1217 (11 فبراير 1816 إلى 5 ابريل 1855). 14- علي البكري 25 رجب 1271 إلى ذي القعدة 1297 (13 ابريل إلى 21 أكتوبر 1880) 15- عبد الباقي البكري 23 ذي القعدة 1297 إلى 19 جمادي الثاني 1309 (27 أكتوبر 1880 إلى 21 ديسمبر 1891). 16- محمد توفيق البكري جماد الثاني 1309 إلى 25 رجب 1312 (ديسمبر 1891 إلى يناير 1895). 17- علي محمد الببلاوي 6 شوال 1312 إلى 2 ذي الحجة 1320 (ا ابريل 1895 إلى 1 مارس 1903). 18- محمد توفيق البكري من 2 ذي الحجة 1320 إلى أوائل عام 1329 (من أول مارس 1903 إلى أوائل عام 1911). المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص 231-233.

مشيخة الطرق الصوفية - وكلاء شيخ مشايخ الطرق الصوفية
 

بوجه عام، فإن وكلاء مشيخة الطرق الصوفية كانوا يقومون بحماية مصالح الطرق، ويتأكدون بأنفسهم من أن إدارة الأضرحة تتم على خير وجه، فإذا اتضح أن وكيلًا غير قادر على إنجاز هذا العمل تظهر الاحتجاجات؛ مما قد يؤدي إلى إقالة الوكيل من منصبه، وتعيين شخص ما آخر بدلًا منه.

وعلاوة على ذلك، كان يوجد هناك عدد من الوكلاء يعملون مندوبين شخصيين عن البكري، ويديرون الأراضي التي يمتلكها البكري، ويراعون مصالحه المالية بوجه عام.
وعادة ما كان هؤلاء الوكلاء يشغلون مناصب أخرى لها أهمية اجتماعية، ومقامًا عاليًا؛ مثل: منصب القاضي، ومنصب السارتوجار، ومنصب قائم مقام نقابة الأشراف؛ فكان هذا الوضع يزيد من فاعلية سلطتهم، بوصفهم مندوبين عن البكري.
لقد كان الوكلاء يعينون بمعرفة البكري، الذي كان يقوم بمثل هذه التعيينات بدون أن يجري الكثير من الاتصالات والاستشارات مع موظفي الطرق بالمنطقة المعنية.
وفي الواقع لم يكن هناك داع لذلك؛ لأن الشيء المطلوب بالدرجة الأولى هو الولاء للبكري.
وعلاوة على ذلك، فإن سلطتهم كوكلاء للبكري كانت مجرد امتداد لسلطة البكري نفسه؛ ولذلك فإن درجة الشرعية لسلطتهم كانت تدل على درجة شرعية سلطة البكري نفسه.
 
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 47.

مشيخة الطرق الصوفية - نقباء الطرق
مشيخة الطرق الصوفية مشيخة الطرق الصوفية - نقباء الطرق وفي كل مديرية توجد بها طريقة لها خلفاء، يقوم رئيس الطريقة بتعيين نقيب، وهنا كان يتم اتباع نفس الإجراءات التي يتم بها تعيين الخليفة، فالنقيب لا يصبح نقيبًا من الناحية القانونية إلا إذا قام البكري بالتصديق على هذا التعيين الذي صدر له من رئيس الطريقة، وعادة ما كان يتقلد هذا المنصب شخص ما يتقلد في نفس الوقت منصب خليفة. والعمل الأساسي للنقيب: هو التأكد من أن الخلفاء يؤدون الواجبات المتعلقة بمنصبهم على خير وجه، ويرفع تقريرًا على هذا -إذا لزم الأمر- عن رئيس الطريقة، وهو بذلك يمثل حلقة الاتصال الرئيسية بين الخلفاء المتواجدين بالمديرية - التي يشغل فيها منصب نقيب - وبين رئيس الطريقة، وبوجه عام كان من واجبه أن يعمل كل شيء من شأنه أن يحمي مصالح الخلفاء، فإذا لم يفعل هذا يقوم المتضررون -بسبب إهماله- بتقديم الشكاوى لرئيس الطريقة أو للبكري شخصيًّا، وقد يترتب على ذلك خلع النقيب من منصبه، وإحلال شخص آخر بدلًا منه، ولكن قبل أن يتم تعيين شخص آخر مكانه، قد يجري تحقيق في هذا الأمر بواسطة وكيل محلي عن البكري. ولأن شاغلي منصب النقيب -بالإضافة إلى عملهم كضابط اتصال ما بين رئيس الطريقة وبين الخلفاء المحليين- كان عليهم أن يشرفوا على إنجاز الخلفاء لأعمالهم، ويتأكدوا من أن الأعمال تتم بطريقة سليمة؛ فإن شرعية السلطة لم تكن مستمدة من الاعتراف من جانب الأعضاء العاديين ، وإنما مستمدة أساسًا من الحقيقة التى مفادها أن خلفاء الطريقة في منطقة ما قد قبلوا شخصًا معينًا كنقيب عليهم. وتواجد نقيب في أي منطقة كان يتوقف تمامًا على ما إذا كانت الطريقة قد اعترفت رسميًّا بالخلفاء في تلك المنطقة من عدمه، ويكون الوضع على ذلك النحو عندما يكون للطريقة حق القدم؛ ولذلك فإن تواجد وظيفة النقيب كان يرجع إلى مدى أهمية مبدأ حق القدم بالنسبة للإرادة؛ ومن ثم فإن شرعية النواب- تمامًا مثل شرعية الخلفاء- تعبيرًا عن التوافق مع مبدأ حق القدم، وبالتالي كانت تأكيدًا وتعزيزًا لشرعية الجهاز الإداري بأكمله. (راجع بخصوص حق القدم : @ مشيخة الطرق الصوفية وحق القدم@). ونظرًا لأن جميع الخلفاء والنواب كانوا مدينين بمراكز سلطاتهم إلى الحقيقة -التي مفادها أن مبدأ القدم قد أصبح هو المبدأ الرئيسي في كيان الإدارة- فقد كان لديهم كل الأسباب التي تجعلهم يذعنون للعلاقة التي تربط رئيس طريقهم بالبكري، والتي تجعله تابعًا للبكري، وهذا يعني الاعتراف بسلطة البكري. ونظرًا لأن أي شخص معترف بسلطة البكري، يعتبر في نفس الوقت معترفًا بمبدأ القدم، وبالتالي بشرعية مبدأ القدم؛ فإن التبعية الاختيارية لرئيس الطريقة كانت تعني أيضًا التمسك بهذا المبدأ. المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص 46-49

مشيخة الطرق الصوفية - مواكب المحمل والرؤية

بخلاف الموالد النبوية ، وموالد الصالحين (راجع : @مشيخة الطرق الصوفية – الاحتفال بالمولد الشريف@ - @مشيخة الطرق الصوفية - الإشراف على الموالد@).

فهناك العديد من المناسبات الأخرى التي تشارك فيها الطرق مشاركة فعالة وتنعشها إلى حد بعيد: موكب الكسوة الذي يتم في منتصف شوال ومواكب المحمل الذي يتم بمناسبة قافلة الحج إلى مكة المكرمة بعد حوالي ثلاثة أسابيع. ففي هاتين المناسبتين كان البكري يلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم هذين الحدثين. وكان تسلسل وتعاقب الطرق المختلفة المشاركة في هذه المواكب يؤدي من وقت لآخر إلى ظهور المنازعات والمشاحنات بين أعضاء هذه الطرق. ولذلك كان من الضروري وضع مجموعة من القواعد التنظيمية المحددة والملزمة لهاتين المناسبتين وقد تم وضع هذه القواعد بالفعل من خلال عقد مؤتمر لرؤساء الطرق تحت رئاسة البكري في شوال 1289 «ديسمبر 1872».
هذا وقد اعتادت مجموعات من أعضاء الطرق على الاشتراك في المواكب التي تتم بمناسبة الاحتفال بليلة الرؤية وعودة المحمل ، وهو احتفال كان يجري تحت إشراف نقابات التجار والصناع. إذ كان الاحتفال بليلة الرؤية يتم تحت إشراف المحتسب الذي كان أهم وأبرز الموظفين المشاركين فيه حتى حلول السبعينات حيث حل محله بعد ذلك رئيس الشرطة بالقاهرة.
ولم يكن البكري يقوم بأي دور في تنظيم الاحتفال بليلة الرؤية وعودة المحمل. ولكن اعتبارًا من عام 1290 «1873» فصاعدًا وبناء على رغبة بلدية القاهرة بدأت الطرق تحت إشراف وتنسيق البكري تشارك في المواكب الذي يقام بمناسبة عودة المحمل. وهذا التزايد النسبي  في أهمية الدور الذي تلعبه الطرق في الاحتفالات لم يقتصر على هذه المناسبة فقط على ما يبدو. إذا تزايدت أهمية رجال الطرق في  موكب الكسوة وفي الموكب الذي يقام بمناسبة رحيل المحمل واختفى الدور الذي كانت تقوم به نقابات التجار والصناع في هذين الموكبين حيث لم يظهر أي دليل يشير إلى مشاركتهم في الاحتفالات بهاتين المناسبتين. بل نجد أن البكري لم يعد يوجه الدعوة للأعضاء البارزين في نقابات التجار والصناع لحضور الاحتفالات  المختلفة التي ينظمها ويشرف عليها باستثناء مندوبي النقابات التجارية الذين هم أعضاء في نفس الوقت في مجالس التجار.
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 64-65.
 

مشيخة الطرق الصوفية - الإشراف على التكايا
مشيخة الطرق الصوفية مشيخة الطرق الصوفية - الإشراف على التكايا كانت المولوية والجلشانية والبكتاشية من بين الطرق التي ليس لها جماعات نشيطة في خارج القاهرة. وكل طريقة من هذه الطرق كان لها تكية وكانت التكية هي مركز نشاطها. وكان رؤساء هذه التكايا هم في نفس الوقت رؤساء للطرق الخاصة بهم في مصر ، وكانت هناك تكايا أخرى تأوي جماعات من المتصوفين وتنتمي لطرق يعترف رؤساؤها بسلطة البكري ويتم تعيينهم بمعرفة البكري ، ومع ذلك كانت هذه التكايا تعامل كجماعات مستقلة لها مشايخها الخاصة بها كرؤساء لها.. وكان معظم المقيمين في هذه التكايا من الأجانب أو ليسوا من أصل مصري وبعض التكايا كانت لا تضم سوى مقيمين جاءوا من دولة معينة أو من منطقة معينة مثل بخارى أو خوكاند أو الأناضول. ولقد تقبل جميع رؤساء هذه التكايا الحقيقة الواقعة وهي أن البكري قد أصبح هو المسئول الرسمي الوحيد الذي بيده سلطة تعيينهم بطريقة قانونية وذلك لكي يتمكنوا من الحصول على المكافآت الدورية من الروزنامه أو من أي مورد حكومي آخر. ولم يكن في هذا ما يدعو للدهشة طالما أنهم لن يتمكنوا من الحصول على هذه المكافآت المالية الدورية إلا إذا صدر لهم قرارات رسمية بتعيينهم من جانب البكري. وعندما كان يموت واحد منهم كان رؤساء التكايا الآخرون يذهبون إلى التكية التي مات رئيسها بصحبة مندوب عن البكري. وكان مهمتهم هي أن يتأكدوا من أن ميراث الميت قد سار وفقًا للشريعة الإسلامية وفي نفس الوقت كانوا يبحثون في مسألة تحديد خليفة للميت. وعندما تصبح وظيفة كهذه شاغرة بسبب وفاة أو رحيل شاغلها فإن البكري لا يبادر إلى تعيين شخص آخر إلا بعد أن يقوم المقيمون في التكية باختيار شخص من بينهم. وهذا المرشح المقترح يمكن أن يكون من سلالة رئيس التكية السابق أو قريبا له. إلا أن هذا الوضع لم يكن بأي حال من الأحوال هو الإجراء الرسمي مثلما كان عليه الحال بالنسبة لرؤساء الطرق. فهنا كان الشرط الأساسي للتعيين هو أن تكون لسلطة المرشح على المشاركين له في التكية أساس قانوني وشرعي. وكانت المنازعات تنشأ أحيانًا بين طوائف المقيمين في التكية الواحدة حيث تساند كل طائفة مرشحًا مختلفًا. ولكن مثل هذا النزاع لا يدوم فترة طويلة طالما أن التكية وبالتالي المقيمين بها لن يتمكنوا من الحصول على أية مكافآت مالية من المصادر الحكومية إلا من خلال رئيس لها معين بطريقة قانونية. ولذلك كانت الطوائف المختلفة المندرجة تحت التكية الواحدة تسارع إلى التوصل إلى اتفاق بأسرع ما يمكن. فإذا استمر المقيمون في التكية في النزاع حول الشخص الذي ينبغي تعيينه شيخًا عليهم فإنه يتم عقد مجلس بهدف بحث الأمر والتوسط بين الأطراف المتنازعة. وكان يشارك في هذه المجالس رؤساء الطرق ورؤساء التكايا ورؤساء الأضرحة وكانوا في جميع الأغراض والأهداف متساويين مع بعضهم البعض. وكان هذا هو الوضع بالنسبة للمجالس المشابهة التي تعقد عندما تنشأ منازعات بين أعضاء طريقة ما أو بين أشخاص على صلة بالمؤسسات المرتبطة بالطرق وواقعة في نطاق دائرة البكري وسلطته القضائية. وما أن يتم تعيين شخص ما في منصب حتى يبادر البكري بإبلاغ الروزنامة وإعطاء التعليمات بدفع المرتبات الاعتيادية للشيخ المعين حديثًا. ونظرًا لأن الغالبية العظمى من رؤساء التكايا كانوا يستفيدون من الأوقاف الواقعة تحت إشراف ديوان الأوقاف أو التي لها معاملات مع ديوان الأوقاف بوسائل أخرى فإن البكري يقوم أيضًا بإبلاغ الأوقاف وكذلك إبلاغ ناظر الخاصة إذا كان للتكية دخل من هذا المصدر. كما كان يتم إبلاغ رئيس الشرطة «المأمور» بالقاهرة حيث كان المأمور يعتبر مسئولًا بالدرجة الأولى عن مساعدة الشيخ المعين حديثًا في الاضطلاع بمهام منصبه في حالة منع الشيخ بالقوة من مزاولة مهام منصبه من جانب المقيمين بالتكية الذين لا يوافقون على تعيينه. بل وكان البكري يقوم بإبلاغ الرئيس على المأمور ألا وهو محافظ القاهرة؛ إذ كان المحافظ يهمه أن يعرف أسماء الأشخاص المسئولين عن التكايا المختلفة نظرًا لأن هؤلاء الموظفين كانوا يعتبرون من الشخصيات الدينية الهامة التي ينبغي أن يوجه الدعوة لهم لحضور الاحتفالات الرسمية. وفي الاحتفالات الدينية العظمى التي ينظمها ويشرف عليها البكري لم يكن ساكنوا التكايا ولا رؤساؤها يشاركون في المواكب الاحتفالية المختلفة التي تقام. إلا أن البكري في حالة تنظيمه لحضرة أو في حالة اشتراكه في حضرة تنظمها طرق أخرى كان يدعو مشايخ التكايا والقاطنين في التكايا التي يشرف عليها المشايخ الآتية أسماؤهم: محمد أحمد قاسم القادرية محسن عبد المحسن القادرية عبد الرحمن السطوحي السطوحية «الأحمدية» محمد الدريني الزهيدية الأحمدية محمد الشافعي شيخ تكية الأستاذ المغربي شاكر خان شيخ تكية حسن الرومي ميرزا شيخ تكية البخارلية محمد البخشي شيخ تكية الهنود عثمان أفندي سليمان شيخ تكية الأزبك محمد أفندي عاشق شيخ تكية النقشبندية أحمد أفندي خاكي شيخ تكية درب قرمز محمد بكير شيخ تكية قيصون محمد نور شيخ تكية الركوبية علي شيخ تكية الغنام محمد أفندي شيخ تكية شايخون إبراهيم شيخ تكية السروجية نصر أفندي شيخ تكية محيي الدين إبراهيم أفندي شيخ تكية بولاق عبد الرحمن أفندي شيخ تكية القصر العيني عباس شيخ تكية المغاويري حسن أفندي شيخ تكية المولوية خليل أفندي شيخ تكية الجلشانية وليس من المعروف لنا ما إذا كان رؤساء تكية الأستاذ المغربي التي كانت تقع بالقرب من شارع الإسماعيلية الموصل ما بين الأزبكية وبولاق وتكية حسن الرومي بشارع المحجر بالقرب من القلعة يدينون بالولاء لطريقة معينة. كذلك ليس لدينا أية معلومات توحي بأن قاطنى هاتين التكيتين كانوا أعضاءًا في طريقة معينة أو كانوا ينتمون لأصول إقليمية معينة. وهناك معلومات تاريخية متاحة عن تكية حسن الرومي فقط. إلا أن هذه المعلومات مقصورة على القرن الثامن عشر ومحدودة في مجالها ومضمونها . أما تكية البخارلية -واسمها بالكامل هو تكية ناظم الدين البخارلية فقد كانت تقع بالقرب من الحطابة وكانت محجوزة للبخاريين تحت قيادة شيخ بخارى. كما كانت تكية الهنود مسكونة أيضًا بالبخاريين الذيت كانوا ينتمون حتمًا إلى القادرية طالما أن حق الإقامة في هذه التكية كان محجوزًا للأعضاء في هذه الطريقة على ما يبدو. أما تكية الأزبك والمعروفة أيضًا باسم تكية محمد تقي الدين البسطامي والموجودة في درب اللبان فقد كان جزء من سكانها من أصل بخارى بل ولقد ظلت في الفترة 1201 «1786/ 1787» حتى عام 1288 «1871/ 1872» تحت قيادة مشايخ بخاريين من أصل بخاري. إلا أن جزءًا من المقيمين في هذه التكية والذين كانوا مواطنين خوكانديين اتخذوا بعض الإجراءات لكي يحصلوا على تعيين مواطن خوكاندي كخليفة للشيخ البخاري على هذه التكية عقب انتقاله إلى رحمة الله في عام 1288 «1871/ 1872». فعارضت الجماعة البخارية في هذه التكية هذا الإجراء وقدموا مرشحًا عنهم للبكري. وتلي ذلك صراع طويل تضمن المنافسات الوطنية وانتهى الصراع باحتكار الخوكانديين للتكية رغم أنهم كانوا قد أعلنوا أمام الجميع أنهم يوافقون على تعيين شخص من أصل أوزبكي ليس له انتماءات وطنية كرئيس على هذه التكية. وكان عثمان أفندي سليمان الوارد اسمه في القائمة سالفة الذكر ينتمي للنقشبندية التي كانت لها جماعة نشيطة تعيش في تكية تقع بالقرب من شارع الجبانية ابتداء من عام 1268 «1851/ 1852». وكانت هذه التكية قد شيدت في تلك السنة عن طريق الخديوي عباس الأول وعلى نفقته الخاصة. كما أنشأ أوقافًا شاسعة لتدعيم هذه التكية. وقد فعل كل هذا من أجل محاباة شيخ نقشبندي يسمى محمد عاشق «1300: 1883» وورد اسمه كرئيس على هذه التكية. وكان هذا الشيخ من أصل تركي «عثمانلي» ودخل إلى الطريقة النقشبندية عن طريق أحمد ضياء الدين القمشخنالي «1311: 1893» الذي كان ينتمي للطريقة الضيائية وهي فرع من الخالدية ولقد انتشرت تعاليم النقشبندية عن طريق خالد الشهرزوري «1242: 1827» وهو أعظم داعية لهذه الطريقة في العالم العربي. وهناك تكية أخرى كان يرأسها شيخ ينتمي لهذه الطريقة وهي تكية درب القرمز. وهو الشيخ أحمد خاكي «1891» شيخ هذه التكية ، والذى لم يكن يمثل الخالدية أو أي فرع من فروعها وإنما كان يمثل المجددية وهي بمثابة تعاليم نقشبندية قديمة ترجع إلى الشيخ أحمد السرهندي الإمام الربانى «1034: 1624». إلا أن غالبية المقيمين في هذه التكية كانوا ينتمون على ما يبدو إلى الخلواتية. والتكايا التي كان يرأسها مشايخ اعتادوا على الانتماء للطريقة الخلواتية فقط بل وكانت الإقامة بها مقصورة على الأعضاء المنتمين لهذه الطريقة هي: تكية قيصون التي تعرف باسم تكية الخلواتية في الحلمية، وتكية الركوبية بشارع الركوبية وتكية الغنام في غيظ العدة. وهناك تكايا كان رؤساؤها وجميع المقيمين بها ينتمون للطريقة الرفاعية. وهذه التكايا هي: تكية محيي الدين بالقرب من القلعة بشارع المحجر وتكية بولاق المعروفة باسم تكية الرفاعية. أما تكية محيي الدين فقد أسسها الخديوي عباس الأول في عام 1266 «1850» والبيانات الإضافية الوثيقة الصلة بتاريخ هذه المؤسسات لا تتجاوز ما أورده علي مبارك. وكان هذا هو نفس الوضع بالنسبة لتكية شيخون بشارع الصليبة وتكية السروجية الواقعة في الحي الذي يحمل نفس الاسم حيث كان رؤساء هاتين التكيتين القاطنين بهما ينتمون للقادرية فقط. كذلك نجد أن تكية القصر العيني كان يسكنها أيضًا سكان منتمون للقادرية كما كانت تحت إشراف ورئاسة شيخ منتمي للقادرية. ولقد كانت تلك التكية قبل عام 1826 هي المركز الرئيسي للبكتاشية في مصر وفي هذه السنة تم قمع وإخماد هذه الطريقة في مصر وفي جميع أرجاء الامبراطورية العثمانية ولذلك تم تعيين شيخ منتمي للقادرية رئيسًا على تكية القصر العيني التي أصبح يسكنها أعضاء من الطريقة القادرية ويشرف عليها مشايخ من الطريقة القادرية منذ التاريخ. ولكن عقب عام 1839 عندما تولى السلطة سلطان عثماني جديد يسمى عبد المجيد بدأت الطريقة البكتشية تظهر نفسها بصراحة مرة أخرى ومع نهاية الخمسينات من القرن التاسع عشر استقرت جماعة بكتشية مرة أخرى في مصر. وكان من الواضح أن الخديوي إسماعيل قد رحب بالبكتشية حيث قد أصدر قرارًا ينص على منح هذه الطريقة تكية عبد الله المغاويري الواقعة على سفح المقطم وهي مبني متواضع ولكنه تحسن بعد إضافة ملاحق جديدة له. إلا أن ضريح عبد الله المغاويري نفسه ظل تحت إشراف شيخ من سلالة عبد الله المغاويري وليست له علاقة بالطريقة. وكان رئيس التكية ذاتها يعتبر في مصاف رؤساء التكايا الذين يشغلون في نفس الوقت منصب رؤساء الطرق في مصر شأنه في ذلك شأن رؤساء تكية المولوية وتكية الجلشانية. ومن المؤكد أن عدد التكايا التي كان رؤساؤها تحت سلطة البكري قد ازداد حيث ظهرت ستة تكايا أخرى في الفترة من عام 1872 إلى 1879. ويبدو لنا هذا من خلال المكاتبات التي جرت بين البكري والمعية الخديوية عن الرواتب والمكافآت التي ينبغي أن تدفع للمقيمين في التكايا في عام 1879. ففي هذه الوثائق نجد الإشارة إلى 488 مقيمًا دائمًا في 24 تكية يستحقون الإحسان الخديوي «المراحم الخديوية» ، ولا يتم ذكر هذه التكايا بالاسم. ولكن من الممكن أن نستنتج أسماء هذه التكايا من الإحصاء الذي أعده علي مبارك عن التكايا الواقعة تحت سلطة البكري في عام 1304 « 1886/ 1887». ولقد أورد علي مبارك ثمانية تكايا أخرى بالإضافة إلى الأسماء الواردة بالقائمة سالفة الذكر. وهذه التكايا الثمانية هي: تكية الحبانية ، وتكية الميرغينية ، وتكية السيدة نفيسة «الأشراف» ، وتكية العزم ، وتكية النقشبندية بالقرب من حوش شرقاوي ، والتكية القريبة من ضريح أم الغلام ، وتكية البخاري بالقرب من باب الوزير ، وتكية السيدة رقية. وبين رؤساء هذه التكايا نجد أن شيخ تكية الحبانية كان على ما يبدو أقلهم خضوعًا لسلطة البكري وسلطانه القضائي قبل أو أثناء عام 1879. فتكية الحبانية كانت جزءًا من وقف وكان ناظر هذا الوقف هو شيخ هذه التكية في نفس الوقت حيث كان يقوم بالتدريس في التكية من حيث هو رئيس عليها. ولقد جرت العادة على أن يتم التعيين لمنصب رئيس هذه التكية عن طريق ديوان الأوقاف بناء على خطاب توصية من الأزهر. والشيخ الذي يتم تعيينه بهذا الأسلوب بدون الرجوع إلى البكري على الإطلاق يستمر في وظيفته لبضعة سنوات ابتداء من نهاية عام 1875 فصاعدًا. وليس من المحتمل أن تكون تكية الميرغنية من بين ال 24 تكية التي كانت تخضع لسلطة البكري في عام 1879. وطبقًا للتاريخ المتناقل شفويًا عن هذه الطريقة فإن هذه التكية قد تم تأسيسها عندما أقام محمد عثمان تاج السر وهو حفيد مؤسس هذه الطريقة في القاهرة ولقد أقام بالقاهرة على مرحلتين: المرحلة الأولى في عام 1296 «1879» والمرحلة الثانية في عام 1303 «1885» عندما جاء إلى القاهرة كلاجئ أثناء الثورة المهدية. ونظرًا لأن الزيارة الأخيرة للقاهرة تتوافق إلى حد ما مع السنة التي يكتب فيها علي مبارك تقريرًا عن وجود التكية فإنه من المحتمل أن تكون قد أنشئت أثناء الفترة الأولى التي أقام فيها محمد عثمان بالقاهرة في عام 1296 «1879» وبالتالي فهي لا يمكن أن تكون من بين الـ 24 تكية سالفة الذكر. ولذلك فإن تلك التكايا التي قد اعترف رؤساؤها بسلطة البكري في الفترة ما بين عام 1872 وعام 1879 لابد وأن تكون هي التكايا الستة المتبقية. ومن بين هذه التكايا الستة كانت تكية السيدة نفيسة «تكية الأشراف» أصلًا بمثابة مدرسة. ولم تعمل كتكية حتى حلول عام 1880 عندما أعيد تشييدها لمواجهة هذا الغرض. وكانت تكية العزم الواقعة بالقرب من مسجد العشماوي بجوار الأزبكية وتكية النقشبندية بالقرب من حوش الشرقاوي هما أيضًا من المنشآت الحديثة مثل تكية السيدة نفيسة. فقد شيدت تكية العزم بمعرفة الخديوي اسماعيل. وكان المقيمون في تكية السيدة رقية وتكية أم غلام وتكية الأشراف وتكية العزم من الأتراك القادريين فقط. ولا توجد معلومات محددة معروفة عن المقيمين بتكية النقشبندية وتكية البخاري من حيث انتماء هؤلاء الناس لطريقة معينة أو لإقليم معين بخلاف ما توحي به أسماؤهم. وبالاسكندرية نجد أن رئيسى تكيتي القادرية قد قبلا سلطة البكرى عليهما. وفي إحدى هاتين التكيتين كان السكان بها من القادريين الأتراك فقط، إلا أن التكية فى حد ذاتها كانت أساسا تخص الجلشانية وكانت لا تزال تعرف بذلك الاسم. ومن المحتمل أن يكون شيخ التكية القادرية الأخيرة والذي يسمى عبد الرحمن النيازي قد سعى للحصول على تثبيت رسمي من البكرى حتى يتمكن من تدعيم مركزه كرئيس على تكية لم يكن لأعضاء هذه الطريقة الحق فيها أو الحق في وضع اسمهم عليها. وفي نهاية عام 1895 وعقب استقالة نوبار باشا وتشكيل مصطفى فهمى حكومة جديدة بذل محمد توفيق البكري جهودًا عديدة لتعديل التنظيمات حتى يتمكن من الحصول على مزيد من الاستقلالية والسلطة. وكانت التعديلات التي اقترحها تهدف إلى إلغاء إشراف ديوان الأوقاف. وأراد أن يكون الإشراف على جميع التكايا والزوايا والأضرحة والأوقاف التابعة لها وجميع الأوقاف المخصصة للصوفية من اختصاصه وحده. بل والأكثر من ذلك أنه اقترح إلغاء دور المحافظ في انتخابات المجلس الصوفي وأبدى رغبته في أن تجرى الانتخابات مستقبلًا في قصر البكرى بدلًا من مبنى ديوان المحافظة. وقد تجرأ وتقدم بهذا الاقتراح الأخير لأن إجراء الانتخابات في مبنى المحافظة كان يوحي بأنه يقع تحت إشراف المحافظة وهو أمر- من وجهه نظره- يقلل من هيبة منصبه كشيخ مشايخ الطرق الصوفية ومن شخصيته ذاتها. بل واقترح أيضًا أن يكون لأعضاء الطرق الصوفية المختلفة الحق في اللجوء إلى المجلس الصوفي في حالة التظلم من القرارات التي أصدرها رؤساء الطرق الخاصة بهم. والأكثر من ذلك أنه أراد أن تطبق القرارات والتوصيات التي يصدرها المجلس الصوفي على كل شخص يصف نفسه بأنه صوفي. ووافق مصطفى فهمي رئيس الوزراء والذي كان مسئولًا عن نشر وإعلان التنظيمات بصفته وزيرًا في حكومة نوبار باشا- على عدد قليل من التعديلات المقترحة. إذا كانت رغبة البكرى في السيطرة على الأوقاف الخيرية تتناقض مع سياسة مصطفى فهمي التي كانت تهدف تقليص نفوذ النظار الخصوصيين لهذه الأوقاف. وتمشيًا مع هذه السياسة وعلى الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلها البكرى لتحريك المعارضة ضد هذه السياسة نجد أن نظارة الأوقاف قد أصبحت تحت سلطة وإشراف «الديوان» كما احتفظ الديوان لنفسه أيضًا بالحق في تعيين رؤساء التكايا والزوايا... ليس فقط الرؤساء الذين كانوا مسئولين عن جماعة مقيمة مقصورة على أعضاء تابعين للطريقة الخاصة بهم فقط مثلما هو الحال بالنسبة لرئيس تكية النقشبندية بالقرب من الحبانية ورئيس طريقة تكية الرفاعية عند بولاق ، ولكن أيضًا رؤساء التكايا الذين كانوا في نفس الوقت يشغلون منصب الرئيس الأعلى في طرقهم مثلما هو الحال بالنسبة لرؤساء المولوية والجلشانية والبكتاشية. وقد أدى هذا إلى انخفاض النطاق الذي يقع تحت إشراف وسلطة محمد توفيق البكري. نظرًا لأن التعيين الرسمي عن طريق ديوان الأوقاف لرؤساء هذه التكايا- والتي كانت هى المراكز الوحيدة لهذه الطرق في مصر والأماكن الوحيدة التي يتجمع فيها أعضاؤها المحدودي العدد لتأدية أنشطة صوفية خاصة بهم ، كان يعني أيضًا شرعية المنصب بالنسبة لهم كرؤساء على الطرق الخاصة بهم. وهكذا نرى أن هذه الشخصيات الدينية الكبيرة أصبحوا فيما يتعلق بشرعية منصبهم وكل ما يترتب على ذلك من مضامين لا يعتمدون على التعيين الرسمي لهم من جانب شيخ مشايخ الطرق الصوفية ، وإنما كانوا يحصلون على شرعية المنصب كرؤساء على الطرق عن طريق وكالة حكومية. وقد أدى هذا الأسلوب الجديد إلى فصل هذه الجماعات عن إدارة الطرق الصوفية ووضعها في مكان هامشي في نطاق عالم الطرق الصوفية ووضعها في مكان هاشمي في نطاق عالم الطرق الصوفية فظلوا على ذلك النحو إلى أن تم إغلاق جميع أنواع التكايا في مصر عقب ثورة 1952. المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص 74-82، 118، 136-138.




مشيخة الطرق الصوفية - الإشراف على الأضرحة

يكثر فى مصر أضرحة الأولياء ، التى كانت مجالا رحبا للممارسة الأنشطة الصوفية المتنوعة، كما كان لكثير منها أوقاف خاصة بها تنفق على مرافقها، أو يصرف لها إعانات مالية حكومية، ومن ثم كانت هذه الأضرحة بحاجة إلى إشراف، ومن هنا نشأ منصب المشرف على الأضرحة ، أو شيخ الضريح، وبالإضافة إلى ذلك، فهناك أضرحة كبرى لها وضع متميز، نتيجة لأهميتها ، كضريحى السيد البدوى والشيخ إبراهيم الدسوقى رضى الله عنهما.

ولقد كان هناك حشد كبير من الموظفين المعينين لخدمة ضريحى ومسجدي أحمد البدوي وإبراهيم الدسوقي، وجميع هؤلاء الموظفين كان لهم الحق في الحصول على نصيب من الإعانات والهبات التي تقدم لهذين الضريحين علاوة على الحصول على بعض الريع من الأوقاف المخصصة لصالح هذين الضريحين. وكان الإشراف على بعض هذا الأوقاف يقع إما على عاتق مصلحة الأوقاف وإما على عاتق النظار الخصوصيين الذين ليست لهم علاقة أخرى بضريح أو جامع. وعلاوة على ذلك فإن جزءًا من ريع الأوقاف المخصص لهذا المؤسسات بالإضافة إلى جزء من الإعانات والهبات كان يذهب إلى منتفعين ممن يقفون تمامًا خارج التصوف.
وتعقيدات الأحلاف والجماعات التي قد نجمت كنتيجة لهذا التنظيمات وما تتضمنه من مصالح متنوعة يوضح لنا الحقيقة التي مفادها أن السلطان القانوني الذي يمارسه البكري على أولئك المسئولين عن هذه الأضرحة كان ضئيلًا للغاية كما أنهم بدورهم وصلوا إلى هذه المناصب بدون اللجوء إليه في معظم الحالات.
إلا أنه كان  قد أصبح هو الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يعين مشرفًا على الأضرحة العديدة الأخرى التي تتواجد في كل قرية مصرية تقريبًا. وكان يتبع في هذا التعيين أسلوبًا معينًا وهو أن المشرف ينبغي أن يكون قريبًا للشيخ الذي سيشرف على ضريحه أو يكون قريبًا للأسرة التي كانت تشرف على الضريح منذ فترة طويلة. وهو بإجرائه هذا كان يضمن الشرعية لسلطة  المشرف على الضريح وبالتالي يضمن الفاعلية لهذه السلطة. فإذا تقدم أي شخص بطلب رسمي للتعيين في وظيفة مشرف على ضريح كان البكري يقوم بالتقصي والتحري بكل دقة فكان يطلب من وكيله ومن المحافظ الإقليمي ومن القاضي المحلي بالقيام بالتحريات اللازمة كما كان يطلب من الأهالي الساكنين  في المنطقة التي يوجد بها الضريح أن يقدموا الشهادة لصالح أو ضد ادعاءات الشخص المتقدم لشغل هذا المنصب، وعلاوة على ذلك كانت تتم التحريات عن مدى ورعه وتقواه وعن شخصيته بوجه عام حيث كان ينبغي أن تكون شخصيته متلائمة مع هذا المنصب الديني الهام.
وأي تعيين لأي شخص خارج الفئات سالفة الذكر كان يعتبر انتهاكًا للأوضاع المتعارف عليها في هذا الشأن. فإذا حدث شيء من هذا القبيل فإن المجتمع العريض يقوم برد فعل تصحيحي حيث يتقدمون بالالتماسات التي يطلبون فيها إبطال هذا التعيين.
وكلما نشأ النزاع بشأن شغل منصب المشرف على ضريح يتدخل وكلاء البكري أو القاضي المحلي أو المحافظ الإقليمي ويطلبون إجراء التقصي والبحث والتحري ويعملون على إيجاد حل للصراع. وما أن يتم تعيين الشخص الذي له الحق الشرعي  في الإشراف على الضريح حتى يبادروا إلى اتخاذ الإجراءت لتمكينه من ممارسة الإشراف الفعلي على الضريح وعلى الهبات التي تقدم للضريح وعلى نظارة أوقاف الضريح في حالة وجود نظارة للضريح وفي حالة إذا كانت النظارة ينبغي أن يعهد بها للمشرف على الضريح.
والمشرفون على الأضرحة العديدة بالقاهرة يتم تعيينهم بمعرفة البكري وبنفس الإجراءات التي يتم بها تعيين المشرفين على الأضرحة بالأقاليم وطبقًا لنفس القواعد والمبادئ. وبعد أن تتم إجراءت التعيين كان البكري يقوم بإخطار مصلحة الروزنامة وديوان الأوقاف في حالة إذا ما كان المشرف على الضريح له الحق في الحصول على تبرعات مالية من هذين الموردين. وكان يتم اللجوء للضبطية بهدف العمل على ضمان حقوق أولئك الناس وتنفيذ القرارت التي تحسم الخلافات فيما يتعلق بالخلافة أو بين الموظفين المرتبطين بالضريح أو مسجد الضريح.
وكانت المنازعات بين هؤلاء الموظفين تنشأ عادة بسبب الخلاف في الرأي إزاء الطريقة التي يتم بها توزيع النذور بمعرفة شيخ الخدمةفقد جرت العادة أن يحتفظ الشيخ لنفسه بثلث المبلغ ثم يخصص الثلث الثاني من المبلغ لمصلحة الضريح والزائرين والثلث الأخير يقوم بتوزيعه على أولئك الذين لهم علاقة بالضريح. وكان على شيخ الخدمة إذا حصل على أي مبلغ من مصلحة الروزنامة أو من ديوان الأوقاف أن يوزع ذلك الدخل بنفس النسب سالفة الذكر.
ولكن التنوع الهائل في الأشياء العينية التي تقدم كنذور والأعداد الكبيرة لأولئك الذين لهم الحق في الاشتراك في النذور قد جعل هذا النظام في التوزيع غير ملائم، ومثيرا للصراعات، بالإضافة إلى أن هذا النظام فى التوزيع كان يشجع شيخ الخدمة على طرد الموظفين الآخرين مع محاولة تعيين نفسه في وظائفهم  لكي يتمكن من الحصول على المزيد من النذور. فإذا حدث شيء من هذا القبيل أو إذا لم يتمكن موظف مرتبط بالضريح من الحصول على المقرر له من النذور فإنه كان يتقدم بالشكوى للبكري الذي كان يبادر بإصدار أوامره للتحقق من هذا الأمر وإعطاء كل ذي حق حقه.
وفي مساجد الأضرحة التي تضم رفات أقرباء النبي وفي مساجد الأضرحة الأخرى الكبرى بالقاهرة كان الإشراف على الأضرحة بتلك المساجد يقع على عاتق النظار على هذه المساجد. ولم يكن للبكري أية سلطة تذكر على هؤلاء النظار الذين كانوا يتثبتون في هذا المنصب عن طريق القاضي وكانوا مسئولين أمام القاضي من حيث التأدية السليمة للمهام الملقاة على عاتقهم. إلا أن هذا الوضع قد انتهى في عام 1276 هـ «1859/ 1860» عندما صدر قرار من الخديوي بشأن تغيير الإشراف على الأضرحة في هذه المساجد ونقل مسئولية تخصيص النذور التي كانت من اختصاص الناظر إلى مكتب حكومي مستقل. ولذلك فإن شاغلي هذا المنصب أصبحوا واقعين تحت السلطان القضائي للبكري شأنهم في ذلك شأن المشرفين الآخرين على الأضرحة الأخرى. ولم يعد باستطاعتهم الادعاء بأنهم يشغلون هذا المنصب بصفة قانونية إلا إذا كان تعيينهم صادرًا من البكري.
وكانت غالبية هؤلاء الموظفين المعينين حديثًا من بين مجموعات متميزة من المشرفين على الأضرحة بالقاهرة الذي حصلوا في خلال ستينات القرن التاسع عشر على مركز في نطاق إدارة البكري يتشابه في بعض النواحي مع مركز رؤساء الطرق ورؤساء التكايا. وكانت هذه المجموعة تضم المشرفين على كافة الأضرحة بالقاهرة التي كانت بمثابة مراكز هامة للتبجيل والوقار ولكنها لم تكن  تحت الإشراف المباشر لشيخ الطريقة. فهؤلاء المشرفون كانوا يتمتعون بنفس المنزلة الوطيدة التي يتمتع بها مشايخ الطرق حيث كانوا يشاركون -مثل مشايخ الطرق- في مجالس القضايا التي كانت تجتمع للبحث والتقصي والتوسط لحل الصراع والخلافات. بل وكانت البلدية توجه الدعوة لهم في المناسبات الخاصة كما كان البكري يوجه الدعوة لهم ولرؤساء الطرق والتكايا لحضور الاحتفالات الدينية سالفة الذكر. وبذلك كانوا يشكلون فئة متميزة من الشخصيات الدينية تعرف باسم مشايخ الأضرحة وتشمل:
محمد المنياوي
مقام الإمام الحسين
أحمد الصفتي
مقام السيدة زينب
عبد الخالق علي حسن
مقام السيدة نفيسة
علي صالح
مقام السيدة سكينة
 إبراهيم الشبراوي
محمد العشماوي
مقام السيدة عائشة
محمد الحباني
مقام السيدة فاطمة النبوية
علي
مقام السيد علي زين العابدين
علي محسن
مقام الإمام الشافعي ومقام
محمد السنباطي
مقام السلطان العادل تومان باي
علي فرغل
مقام حسين أبو العلا
رضوان البكري
محمد المهدي
مقام السلطان محمد الحنفي
محمد نوايتو
مقام الشيخ إسماعيل الإمبابي
عبد الخالق
مقام الشيخ صالح أبو حديد
عبد الواحد العناني
مقام السادة العنانية
محمد محمد الخضيرى
مقام الأستاذ سليمان الخضيرى
عبد الحليم
مقام الشعراني
مصطفى الدمرداش
مقام محمد دمرادش المحمدي
 
 
وكان الإشراف على الأضرحة الأربعة الأخيرة سالفة الذكر في أيدي رؤساء العنانية والخضيرية والشعرانية والدمرداشية على التوالي. إلا أن أهمية رئاستهم للطرق الخاصة بهم قد تضاءلت نتيجة للتدهور والهبوط في عضوية هذه الطرق. وبالنسبة للشعرانية والدمرداشية التي كانت العضوية الفعالة بهما مقصورة على القاهرة ، بل وكانت العضوية الفعالة للشعرانية مقصورة على ربع القاهرة فقط- فإن هذا التدهور قد بدأ في وقت  واحد نتيجة للصراعات التي حدثت حول الإشراف على الضريحين.
أما التدهور الذي أصاب العنانية والخضيرية اللتين فقدتا الأعضاء المنتمين إليهما من خارج القاهرة فقد حدثت بطريقة مختلفة. فرئيسا هاتين الطريقتين كانا من بين أرباب السجاجيد الذين لم يمارس البكري أية سلطة عليهم وفقًا لما جاء بالفرمان. فظلا بعيدين عن سلطته وإدارته حتى بعد أن تم إبرام الاتفاق مع الأزهر فى عام 1847 ، ولكن مع ظهور وتعاظم مبدأ حق القدم ومع تزايد كفاءة سلطة البكري أصبح أعضاء هاتين الطريقتين محرومين من أي فرصة للدخول في طريقة أخرى أو الظهور علنًا بالمناطق الريفية. وبوقوفهم خارج نطاق الجهاز الصوفي لم يتمكنوا من الحصول لأنفسهم على الاعتراف بحق القدم أو حمايته مما أدى بالتالي إلى حرمانهم من القيام بأي دور كأعضاء في الطريقة. فتركوا الطريقة التي ينتمون إليها وانضموا إلى طرق أخرى يعترف رؤساؤها بسلطة البكري وبالتالي أمكنهم المطالبة بحق القدم. ولذلك عندما صدر قرار الخديوي عام 1276 هـ «1859/ 1860» الذي ينص على تعيينهم مشايخ أضرحة ووضعهم في هذا القرار تحت سلطة البكري فإنه لم يتبق سوى عدد ضئيل من الأعضاء النشيطين خارج المراكز الحضرية حيث لا ينطبق حق القدم.
ورغم أن هذه المجموعات لم تتوقف عن العمل كطريقة صوفية إلا أن قوتها العددية قد تضاءلت كثيرًا حتى أنها لم تعد تعتبر طريقة في نطاق إدارة البكري. إلا أن رؤساء هذه الطرق كانوا يعملون في الإشراف على أضرحة تعتبر من أهم الأضرحة بالقاهرة. ولذلك فإنه على الرغم من تدهور الطرق التي يرأسونها إلا أنهم قد استمروا في القيام بدور له أهمية إدارية واحتفالية في نطاق إدارة البكري من حيث هم مشايخ أضرحة.
ومن بين هؤلاء نجد أن المشرف على ضريح الشيخ صالح أبو حديد الذي لم تكن له أهمية قد أصبح بارزًا في عام 1280 «1863/ 1864». ففي تلك السنة تم تشييد مسجد يضم الضريح على نفقة الخديوي إسماعيل الذي شاهد هذا الشيخ متجليًا أمامه فأصبح يثق ثقة كبيرة في قواه الروحية. وييدو أن محاباة الخديوي لهذا الشيخ المدفون بالضريح هو السبب الرئيسي الذي جعل المشرف على هذا الضريح واحدًا من مشايخ الأضرحة رغم أن الضريح الذي يشرف عليه لم يكن به مميزات تجعله مختلفًا عن باقي الأضرحة الأخرى العديدة الموجودة بالقاهرة.
وكان ضريح إسماعيل الإمبابي الذي كان مؤسسًا للامبابية وهي فرع من الأهمية بمكان بمثابة حالة خاصة. فأضرحة مؤسسي الطرق إذا لم تكن تدار تحت إشراف شخص من سلالة المؤسس فإنها كانت توضع تحت إشراف رئيس الطريقة أو على الأقل تحت إشراف عضو في الطريقة. إلا أن ضريح إسماعيل  الإمبابي منذ نهاية القرن الثامن عشر كان تحت إشراف أشخاص ليست لهم علاقة على الإطلاق بالطريقة التي أسسها فأصبح بذلك فريدًا من نوعه بالقاهرة.
وباستثناء المشرفين على أضرحة: الإمام الشافعي والإمام الليث بن سعد وهما إمامان من كبار أئمة الشريعة الإسلامية والسنة النبوية الشريفة، وضريح السلطان العادل طومان باي واثنان من متصوفي القرن الخامس عشر الميلادى هما حسن أبو العلاء والسلطان الحنفي، نجد أن باقي مشايخ الأضرحة كانوا يشرفون على الأضرحة الخاصة بأهل البيت.
كان يتم تعيين شيخ مسئول عن قراءة دلائل الخيرات في عدد من هذه الأضرحة. وكانت مهمة هذا الشيخ هي تنظيم الجلسات بالقرب من هذه الأضرحة لقراءة دلائل الخيرات للجازولي والإشراف على تلك الجلسات. وأولئك الذين كانوا يشغلون هذه الوظيفة كانوا يحصلون عادة على مكافآت مالية معينة من الريع الناجم عن الأوقاف كما كانوا يحصلون على نصيب من النذور التي توهب للضريح.
وما أن تم إبرام الاتفاق مع الأزهر في عام 1847 حتى أصبح هؤلاء الموظفون خاضعين لسلطة البكري وأصبح البكري هو المسئول عن تعيينهم في هذه الوظيفة بدون الرجوع إلى شيخ الضريح الذي كانوا يعتمدون عليه تمامًا.
وكان هؤلاء الشيوخ ينظر إليهم على أنهم شخصيات دينية هامة وبالتالي كانت الدعوة توجه إليهم لحضور كافة الاحتفالات الدينية التي ينظمها البكري ويشرف عليها إلا أنهم لم يلعبوا أي دور في نطاق إدارة البكري. ومن المؤكد أن دعوتهم لحضور هذه المناسبات قد زاد من تدعيم مركزهم وهيبتهم بل وقد تدعم وضعهم الاجتماعي بعد أن أصبحوا مرتبطين بإدارة البكري إلا أن خضوعهم لسلطة البكري لم يعد عليهم بأية فوائد أو منافع خاصة.
وكان وضع رؤساء التكايا ومشايخ الأضرحة مماثلًا. فعلى الرغم من أنه قد خصص لهم مكان يشبه في بعض النواحي مكان رؤساء الطرق في نطاق إدارة البكري إلا أنه لم يكن لهؤلاء الموظفين ولا للمؤسسات التي يشرفون عليها أن يتواجدوا بطريقة مختلفة بدونها. بل إن الطريقة التي أصبحت بها هذه الإدارة مندمجة في داخل المجتمع المصري قد فرضت عليهم ضرورة قبول هذه الإدارة.
 
 
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 59-60، 82-88.
مشيخة الطرق الصوفية - قائمة مشايخ الطرق الصوفية 1872 م
 

في المناسبات الرسمية كخروج المحمل ورجوعه وأثناء الموالد كانت الطرق التي يسمح لها بالمشاركة هي الطرق التي اعترف رؤساؤها بالبكري وصدر قرار من البكري بتعيينهم رؤساء على تلك الطرق وبالتالي أصبح لهم وضع شرعي قانوني وأصبح لكل طريقة وضعها الذاتي وشخصيتها المستقلة. ولقد أرسل البكري قائمة بهذه الطرق إلى محافظ القاهرة في نهاية عام 1872. وبيانها كالآتي:

محمد الشعيبي
الشعيبية الأحمدية
مصطفى النقاش
السلامية الأحمدية
حسن سلمان
الإمبابية الأحمدية
محمد قادر
الحمودية الأحمدية
عبد الرحمن الطوبي
العيسوية الشاذلية
محمد ياسين
الرفاعية
محمد عاشور
البرهامية
أحمد العفيفي
 العفيفية «الشاذلية»
أحمد المنوفي
المنايفة الأحمدية
محمد شمس الدين المرزوقي
المرازيقة الأحمدية
محمد الجنيدي
الحلبية الأحمدية
عطا محمود
التسكيانية الأحمدية
أحمد الخضيري
السعدية
شعراوي معوض
الكناسية الأحمدية
عبد الغني الملواني
البيومية الأحمدية
محمد أحمد قاسم
القادرية
محسن عبد المحسن
القادرية
عبد الرحمن السطوحي
السطوحية «الأحمدية»
محمد الدريني
الزهيدية الأحمدية
محمد جاهين
الشناوية الأحمدية
حسن السمان
السمانية «الخلواتية»
إبراهيم مبارك
الميرغنية
أحمد ضيف
الصاوية «الخلواتية»
محمد الشاذلي الصاوي
الصاوية «الخلواتية»
مصطفى الصندقجي
الشاذلية
عبد المجيد البرموني
القاسمية «الشاذلية»
محمد الحندوش
الحندوشية «الشاذلية»
محمد التهامي
التهامية «الشاذلية»
عبد الكريم منصور
العروسية «الشاذلية»
 
ومشايخ الطرق الخمسة الأوائل المذكورين في هذا القائمة قد ظلوا في مناصبهم لفترة تزيد على ربع قرن من الزمان ابتداء من أيام محمد البكري بينما مشايخ الطرق الثمانية الواردين فيما بعد بالقائمة قد ورثوا مناصبهم عن آبائهم.
وسيأتى فى موقعنا هذا لكل طريقة من هذه الطرق موضوعات خاصة بها تتناول تاريخها وفكرها الصوفى ، وذلك فى باب الطرق الأصلية، بإذن الله تعالى.
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 66-6


حب الفرنسيون من مصر، في عام 1801 م قام الوالي العثماني الجديد محمد باشا خسرو، بإقالة خليل البكري من نقابة الأشراف وسجادة البكرية.

وخليل البكري، كان من أسرة كبيرة ومشهورة في مصر منذ القرن الخامس عشر، وكان يشغل منصب شيخ السجادة البكرية منذ نهاية 1793، وعقب الاحتلال الفرنسي للقاهرة في عام 1798، نجد أن عمر مكرم -الذي كان يشغل منصب نقيب الأشراف في ذلك الوقت- بادر بالهرب ومغادرة البلاد؛ فقام الفرنسيون بتعيين خليل في هذا المنصب، الذي كان يشغله من قبل أعضاء من الأسرة البكرية؛ بل وعينه الفرنسيون عضوًا في «ديوان» القاهرة، الذي أنشأه الفرنسيون، فتعاون مع الغزاة طوال فترة الاحتلال الفرنسي.
ويقول الجبرتي تعقيبًا على هذا الحدث: إن الإجراء الذي اتخذه محمد خسرو، كان نتيجة لضغوط الرأي العام؛ حيث كان الجميع ينظرون إلى خليل البكري على أنه إنسان متعاون مع الكفار الملحدين، وبذلك فهو غير جدير بتقلد المناصب التي يشغلها، ورضخ الباشا لهذا الضغوط، ويبدو أنه كان سريع التأثر بهذه الضغوط أثناء قيامه بإعادة تشييد الحكم العثماني في مصر، وكان نقيب الأشراف السابق عمر مكرم قد عاد إلى مصر، فأعيد تعيينه في هذا المنصب.
وقام الوالي الجديد بتعيين محمد أبو السعود البكري، في منصب شيخ السجادة البكرية؛ رغم أنه كان عضوًا مسكينًا فقيرًا، غير معروف في أحد فروع الأسرة البكرية التي كان أعضاؤها منافسين لخليل البكري.
ومن المحتمل أن يكون محمد خسرو، قد رحب بفكرة تعيين هذا العضو التابع للفرع المنافس في أسرة البكري؛ لأن هذا الإجراء قد سد الطريق أمام خليل أو ابنه الوحيد، في المطالبة بالحصول على هذا المنصب الكبير.
وعلاوة على ذلك، فطالما أن الشاغل الجديد لهذا المنصب تنقصه الموارد المالية؛ فإنه سيظل على ولاء للباشا، وواقعًا تحت سيطرته وإشرافه؛ حيث وفر له الباشا الإقامة في أحد المنازل، وأعطاه قدرًا وفيرًا من المال، كما منحه بعض الحقوق المالية.
وهنا يقول الجبرتي في «حولياته»: «ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا، انتشر نفوذه وأصبح اسمه معروفًا تمامًا... وبدأ خلفاء الطرق المخادعة، وأولئك الذين يمتلكون صكوكًا غير قانونية؛ مثل: الأحمدية، والرفاعية، والبرهامية، والقادرية، يلجأون إليه؛ لأخذ رأيه، وإصدار الأحكام، وكان يتخذ القرارت وفقًا للقواعد العامة الخاصة بهم».
وهذه الإشارة الصريحة التي قالها الجبرتي، عن ظهور السلطان القضائي لمحمد أبو السعود على الطرق -تبدو سليمة وحقيقية؛ نظرًا لأنه لم يحدث من قبل أن حصل واحد من الشاغلين لمنصب «السجادات البكرية» على ممارسة السلطة، على الطرق والهيئات المرتبطة بالطرق.
ونظرًا لأن مشايخ الطرق الصغيرة أو الطرق التي ظهرت مؤخرًا، لم تكن تلجأ إلى البكري أو تبدي إعجابها به؛ فإن هذا يدل على أن الطرق الكبيرة -سالفة الذكر- قد فقدت شيئًا من قدرتها على حل المشكلات بينها، منذ أن تحولت إلى هيئات كبيرة ومعقدة، وكان ظهور محمد أبو السعود البكري - كوسيط أو حكم، وظهور سلطته على هذه الطرق- غير مدعم بطريقة رسمية من جانب الحكام، ولم يكن له جذور في التقاليد الصوفية؛ حيث لم يكن هناك شخص سابق على البكري له سلطة على كافة الطرق الصوفية؛ ولذلك فلا بد وأن تكون سلطته ناجمة عن صفات شخصية، وبالتالي فهي سلطة نابعة من المحبة والأخوة الصادقة.
ومن المؤكد أن حالة الفوضى السائدة في مصر في ذلك الوقت، وعدم سيطرة الحكومة على مجريات الأمور، بالإضافة إلى الانهيار في الكيان القضائي، علاوة على الرغبة في طرح المنازعات على شخص غير تركي ليقوم بالتحكيم -قد أدعى كل هذا إلى ظهور سلطته وتدعيمها؛ إلا أن طبيعة ونطاق سلطانه القضائي لم تكن واضحة، كما أن الوسائل التي يستخدمها في فض المنازعات، وكيفية تنفيذ القرارات التي يصدرها لم تكن واضحة أيضًا؛ بل ولا يوجد ما يدل على أن شاغلي المناصب الرئاسية على الطرق، ملزمون بالحصول على موافقته قبل أن يقوموا بتسجيل وظائفهم هذه بأسمائهم في المحكمة.
ولكن يبدو أن مرونة محمد أبو السعود البكري، قد ساهمت في تعميق شرعية السلطة التي يطالب بها، ولم تتجاوز سلطته مجال الطرق الصوفية، وظلت سلطته ضئيلة من الناحية السياسية، والدليل على ذلك عدم ورود اسمه في كتابات الجبرتي، ووصفه للأحداث السابقة على استيلاء محمد علي نهائيًّا على السلطة بحلول عام 1812.

إضفاء الرسمية على سلطة البكري، وسياسة محمد علي:

مات محمد أبو السعود في نوفمبر 1812، وقبل وفاته بوقت قصير ذهب كل من: محمد الشنواني (وهو شيخ الأزهر في ذلك الوقت)، وعدد من «العلماء»، ورؤساء الطرق؛ بناء على طلب محمد أبو السعود مع ابنه محمد إلى الباشا؛ ليطلبوا منه تعيين ابنه في مكانه.
ولدى تعيين محمد البكري في منصب شيخ السجادة البكرية، صدر فرمان يتضمن فقرة واضحة وصريحة على سلطته على الطرق في جميع أرجاء مصر؛ بل وعلى جميع التكايا والزوايا والأضرحة.
وكان إصدار هذا الفرمان يمثل جزء من إصلاحات محمد علي، الهادفة إلى جعل الحكومة حكومة مركزية، ولم يكن صدور هذا الفرمان نابعًا فقط من كرم الباشا وطيبة قلبه، واستجابة بريئة لمطلب العلماء؛ بمعنى أن هذا الفرمان لم يكن يمثل حدث فردي غير مرتبط بالأحداث الجارية؛ بل ويبدو أن هذا الفرمان كان وسيلة نحو تحقيق أهداف محمد علي السياسية، فقد قوض هذا الفرمان مركز محمد أبو الأنوار السادات، شيخ السجادة الوفائية ونقيب الأشراف بعد ذلك.
ولقد ادعى الكثيرون من رؤساء الطرق، ورؤساء الزوايا والتكايا، والمشرفين على الأضرحة: بأنهم من سلالة الأشراف، وبإعطاء البكري سلطة قضائية عليهم، تقلص نفوذ السادات إلى حد كبير.
بل والأكثر من ذلك: أن السلطة الممنوحة للبكري، تضمنت إمكانية إشرافه بشكل غير مباشر على إدارة شئون أوقاف الأشراف؛ حيث كان تعيين الموظفين في نظارة الأوقاف، متوقفًا على الموافقة النهائية للبكري.
ولكن يبدو أن إضفاء الصفة القانونية على سلطة البكري، والتوسع في هذه السلطة -كان يقصد به زيادة تقويض مركز «العلماء»، قبل أن يشرع محمد علي في القيام بالإصلاحات الحاسمة المتعلقة بالأراضي والضرائب، في الفترة ما بين عام 1812 وعام 1814؛ فهذا قد جعلهم معتمدين من الناحية المالية على الحاكم إلى حد كبير، فالعديد من العلماء المشهورين كانوا يمارسون الطقوس الصوفية، وكان كثير منهم رؤساء للطرق.
وبصفة خاصة نجد أن الخلوتية وفروعها، كانوا من «العلماء» وأزهريين، فمنذ مصطفى كمال الدين البكري «1161/ 1749»، الخليفة الرئيسي على مصر -كان محمد بن سالم الحنفي شيخ الأزهر من عام 1171: 1757 إلى عام 1181: 1767، وكان من بين خلفائه دارسون مشهورون، تقلدوا وظائف دينية مهمة؛ مثل: إسماعيل الغنيمي شيخ المالكية، ومحمد المنير السمنودي شيخ القراء والمحدثين بالأزهر، وأحمد الدردير «1127- 1201:  1715- 1786» شيخ المالكية، ومحمود الكردي «1130- 1195: 1717- 1780».
وكان عبد الله الشرقاوي -وهو خليفة الكردي- هو أيضًا شيخًا للأزهر، من عام 1208: 1793 إلى عام 1227: 1812.
وظهر الخلاف بين مجموعات الخلوتية الأزهريين وبين الطرق، بشأن مدى تقبل سلطة محمد أبو السعود، بسبب شجب الخلوتية للممارسات والمعتقدات الخاصة بالطرق، ومع صدور الفرمان وقعت المجموعتان تحت سلطة البكري القضائية؛ حيث أصبح له الحق في التدخل في شئونهم وتعيين رؤسائهم؛ وبذلك فقد تقوضت سلطة «العلماء»، الذين يحتلون مراكز قيادة على الطرق، وانخفضت قوتهم بالتالي.
هذا علاوة على أن منح البكري سلطات استثنائية، على الطرق والهيئات المرتبطة بالطرق؛ قد خلق منصبًا يوازي منصب شيخ الأزهر في كثير من المجالات؛ حيث تم تفويض البكري في الإشراف على التعليم، والمناهج التي تعطى في الكثير من الزوايا والتكايا والمساجد ذات الأضرحة؛ وبذلك فقد خلق الباشا إطار عمل للتلاعب، «بالصراع القديم بين العلماء وبين الصوفية»، واتخاذ ذلك وسيلة لتخفيض سلطة «العلماء».
ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا، قلت أهمية التصوف من حيث هو فرع من فروع المعرفة التي تدرس بالأزهر؛ ولذلك فقد يكون هذا الفرمان هو السبب الرئيسي في تحول الأزهر إلى قلعة قويمة تقليدية، ومركز للمعارضة ضد أولئك الذي ينشرون المفاهيم الصوفية الإسلامية؛ ولذلك قام الأزهر بتوسيع الفجوة ما بين العلم والتصوف، وساهم في تجميد وتحجير التصوف الإسلامي في مصر، طالما أن فرصة رئيس الطريقة في الحصول على التصديق الرسمي من البكري، قد قضت على احتياجه لأن يكون دارسًا.

الأضرحة والطرق القائمة على التكية:

كما سبق ذكره فإن الفرمان لم يكتف بإعطاء سلطة للبكري على الطرق؛ وإنما أعطاه السلطة على التكايا والزوايا والأضرحة أيضًا.
ولو لم ينص الفرمان صراحة على هذا؛ لكانت الممارسة القانونية للسلطة منصبة على عدد قليل من الطرق؛ نظرًا لأن القيادة العليا للعديد من الطرق، كانت متطابقة تمامًا مع مشيخة الضريح أو الزاوية أو التكية، التي حصل رؤساؤها على تثبيت قانوني عن طريق تسجيل المنصب باسمهم في المحكمة؛ بل ولكان قد ترك الفرصة مفتوحة أمام رؤساء الطرق، الذين يشرفون على مثل هذه الهيئات -ليقدموا أنفسهم على أنهم مشايخ التكايا... إلخ؛ لكي يهربوا من الوقوع تحت إشراف البكري.
ومن بين الطرق، التي كانت فيها القيادة العليا متطابقة مع الرئاسة على الضريح:
1- (القاسمية الشاذلية)، (@راجع: القاسمية الشاذلية - مدخل عام@).
2- و(العفيفية الشاذلية)، (@راجع: العفيفية الشاذلية - مدخل عام@) .
3- و (الجلشانية الخلوتية) (@راجع: الجلشانية الخلوتية - مدخل عام @).
4- و(الدمرداشية الخلوتية)، (@راجع: الدمرداشية الخلوتية - مدخل عام @).
5- والطريقة المولوية (@راجع: المولوية - مدخل عام @).
6- والطريقة البكتاشية (@راجع: البكتاشية - مدخل عام @).
7- والطريقة السعدية (@راجع: السعدية - مدخل عام @)

سلطة البكري على الطرق ومبدأ حق القدم:

وعقب عام 1263 (1847) عندما تم التوقيع على الاتفاق مع الأزهر، يبدو البكري بصفته شيخ السجادة البكرية، وكأنه قد أصبح الموظف الوحيد الذي يستطيع تعيين رؤساء الطرق والمؤسسات المرتبطة بالطرق، مع إعطاء شاغلي هذه المناصب حق امتلاك الأراضي.
ولدى وفاة رئيس الطريقة، عادة ما كان يتم تعيين ابنه خليفة له؛ وذلك تمشيًا مع مبدأ وراثة الولاية على مراكز هذه السلطة، وساد هذا المبدأ بوجه عام ووضعت القيود والشروط على الراغبين في شغل المنصب، ولكن في مثل هذه الحالات، وفي حالات عدم وجود أبناء ذكور للفقيد؛ فإنه يتعين على البكري قبل إجراء أية تعيينات للمنصب أن يطلب شهادة تؤكد بأن المنصب لن يصبح عديم الفاعلية، من خلال الشرعية المحدودة للمرشح لشغل المنصب.
والشهادة التي يمكن قبولها، كانت التماس يقدم للبكري، يصاغ في اجتماع يحضره موظفو وأعضاء الطريقة، ويوقعون عليه، ويطلبون فيه الموافقة على تعيين مرشح معين كرئيس للطريقة التي ينتمون إليها.
وإذا احتجت مجموعات أخرى تابعة للطريقة لدى البكري، على المرشح المقترح قبل إصدار القرار الرسمي بتعيينه؛ فقد ينجم عن هذا سماع آراء كافة المهتمين بالأمر؛ لكي يستقر الرأي على اختيار المرشح الذي يتولى هذا المنصب، مع وجود أكبر درجة من الشرعية لصالحه، وإذا وصلت الاحتجاجات للبكري عقب إصدار التعيين الرسمي للمرشح؛ فإنه يمكن أيضًا أن تعقد جلسة لسماع كافة الآراء، مما قد ينجم عن ذلك إلغاء قرار تعيين الرئيس الجديد، وإحلال شخص ما آخر مكانه في المنصب.
وكان رؤساء الطرق يعتمدون اعتمادًا كبيرًا على البكري في معاملاتهم مع الوكالات الحكومية، فرؤساء الطرق الذين كانوا يتلقون رواتب ومعاشات من مصلحة الروزنامة «Ruznama»، أو أولئك الذين كانوا يحصلون على مكافآت من العوائد الناجمة عن الأوقاف الخيرية -لم يكن باستطاعتهم الحصول على هذه المكافآت أو الرواتب، إلا عن طريق وساطة البكري وتدخله؛ إذ كان البكري هو الممثل لهم أمام الوكالات الحكومية، وهو الذي يتعامل مع الحكومة نيابة عنهم، وفي حالة وفاة المتبرع بهبة خيرية؛ فإن المدفوعات للخليفة لن تستأنف إلا إذا تم التصديق على الوفاة، وعلى الخلافة الشرعية عن طريق البكري، وعندما تنتهك حقوق رؤساء الطرق المستحقين شرعًا لمثل هذه المدفوعات؛ فإن البكري كان يتدخل نيابة عنهم، ويجري اتصالاته مع الوكالات الحكومية.
كما أن الانحسار في دور نقابات التجار والصناع في الاحتفالات العامة والذى عكس التدهور العام في هذه النقابات في حد ذاتها ابتداء من السبعينات فصاعدًا، قد أدى فى الوقت نفسه إلى ظهور الطرق في المجتمع بحيث أصبحت هي الأشكال الرئيسية للجمعيات في وقت لم تكن قد ظهرت فيه أية جمعيات أهلية لها طابع اجتماعي أو ديني أو سياسي. ومن هنا يمكن القول أن تدهور النقابات قد أدى ليس فقط إلى زيارة الدور الذي تقوم به الطرق في الاحتفال بالمناسبات المختلفة وإنما أدى أيضًا وإلى حد كبير إلى زيادة عدد الطرق الصوفية في مصر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.
وأثناء الفترة التي شغل فيها على البكري منصب شيخ السجادة البكرية تطورت الإدارة على نحو سمح بتحقيق سلطة أفضل على الطرق والمؤسسات المرتبطة بالطرق وهي السلطة الممنوحة لشاغل هذه الوظيفة وفقًا لفرمان عام 1812.
وكان مبدأ حق القدم هو  المحور الرئيسي لهذه الإدارة. (راجع : @مشيخة الطرق الصوفية وحق القدم@).
حيث إن هذا المبدأ هو الذي جعل رؤساء الطرق مضطرين للاعتماد على البكري إذا ما أرادوا لطرقهم الصوفية ولأنفسهم كرؤساء على هذه الطرق الاستمرار والبقاء وعلاوة على ذلك نجد أن معظم رؤساء التكايا بالقاهرة قد أصبحوا جزءًا لا يتجزأ من إدارة البكري ونفس الشيء بالنسبة لكبار الشخصيات الدينية ومشايخ الأضرحة والمشرفين على أهم الأضرحة بالقاهرة الذين أصبحوا من كبار الشخصيات الرسمية عقب صدور قرار الخديوي في هذا الشأن في عام 1276 «1859/ 1860».
إلا أن استقرار هذه الإدارة كان عرضة للتقوض والانهيار نظرً لأنها كانت تستقي شرعيتها من شخصية علي البكري إلى حد كبير. وعلاوة على ذلك فإن هذه الإدارة كانت تستمر في عملها بطريقة فعالة طالما أن أولئك الخاضعين لها أو المشاركين فيها كانوا لا يزالون يدركون أن الرابطة العضوية لهذه الإدارة مع الوكالات الحكومية تخدم مصالحهم.
وفي أكتوبر 1880 انتقل الشيخ علي البكرى إلى رحمه الله وتم تعيين نجله عبد الباقي في هذا المنصب بقرار من الخديوي توفيق. ولم يكن لدي شيخ السجادة البكرية الجديد أية صفة من  الصفات المتميزة التي كان يمتاز بها والده مثل الأهمية السياسية أو الشهرة في مجال المعرفة والعلم- رغم أنه قد قضي بضع سنوات كطالب في الأزهر- ونظرًا لأن سنه كان لا يتعدى الثلاثين عامًا فإنه لم ينل الاحترام الذي يكتنف عادة الناس الكبار في السن.
فبدأ الخديوي يتدخل ليقلل من نفوذ وسلطة شيخ السجادة البكرية وفي أوائل عام 1881 أصدر قرارًا ينص على تحريم ومنع «الدوسة»، ويبدو أن بعض القناصل الأوربيين الوثيقي الصلة بالخديوي قد مارسوا بعض الضعوط لحثه على اتخاذ إجراءات لتحريم الدوسة إلا أن البواعث الحافزة في مكان آخر كانت غائبة. ولم تظهر الانتقادات للطرق إلا في عدد قليل من الصحف الثانوية. ولم يعبر عن هذه الانتقادات أية مؤسسات أو هيئات رسمية أو غير رسمية كما أن مؤسسة الأزهر الدينية كانت قد أظهرت منذ البداية حماسًا قليلًا إزاء المقترحات الخاصة بمنع الدوسة.
ومن ثم فإن مبادرة الخديوي نحو إلغاء الدوسة قد بدت وكأنها بمثابة تعبير عن رأيه الشخصي مما دفعه إلى إرغام البكري على اتخاذ المزيد من الإجراءات الرامية إلى القضاء على الممارسات الطقوسية الأخرى التي تعتبر من قبيل البدعة.
وفى عام 1881 م أصدر الشيخ عبد الباقى البكرى منشورا مهما إلى مشايخ الطرق الصوفية، كان له أثره ونتائجه فى عالم التصوف فى مصر، راجع : (@مشيخة الطرق الصوفية - منشور الشيخ عبد الباقى بن على البكرى إلى مشايخ الطرق الصوفية سنة 1881 م@).
وكان تدخل شيخ الأزهر في قضية العنانية فى مارس 1886 م (راجع: @السجاجيد الشريفة - العنانية - مدخل عام@) ، وكذلك في قضية الحصافية الشاذلية تحت قيادة الحصافى قبل ذلك بعامين تقريبًا فى أوائل سنة 1884م (راجع: @الشاذلية - فروعها - الحصافية الشاذلية - مدخل عام@) بمثابة خرق لاتفاقية عام 1847 التي تمت بين شيخ الأزهر وشيخ السجادة البكرية.
وهذا يوحي لنا بأن هذه الاتفاقية قد أصبحت من الناحية الواقعية ملغاة كما يدل هذا على العلاقة المتغيرة التي حدثت بين إدارة الطرق وبين الوكالة الحكومية بالدولة. وهذا التغير يرجع أساسًا إلى إعادة تنظيم الإدارة الحكومية في الدولة في مطلع الاحتلال البريطاني لمصر في عام 1882 مما أعطى للإدارة الحكومية كفاءة عالية للغاية فأدى ذلك بدوره إلى تضاؤل أهمية إدارة الطرق الصوفية في مواجهة الدولة ووكالاتها ومن المؤكد أن الوكالات الحكومية قد توقفت تمامًا عن تدعيم إدارة الطرق حتى عندما كان هذا- كما هو في الحالات سالفة الذكر- التدعيم وثيق الصلة بالحفاظ على حقوق القدم.
ومع مطلع هذه التطورات يبدو أن البكرى قد اتخذ أسلوبًا مختلفًا حيال انتهاك حقوق القدم من جانب الطرق التي لم يظهر نشاطها في مصر إلا في وقت قريب نسبيًا ولم يتعد نشاطها بعض المدن القليلة- مثلما هو الحال بالنسبة للطريقة الشاذلية تحت قيادة الحصافى- ومن جانب مجموعات مشابهة للعنانية التي كانت قد تطورت إلى طرق متميزة فى داخل الطرق المندمجة فى نطاق إدارة البكرى، ولكى يمنع البكرى حدوث صراعات شبيهة بالصراعات سالفة الذكر، والتى قد تؤدي إلى تدخل شيخ الأزهر والتقليل من سلطته بالتالي ، ولكي يمنع البكرى الاتجاه الواقعي نحو إلغاء التغييرات التي بدأت تشق طريقها فإنه اعترف رسميًّا بكافة الطرق التي استفادت بنجاح من الحفاظ غير الكافي على حقوق القدم- وربما من تحطم النقابات المهنية من حيث هى الشكل الرئيسي للتنظيم الاجتماعي وأصحبت طرقًا لها أهمية معينة.
وكان الاعتراف بمثل هذه الطرق مفيدًا للبكرى ؛ لأنه دعم مركزه ونفوذه وسلطاته بل وكان أيضًا مفيدًا لرؤساء هذه الطرق وما يستتبع ذلك من حقوق القدم التي لم تكن قد تعرضت بعد للإلغاء وإنما كان الحفاظ عليها غير كاف.
ومن الحقوق الأخرى المترتبة على اعتراف البكرى بمثل هذه الطرق هو الاشتراك في الاحتفالات الرسمية للأعياد الدينية مثل المولد النبوي مما أعطى هذه الطرق الفرصة للظهور في المجتمع ، وإضافة المزيد من الأعضاء إليها كما أتاح لها هذا الاعتراف الفرصة للحصول على قدر من المدفوعات والهبات والأموال التي تقدمها المحافظة وديوان المالية. فهذه الأموال والهبات كانت تقدم باستمرار للبكرى الذي يقوم بتوزيعها بنفسه على رؤساء الطرق المعترف بها رسميًّا حتى العقد الأول من القرن العشرين.
وجميع هذه التغييرات التي أحدثت تأثيرًا على عالم الطرق الصوفية والتي استمرت طوال معظم الفترة التي شغل فيها عبد الباقي البكرى منصبه قد جلبت لمشايخ الطرق تغييرًا هامًا من حيث الحماية القانونية ضد العزل والفصل. فالطريقة التي شيد بها مبدأُ القدم إدارةَ البكرى وحدد أعمالها في نطاق المجتمع المصري قد جعلت المشاركة في هذه الإدارة جذابة ومغرية للغاية لمشايخ الطرق طالما أن هذه المشاركة كانت تدعم طرقهم في المناطق الريفية بالإضافة إلى تقوية مراكزهم كمشايخ للطرق.
بل وعندما لم يعد مبدأ حق القدم سارى المفعول بين المجتمع نجد أن شرعية المنصب النابعة من التعيين الرسمى الصادر من شيخ السجادة البكرية قد تفوق على مبدأ حق القدم من حيث هو الحماية القانونية ضد العزل أو الفصل، نظرًا لأن شرعية المنصب كانت بمثابة تأكيد لشرعية الطريقة التي كان يعترف بها بالتالي اعترافًا رسميًا من حيث هى وحدة قائمة بذاتها وفريدة من نوعها وغير قابلة للتقسيم.
فإذا أعلنت مجموعة من الناس انفصالها واستقلالها عن الطريقة فإنه يمكن لرئيس الطريقة الأم المطالبة بفرض سلطته على المجموعة الانفصالية طالمًا أن البكرى ما زال يتعامل مع هذه المجموعة وما زال يعتبرها كجزء لا يتجزأ من الطريقة الأم حيث سبق له أن اعتبرها ككيان لا يتجزأ عندما عين لها رئيسًا عليها.
وكان هذا يعني أيضًا أنه ما أن تحصل طريقة ما لم تكن قد شاركت من قبل في الإدارة- على الاعتراف الرسمي بمثل هذا التعيين من جانب البكرى فإن الرئيس المعين حديثًا يحصل على أساس قانوني يسمح له بالمطالبة بممارسة السلطة على الآخرين الذين يدعون بأنهم لهم الحق في الحصول على رئاسة الطريقة.
وتزايدت أهمية شرعية المنصب بالنسبة لرؤساء الطرق عندما توقف الحفاظ على حقوق القدم، وأصبحوا لا يتطلعون إلى التعيين الرسمي عن طريق شيخ السجادة البكرية من حيث هو رئيس لإدارة تحمى وحدة كيان طرقهم نظرًا لأن هذه الإدارة كانت ترتكز على مبدأ حق القدم وإنما كانوا يتطلعون إلى ذلك لأن التعيين في حد ذاته والذي يرتكز على قانونية المنصب قد أصبح هو الحماية الحقيقية ضد الفصل أو الإيقاف.
ولمزيد من التوسع بخصوص حق القدم راجع (@مشيخة الطرق الصوفية - حق القدم@)
وبحلول عام 1891 نجد أن تسعة فقط من بين مشايخ الطرق التسعة والعشرين الأصلية وهم رؤساء العفيفية والسعدية والرفاعية والبرهامية والميرغنية والمرزوقية والأحمدية والقادرية والبيومية والشرنوبية لم يبتعدوا عن البكرى على ما يبدو أما الباقي فقد انفضوا من حوله. كذلك نجد أن عددًا من رؤساء التكايا قد فصلوا أنفسهم عن إدارة البكرى وخاصة أولئك الذين كانوا مسئولين عن تكايا البخارلية (الأزبك) في درب اللبان ، ونظام الدين البخارلية في حطابة ، والمغربي ومحيي الدين بالقرب من باب الوزير والمغاويرى.
إلا أن بعض رؤساء التكايا الأخرى قد سعوا للحصول على قانونية المنصب من خلال التعيين عن طريق البكرى. وكان المثال على ذلك في القاهرة هو رئيس تكية الحبانية الذي كان قد تم تعيينه من قبل عن طريق ديوان الأوقاف بناء على توصية من الأزهر إلا أن هذا التعيين لم يستمر لفترة طويلة.
وبالإسكندرية نجد أن رئيسى تكيتي القادرية قد قبلا سلطة البكرى عليهما. وفي إحدى هاتين التكيتين كان السكان بها من القادريين الأتراك فقط، إلا أن التكية فى حد ذاتها كانت أساسا تخص الجلشانية وكانت لا تزال تعرف بذلك الاسم. ومن المحتمل أن يكون شيخ التكية القادرية الأخيرة والذي يسمى عبد الرحمن النيازي قد سعى للحصول على تثبيت رسمي من البكرى حتى يتمكن من تدعيم مركزه كرئيس على تكية لم يكن لأعضاء هذه الطريقة الحق فيها أو الحق في وضع اسمهم عليها.
وعلاوة على ذلك ففي القاهرة نجد أن شيخ الضريح الذي كان مسئولًا عن ضريح محمد دمرداش المحمدي قد أصبح معترفًا به كشيخ تكية في وقت ما قبل عام 1304 (1886-1887) وهذا يوحي بأنه قد حدثت زيادة في أعداد الجماعة المقيمة في البناية القريبة من الضريح نظرًا لأن هذا التحول لا يمكن إرجاعه إلا لذلك السبب كما أنه يعكس إحياء الطريقة تحت قيادة الشيخ الموجود في ذلك الوقت وهو الشيخ عبد الرحيم مصطفى الدمرداش (1348-1930).
وفي عام 1881 عندما حاول عبد الباقي تنفيذ الإصلاحات التي شملها المنشور الصادر منه إلى مشايخ الطرق الصوفية كانت مصر تجتاحها أقصى درجات الشغب والاضطراب والهياج التي وصلت أوجها في الثورة العرابية ثم الاحتلال البريطاني. ولم يقم أي شيخ من مشايخ الطرق التابعين لنفوذ البكري بأي دور في هذه الأحداث. إلا أنه لا يوجد هناك سبب يدعونا لأن نفترض أنهم من حيث موقفهم من عرابي كانوا يختلفون عن أغلبية أولئك المنتمين للمؤسسات الدينية الذين  قد ظلوا مخلصين بشكل إيجابي أو سلبي للخديوي. ولذلك فإن تأييد عبد الباقي للخديوي ضد العرابيين وإظهاره العلني لموافقته على الاحتلال عندما أقام وليمة تكريمًا للجنرال سير جارنيت وولسلى قائد القوات البريطانية في نفس مساء اليوم الذي دخل فيه القاهرة. لم يكن نتيجة لشرعية سلطته على مشايخ الطرق. بل ولم يحدث تأييده للخديوي أي تأثير في منصبه كواحد من الشخصيات الدينية الرئيسية في نطاق المجتمع المصري حيث كان يمثل هذا المجتمع في المجلس التشريعي (مجالس شورى القوانين) والجمعية العمومية التي عقدت اجتماعًا لأول مرة في نوفمبر 1883.
ويمكن تلخيص وضع الطرق الصوفية ومشيختها التى كانت تحت سلطة الشيخ عبد الباقى البكرى على النحو التالى : ففي أوائل عام 1881 وتحت ضغوط من جانب الخديوي توفيق سعى عبد الباقي البكري إلى تنفيذ عدد من الاصلاحات التي تتعلق بالممارسات الطقوسية كما حاول التدخل في الشئون الداخلية لرؤساء الطرق مما دفع رؤساء الطرق إلى فصل أنفسهم عن إدارة البكرى. وعلاوة على ذلك فإن إدارة البكرى لم يعد لها أهمية كبيرة بالنسبة للدولة ووكالاتها التي كفت عن تدعيمها لإدارة البكرى. حتى عندما كان التدعيم وثيق الصلة بالمحافظة على حقوق القدم. وقد أدى هذا الوضع إلى ظهور وانتشار عدد من الطرق الجديدة كما أدى إلى انسحاب وانعزال طرق أخرى وقد ترتب على هذا أن حصلت الطرق الجديدة على اعتراف من البكرى بأنها طرق مستقلة بحكم حقهم الشخصي.
وفي ظل هذه التطورات نجد أن مبدأ حق القدم قد حل محله حق المنصب كحماية قانونية رئيسية ضد العزل أو الفصل. وبعد مرور عشر سنوات على قيام عبد الباقي البكري بتنفيذ هذه الإصلاحات بدأ معظم رؤساء الطرق والعديد من رؤساء التكايا يميلون إلى الاستقلالية والاكتفاء الذاتي؛ لكي يتجنبوا إجراءات الإصلاح والتدخل في شئونهم الداخلية من جانب عبد الباقي أو وكلائه. وقد أدى هذا الوضع إلى تدهور سلطة شيخ السجادة البكرية فيما يتعلق بالطرق والتكايا وهو أمر لم يحدث من قبل ويمكن أن يوصف بأنه بمثابة أزمة في السلطة.
وبعد أن تم النشر والإعلان عن التنظيمات الخاصة بالطرق الصوفية بالقرار الخديوي في عام 1895 بدأ عهد جديد متميز للتصوف الإسلامي القائم على الأسس والقوانين في الظهور في مصر. (راجع : @مشيخة الطرق الصوفية - لائحة الطرق الصوفية لعام 1895 م@).
إذ ألغت هذه التنظيمات كل ما جاء بالمنشور الدوري الذي أصدره عبد الباقي البكري في عام 1881 ، كما حولت السلطة التي كان يمارسها شيخ السجادة البكرية على الطرق من سلطة قائمة على العرف والتقاليد إلى سلطة قانونية عقلانية قائمة على أساس قانوني جديد مما أتاح لمحمد توفيق البكري استعادة السلطة على الطرق والهيئات المرتبطة بالطرق وهي السلطة التي كانت قد تدهورت تدريجيًا في العهد السابق عليه.
ولقد تم نشر نسخة معدلة من هذه التنظيمات في عام 1903 (راجع: @مشيخة الطرق الصوفية - لائحة الطرق الصوفية المعدلة لعام 1903 م@) حيث ضمنت عددًا من التعديلات التي كان يرغب فيها محمد توفيق البكري والتي تقوي وتدعم مركزه بوسائل عديدة وضحت نصوصًا أيضًا مما جعل مضامينها متمشية مع إصلاح الأوقاف الذي تم تنفيذه في نفس تلك السنة ، واستثناء التكايا والزوايا والأضرحة التي تلقي الدعم بمعرفة الأوقاف من أي مورد من الخضوع للسلطان القضائي لشيخ مشايخ الطرق الصوفية.
إلا أن هذه التنظيمات المعدلة أثبتت أنها غير كافية لتحقيق الإدارة الفعالة للجهاز البيروقراطي المتخلف الذي خلقته ، وحفزت محمد توفيق على وضع مجموعة من القوانين التكميلية التي تسمى بالتنظيمات الداخلية للطرق والتي أصبحت نافذة المفعول في عام 1905 (راجع: @مشيخة الطرق الصوفية - اللائحة الداخلية للطرق الصوفية لعام 1905 م@) .
وعن طريق هذه التنظيمات نجد أن مبدأ حق القدم والذي كان قد أصبح غير ضروري في أواخر القرن التاسع عشر قد ألغى رسميًّا ، ولقد ضمنت اللائحة الداخلية بالاشتراك مع تنظيمات عام 1903 لمنصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية درجة عليا من التميز والاستقلالية للسلطة المخصصة له على نحو لم يسبق له مثيل في أي مرحلة سابقة. ولقد ظلت هذه اللائحة الداخلية بالاشتراك مع تنظيمات عام 1903 هي الدستور ومجموعة القوانين التي تسير عليها الطرق حتى 1976.
إن الترتيبات الإدارية المتميزة التي يقوم عليها تنظيم التصوف الإسلامي في مصر في معظم أوقات القرن التاسع عشر تجعل هذه الفترة تبرز كفترة فريدة من نوعها في تاريخ الطرق والهيئات المرتبطة بالطرق في مصر. ويمكن أن نصف هذه الفترة بأن نقول عنها أنها «عصر القدم» مشيرين بذلك إلى التنظيم في العقود الأولى من القرن التاسع عشر والذي كانت تدور حوله إدارة الطرق والهيئات المرتبطة بالطرق حتى حلول التسعينات من القرن التاسع عشر حيث أصبح هذا المبدأ زائدًا عن الحاجة ولا لزوم له.
وكان الإلغاء الرسمي لمبدأ حق القدم في عام 1905 بمثابة بداية لعهد جديد للطرق في مصر. وهذا العهد الجديد والذي خضعت فيه الطرق لمجموعتين من التنظيمات ظهرتا كنتيجة للتدهور الإداري الناجم عن عدم مراعاة حقوق القدم بشكل كاف والتي استمرتا حتى عام 1978 حيث تم إلغاء هاتين المجموعتين من التنظيمات ووضع قوانين جديدة لتحل محلها ، وكذلك العهد السابق على عهد القدم يمكن الإشارة إليهما على أنهما «عهد ما بعد القدم» و«عهد ما قبل القدم» وتحديد فترات على ذلك النحو لا يقصد به أن نقدم تقسيمًا رمزيًا ولكننا نقترحه كمجرد إطار مؤقت للعمل من أجل التعاقب التاريخي أي من أجل مجالات الاستمرار التي هي منفصلة عن تلك التي سبقتها أو أعقبتها، ولكن يمكن تحديدها من خلال علاقة بعضها بالبعض الآخر طبقًا لوجود أو غياب مبدأ حق القدم وغيره من الملامح المميزة. وهذه الملامح المميزة التي ينبغي تحديدها من خلال دراسة أخرى مستفيضة ستسمح لنا بإجراء تحليل مقارن للنواحي العديدة التنظيمية والبنائية للتصوف الإسلامي في هذه العهود المتميزة.
وهذا سوف يمكننا من أن ندرك شكل عالم الطرق كجزء من شكل المجتمع العريض كما سيمكننا من أن نتتبع تطور كلا الشكلين من حيث علاقة كل منهما بالآخر مما سيسمح لنا بالتوصل إلى تحديد دقيق لموقع الفترة ما بين عهد ما قبل القدم وعهد ما بعد القدم أكثر مما هو متاح لنا الآن.
ومن المؤكد أن البحوث التي ستجري وفق هذه الخطوط ستثبت أو ستدحض الافتراض الجدلي الكامن في الحدس المتوفر بشأن معنى اصطلاح «أرباب السجاجيد» وبشأن تدهور نقابات الحرفيين  والشهرة المتزايدة للطرق.
ويمكن تقديم هذا الافتراض الجدلي في مزيد من الوضوح على النحو التالي: أن ذروة ازدهار الطرق في مصر من حيث الأهمية الاجتماعية وأعداد الناس المنضمين للطرق ومن حيث المهام التي أنجزت لم تكن في أثناء القرن الثامن عشر مثلما تذهب معظم الآراء وإنما كانت هذه الذروة أثناء القرن التاسع عشر ومتزامنة مع ونتيجة لتدهور النقابات المهنية التي كانت هي الشكل المتميز للتنظيم الاجتماعي في عهد ما قبل القدم.
وعلاوة على ذلك فإن عهد القدم نفسه يمكن أن يخضع لمزيد من البحوث التي سيؤدي إلى نتائج عظيمة إذا استخدمنا أسلوب البحث التاريخي الذي يحدد ويربط ما بين مجموعة من الأشخاص في بيئة تاريخية معينة (عرف أو قانون) ، وفي هذه الحالة المتعلقة بالطرق والهيئات المرتبطة بالطرق فإن الدراسة قد تتألف من تحليل بيوجرافي دقيق عن علية القوم الذين كانوا يقومون بالإشراف على هذه الهيئات حتى يمكن الوصول إلى المزيد من الفهم الدقيق عن الأسلوب الذي كانت تعمل به كل هيئة من هذه الهيئات من حيث هي كيانات في حد ذاتها وهذه الدراسة يمكنها أن تركز أولًا وقبل كل شيء على أسرة البكري بهدف التوصل إلى المزيد من التاريخ التفصيلى عن هذه الأسرة.
وثانيًا فإنها يمكنها أن تركز على كل أسرة كان ينتمي إليها رؤساء الطرق ورؤساء الهيئات المرتبطة بالطرق. مع الرجوع إلى الوثائق الوثيقة الصلة بالموضوع المحفوظة بدار الوثائق بالقاهرة.
ولسوف تتيح لنا هذه الدارسة فرصة للتوصل إلى مزيد من الفهم لأساس السلطة لكل رئيس من الرؤساء المستقلين بذاتهم وهو الأمر الذي تناوله أساسًا بالتحليل من حيث العلاقة مع سلطة شيخ السجادة البكرية وليس من حيث هو عامل مستقل يؤثر على نمو واضمحلال ووضع الطرق والهيئات المرتبطة بالطرق التي كانت هذه السلطة تمارس عليها وهنا تجدر الإشارة إلى أن القيود التي تحد من مجالنا في التحليل هي نتيجة للقصور النانجم عن كمية المادة العلمية بالسجلات المصرية.
وأثناء تحليل السلطة من حيث هي عامل مستقل يؤثر على وضع الطرق ونموها واضمحلالها فإنه ينبغي تقييم مغزى الطريقة أي مغزى تعاليم كل طريقة وطقوسها الدينية وطبيعتها المادية ودور ذلك كله في ازدهارها واضمحلالها إلا أن مثل هذا التقسيم يتطلب معرفة بالخلفية الاجتماعية لعضوية الطريقة ، وذلك بدوره يتطلب معرفة تفصيلية بالطبقات الاجتماعية بالمجتمع المصري ، حتى يمكن تقديم تفسير واضح للتفاعل الاقتصادي الاجتماعي للمتغيرات والنواحي المتعلقة «بثقافة الطريقة» والتي تؤثر على نمو الطريقة أو اضمحلالها ، ونظرًا لأن مثل هذه المعرفة غير متوفرة بشكل يدعو للرثاء حاليًا فإن المعلومات المتاحة حتى الآن لم تمثل سوى هذه التفسيرات البنائية لهذه الظواهر بدون التوغل في مزيد من العمق في أمور تتعلق بالطريقة.
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 9- 10، 18- 21، 41-43، 66، 91-96، 104-106، 117-119، 122، 183-188.
 


مشيخة الطرق الصوفية - الإشراف على الموالد
مشيخة الطرق الصوفية مشيخة الطرق الصوفية – الإشراف على الموالد فى موضوع (@الطريق الصوفى - الموالد@) تكلمنا على أصل الاحتفال بالمولد الشريف ، وبينا أن أصل عمل المولد – على ما يؤكد الإمام السيوطى – الذى هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة فى مبدأ أمر النبى صلى الله عليه وسلم وما وقع فى مولده من الآيات ثم يمد لهم سماطا يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التى يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبى صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف ، والبدعة لا تنحصر فى الحرام والمكروه، بل قد تكون أيضا مباحة ومندوبة وواجبة على ما ذهب إليه الجماهير الكثيرة من العلماء من كافة المذاهب ، ولم يخالف فى ذلك أحد من المحققين والأئمة المعتبرين ، نعم خالف الشواذ غير المتبحرين ومن لا يأخذ بقوله فى الأصول ولا الفروع. ويقاس على الاحتفال بالمولد النبوى الشريف الاحتفال بموالد ورثته صلى الله عليه وسلم من الأولياء والعارفين ومشايخ الطريق. ومن هنا تأتى عناية الطرق الصوفية ومشيختها بالاحتفال بالموالد، والتى يعبر فيها رجال الطريق عن محبتهم لأولياء الله تعالى، وتعلقهم بهم، ونشر لفضائلهم، ومناسبة لعمل الكثير من الخيرات من ذكر الله تعالى، وإطعام الطعام، وقراءة القرآن الكريم، وغير ذلك من وجوه الخير. ولقد كان لخلو منصب الخليفة تأثير ضئيل على أعمال الطريقة على مستوى الروتين الأسبوعي نظرًا لأن الحضرات التي تقام أسبوعيًا لاتتطلب بالضرورة أن تقام علنًا سواء في مسجد أو في أرض فضاء وإنما يمكن أن تعقد في منازل خاصة حيث لا يتطلب الأمر حضور الخليفة. إلا أن عدم وجود خليفة أثناء الموالد تنجم عنه تعقيدات خطيرة لأن الموالد هي أهم الأنشطة التي تمارسها الطرق الصوفية. إذا كان المجتمع العريض وكذلك أعضاء الطرق يعتقدون أن مسئولية الاحتفال بالموالد تقع بالدرجة الأولى على عاتق الخلفاء وكانت هذه الاحتفالات تتألف من مواكب الطرق بأعلامها ورموزها وشعاراتها ومن الحضرات العامة التي تقام أحيانًا في خيام تنصب لهذا الغرض بالقرب من ضريح الشيخ التي يتم الاحتفال بمولده، كما كانت تضم الخدمات مثل توزيع الطعام والشراب مجانًا على الناس. وكانت هذه هي المناسبات الرئيسية التي يمكن فيها للطريقة أو للمحفل المحلي للطريقة أن تظهر نفسها أمام المجتمع العريض وتجذب لنفسها أعضاء جددًا. إلا أن الأهم من ذلك هو أن هذا الانخراط الجماعي في مجموعة من الأنشطة أثناء الموالد بما يتمشى مع توقعات المجتمع العريض كان يعمق من مشاعر توكيد الذات لدى أعضاء الطريقة. ونظرًا لأن الطريقة لا يسمح لها بعرض نفسها كمجموعة أمام الجماهير إلا إذا كانت تحت قيادة خليفة لها معتمد من البكري فإنها لا يمكن أن تصل إلى هذا المستوى الرفيع الشأن إذا كان منصب الخليفة بها شاغرًا أو إذا كان شاغل منصب الخليفة بها غير نشيط وفعال. وعادة كان للشخص المسئول عن ضريح الشيخ أن يقيم الاحتفالات بالموالد التي لها أهمية محلية. وكان باستطاعته أن يكون هو الخليفة في نفس الوقت وفي هذه الحالة فإن الإشراف على الضريح بالإضافة إلى الحق في الإشراف على احتفالات الموالد كانا يعتبران جزءًا من حق القدم لطريقته. فالحق في تنظيم احتفالات المولد يعطي للخليفة جزءًا من حق القدم في المنطقة إذا تمكن من تقديم الدليل على أن أعضاء طريقته هم الذين كانوا ينظمون مولدًا معينًا قبل أي شخص آخر. وكانت المنازعات تنشأ بسبب الصراع على الحصول على الحق في تنظيم الاحتفالات وخاصة عندما تكون النفقات على الموالد من الأموال التي تخصصها الأوقاف أو أية مصادر أخرى لمواجهة النفقات في هذه المناسبات. ومثل هذه المنازعات كان ينظر فيها بنفس الأسلوب الذي يتناول المنازعات على حق القدم. (راجع: @مشيخة الطرق الصوفية وحق القدم@). وكان من الممكن للشخص الذي له حق الإشراف على احتفالات المولد أن يتنازل عن حقه لأي شخص آخر. ولكن هذا التنازل لم يكن ينظر إليه على أنه مسألة شخصية وإنما كان يعتبر شيئًا يهم الجماعة بأكملها. ولذلك كان على مشايخ المنطقة أن يوافقوا على التغيير المطلوب كما كانت الاجتماعات التي تضم الموظفين الحكوميين المحليين وغيرهم من الشخصيات البارزة تعقد بهدف الوصول إلى مثل هذا القرار. وأي شخص يرغب في إقامة الاحتفالات الخاصة بأي مولد كان عليه أن يحصل على تصريح كتابي من البكري قبل موعد البدء في الاحتفالات بوقت كاف. وبعد أن يقوم الاحتفالات وبعد أن يتأكد من أنه له الحق في ذلك يبادر إلى إبلاغ محافظ الإقليم الذي سيقام المولد في محافظته ويبلغه بأنه لا يعترض على إقامة المولد ويطلب منه إصدار الموافقة على إقامة المولد. وهذا معناه أن إقامة المولد تتوقف في النهاية على موافقة المحافظ النهائية. ورغم أن التصريح بإقامة المولد يصدر عادة بدون عراقيل إلا أن هذا الإجراء كان أكثر من مجرد شكليات رسمية. فالكثير من الموالد كانت تجتذب زائرين من مناطق شاسعة من بينهم أعداد كبيرة من الناس الذين لا يقومون بأية أعمال انتاجية في الأوقات التي يشاركون فيها في الاحتفالات. ولذلك فإن التصريح بإقامة المولد قد لا يصدر عندما تكون الاحتفالات في أوقات تتعارض مع أوقات حرث الحقال أو أعمال السخرة أو لأسباب تتعلق بحدوث وفيات عامة. فإذا لم تكن هناك ظروف مماثلة يصدر الترخيص بإقامة المولد. وقد يتضاءل عدد الحاضرين في المولد بسبب رفض إزالة القيود على السفر بالأماكن الريفية. ولكن يبدو أن مثل هذه القيود كانت تخفف عادة حتى أصبح من المعتاد أن تكون هناك حرية في حركة التنقل التي كان ينبغي على مشايخ النواحي احترامها. وكان البكري ورؤساء الطرق بالاشتراك مع المحافظين المحليين يحرصون على عدم حدوث احتفالات هذه الموالد في وقت واحد. وكان المحافظون الإقليميون يساهمون في نفقات هذه الاحتفالات وعادة ما كانوا يقدمون الزخارف والديكورات والألعاب النارية المنبعثة من الصواريخ والمفرقعات. وأشهر الموالد على الإطلاق هو مولد السيد/ أحمد البدوي الذي كان يتم في الخريف بمدينة طنطا ويجذب أعدادًا من الزائرين أكثر من أي مولد آخر. وكان هذا المولد يخلق مشكلة أمن حتى أنه كان هو المولد الوحيد الذي كانت ترسل إليه تعزيزات عسكرية من القاهرة للمساعدة في حفظ الأمن والنظام. وجميع موالد أحمد البدوي كان يحضرها البكري الذي كان يستفيد من حضور هذه الموالد حيث كان يرأس بنفسه المجلس الذي يقوم بالنظر في المنازعات الجارية والتوسط لحلها كما كان يراجع على الطريقة التي تدار بها مشيخة الطرق الصوفية بالمنطقة بمعرفة الوكيل التابع به. وفي مثل هذه المناسبات كان يتلقى مبالغ من الصندوق الأحمدي لكي يواجه نفقاته المتعلقة بالاحتفالات. وبالإضافة إلى احتفالات المولد النبوي التي كان ينظمها البكري نجد أن البكري كان ينظم أيضًا موالد السادة البكرية بالقرب من الإمام الشافعي ومولد عبد القادر الدشطوطي وكان يواجه هذا الالتزام بصفته ناظر الأوقاف في هاتين الجهتين. وقبل بدء موعد هذه الموالد كان البكري يطلب من المحافظة أن تصدر فرمان المولد الذي لم يكن يتلى في هذه المناسبات أمام الجماهير بمعرفة رئيس البوليس حيث كان هذا الفرمان يعتبر مجرد تصريح رسمي بإقامة هذه الموالد. وكانت الاحتفالات بمولد الدشطوطي تتم في الفترة من 20 إلى 27 رجب وكانت الليلة الأخيرة في هذا المولد تتزامن وتتطابق مع ليلة المعراج حيث كان يتم الاحتفال بليلة المعراج بالقاهرة حول مسجد الدشطوطي بصفة خاصة. وفي مناسبة المولد وخاصة في يوم 26 رجب عندما يقيم السعدية «الدوسة» الخاصة بهم وفي ليلة 27 رجب التي توافق ليلة المعراج كان البكري يستضيف العديدة من الضيوف ويكرمهم. وكان مولد السادة البكرية يستمر لفترة ستة أيام بالقرب من بداية شعبان. وكان يتم دعوة الغالبية العظمى من رؤساء الطرق بالقاهرة مع أتباعهم ورؤساء التكايا والأضرحة بالإضافة إلى العديد من علماء الأزهر والموظفين الحكوميين وكبار التجار لحضور هذا المولد. نفس الشيء كان يتم بالنسبة لاحتفالات عيد الأضحى التي كانت تقام بالقرب من أضرحة السادة البكرية. وأولئك المسئولون عن الأضرحة والمساجد التي توجد بها أضرحة بالقاهرة كان عليهم أيضًا الحصول على فرمان مولد من المحافظ قبل البدء في الاحتفال بمولد الشيخ الذين يشرفون على ضريحه. ولكي يحصل المشرف على الضريح على هذه الوثيقة التي تعتبر مجرد تصريح رسمي حكومي كان عليه أن يقدم نفسه للبكري ويطلب منه أن يقدم طلبًا في هذا الشأن للمحافظة وهذا الأسلوب كان يتيح للبكري أن يراجع من وقت لآخر قانونية عدد كبير من المشرفين على الأضرحة. وكانت النفقات التي ينفقها المشرفون على الأضرحة في احتفالات هذه الموالد تتغطى جزئيًا عن طريق ريع الأوقاف الذي يحصلون عليه وعن طريق الأموال التي تدفعها الروزنامة إلا أن الاحتفال بعدد من الموالد كان يتم على نفقة الدائرات الخديوية بالكامل بعد أن جرت العادة على ذلك. وكانت الدائرات الخديوية تقدم أحيانًا بعض الأموال للمشرفين على الأضرحة مساهمة منها في النفقات التي تنفق على الاحتفالات. وحتى يمكن السماح للطرق بالمساهمة في الموالد والاحتفالات الأخرى كان رؤساؤها يحصلون سنويًا على مدفوعات من خزينة الدولة كما كانوا يحصلون على ريع الأوقاف المخصصة لهذا الغرض. المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1995م، ص 55- 64.


مشيخة الطرق الصوفية – الاحتفال بالمولد الشريف
 

فى موضوع (@الطريق الصوفى - الموالد@) تكلمنا على أصل الاحتفال بالمولد الشريف ، وبينا أن أصل عمل المولد – على ما يؤكد الإمام السيوطى – الذى هو اجتماع الناس وقراءة ما تيسر من القرآن ورواية الأخبار الواردة فى مبدأ أمر النبى صلى الله عليه وسلم وما وقع فى مولده من الآيات ثم يمد لهم سماطا يأكلونه وينصرفون من غير زيادة على ذلك هو من البدع الحسنة التى يثاب عليها صاحبها لما فيه من تعظيم قدر النبى صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح والاستبشار بمولده الشريف ، والبدعة لا تنحصر فى الحرام والمكروه، بل قد تكون أيضا مباحة ومندوبة وواجبة على ما ذهب إليه الجماهير الكثيرة من العلماء من كافة المذاهب ، ولم يخالف فى ذلك أحد من المحققين والأئمة المعتبرين ، نعم خالف الشواذ غير المتبحرين ومن لا يأخذ بقوله فى الأصول ولا الفروع.

ولمشيخة الطرق الصوفية عناية خاصة بالمولد الشريف، فبالإضافة إلى الموالد التي يتم الاحتفال بها إحياء لذكرى معظم المشايخ المدفونين في هذه الأضرحة فإن المناسبة العظمى التي كانت تظهر فيها الطرق نفسها وتستعرض نفسها كانت أثناء الاحتفالات بمولد النبي محمد ×. وكانت هناك إجراءات رسمية محددة تسير عليها مشيخة الطرق الصوفية برئاسة الشيخ البكرى للاحتفال بالمولد الشريف.
وفي القاهرة كان تنظيم هذه الاحتفالات من اختصاص البكري بالدرجة الأولى  الذي كان يتلقى في هذه المناسبة مبالغ من الخزينة العامرة «وزارة الخزانة» كمساهمة في النفقات التي يواجه بها هذه المناسبة الكريمة. وكانت بلدية القاهرة تساهم أيضًا عن طريق تزويده بالأرز  ولحوم الضأن والزبد والشاي والأخشاب بينما كانت إدارة العزب الخديوية ترسل السكر وأوعية الطهي اللازمة.
وفي حوال منتصف شهر صفر كان يتم تحديد عدد أيام المولد النبوي في اجتماع يحضره كبار الشخصيات الدينية في منزل القاضي بالقاهرة وكان هذا الاجتماع يحضره أيضًا رؤساء الطرق والقاضي نفسه. وكان البكري يطلب من محافظ القاهرة أن يرسل له فرمان مولد الرسول. وفي هذه الوثيقة كان التصريح يعطى للاحتفال بالمولد خلال المدة التي يقررها هذا الاجتماع. ويبلغ البكري الوكلاء التابعين له بالمحافظات بالفترة الزمنية التي سيستغرقها المولد ويطلب منهم أن يعلنوا عن ذلك بين جميع  الناس.
وفي 25 شهر صفر كانت الطرق تتجمع بالقرب من باب الخلق ومعهم راياتهم وأعلامهم وأدواتهم. ثم يسيرون في موكب يبدأ من باب الخلق ويتجه نحو قصر البكري في الأزبكية حيث يكون في انتظارهم رؤساء الطرق والتكايا والأضرحة وغيرهم من الشخصيات الدينية الكبيرة الذين يكونون قد انتهوا من تناول  الطعام على مأدبة بدعوة من البكري. وبعدئذ يتم تلاوة فرمان المولد على الحاضرين وبالتالي يكون هناك إعلان جماهيري عن ليالي المولد التي ستشترك فيها الطرق المختلفة في قصر البكري بعقد حلقات الذكر أو المرور أمام القصر في موكب.
وفي اليوم التالي كانت تحتشد مجموعة من حفظة القرآن الكريم في القصر حيث يتلون آيات من القرآن ويتلون حزب البكري وحزب المولد. وفي الفترة المسائية من نفس اليوم كانت الدعوة توجه للأمراء وعلماء الأزهر وكبار موظفي الحكومة وكبار الشخصيات العامة للاستمتاع إلى تراتيل حزب المولد مرة أخرى ولحضور حفل استقبال رؤساء الطرق. وكان جميع رؤساء الطرق يتسلمون أروابًا خاصة مصنوعة من قماش الجوخ أو الحرير. وهذا الاحتفال الشعائري كان يسبقه ويعقبه مواكب الطرق وحلقات الذكر في داخل وفي خارج قصر البكري. وكانت  الخيام تنصب هناك في منطقة الأزبكية فقط من أجل هذا الغرض.
وفي 12 ربيع الأول كانت تقام «الدوسة» وهي الطقوس الشهيرة التي يمتطي فيها شيخ السعدية حصانه ويسير الحصان فوق سجادة تتألف من أعضاء طريقته المنبطحين أرضًا. وبعد انتهاء الدوسة يسير أعضاء الطريقة السعدية في موكب إلى خيمة البكري. ولدى وصولهم إلى الخيمة يقوم البكري عقب حصوله على رداء الشرف المصنوع من فرو السمور الأسود من الحكومة بتوزيع أردية الشرف مرة أخرى على رؤساء الطرق وعلى رؤساء التكايا والأضرحة.
وفي ليلة 12 ربيع الأول وهي الليلة الأخيرة يحضر الخديوي إلى صوان البكري مع حاشيته ووزرائه. وهنا كان كبار العلماء الأزهريين وكبار موظفي الدولة والشخصيات البارزة في المجتمع يحضرون لكي يستمعوا إلى تلاوة لقصة المولد ولكي يشاهدوا الاحتفالات التي يختتم الجزء الرسمي منها بإطلاق الصواريخ والألعاب النارية التي تتم على نفقة الحكومة.
 
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 60-62.
 
مشيخة الطرق الصوفية – إجازة الخلافة والإرشاد
 

إن خلفاء الطرق الصوفية -قبل التصديق عليهم كخلفاء، في نطاق إدارة البكري- كانوا خلفاء بالفعل بطريقة مختلفة، وكان ذلك بمقتضى حملهم للإجازة -وهو أمر كان شائعًا بين الطرق لعدة قرون- التي كانت تصدر لهم عن طريق مرشدهم الروحي، والتي كانت تخول لهم الحق في إعطاء العهد للداخلين حديثًا في الطريقة وإرشادهم، وأولئك -الذين كانوا خلفاء في إطار هذا المعنى الأخير- قد وقعوا تمامًا تحت السلطان القضائي لأولئك الذين كانوا خلفاء أولًا في نطاق إدارة البكري.

وامتلاك الإجازة كان يمثل دليلًا ساطعًا على أن الشخص الذي يمتلكها هو إنسان صاحب مقام ديني رفيع  الشأن، وكان هذا من شأنه أن يعطيه -أحيانًا- حقوقًا متميزة؛ مثل: الاستثناء من الخدمة العسكرية، ومن الانخراط في أعمال السخرة، ومن القيود التي تفرض على السفر والتنقلات، وهي أمور تفرض على السكان الريفيين، كما كان يستثنى من دفع الضرائب، وفي حالة التحاقه بالجيش كان يلقى معاملة خاصة؛ ولهذا السبب، فليس من المدهش أن تنتشر التجارة في الإجازات، ومما زاد من قيمتها التجارية أنها كانت تعطي لحاملها حقوقًا وامتيازات تفوق كثيرًا الحقوق والامتيازات التي تمنحها الحكومة؛ ولذلك نجد أن البكري وكذلك رؤساء الطرق، قد اتخذوا من وقت لآخر الإجراءات لمواجهة هذه الظاهرة، وذلك عن طريق الحد من فئة أولئك الذين قد تصدر لهم الإجازات، وعن طريق فرض القواعد والشروط فيما يتعلق بمحتويات ومضامين الإجازات.
ومنذ ذلك الوقت تقريبًا، أصبحت الإجازة لا تكسب صفة الصلاحية إلا بعد أن يتم فحص محتوياتها ومضامينها، ومدى توافقها مع تلك القواعد، وذلك عن طريق رؤساء الطرق الذين يقومون باعتمادها، بالإضافة إلى اعتمادها من الخلفاء الذين أصدروا هذه الوثائق، بمعنى التوقيع عليها بإمضاءاتهم أو بأختامهم.
 
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 45-46.
 


مشيخة الطرق الصوفية - حق القدم
 

لقد كانت الممارسة الإدارية -التي حقق الشيخ علي البكري من خلالها سلطاته- مرتبطة ارتباطًا شديدًا بما كان يعرف باسم "حق القدم"، وهو الحق المقصور على طريقة ما بعينها في الدعوة لنفسها والانتشار بين الناس، والظهور علنًا في منطقة معينة، إذا ما أمكن البرهنة على أنها أول من قامت بهذا الإجراء وتلك الدعوة لنشرها فى هذه المنطقة، فتكتسب بذلك حق القدم فيها، ولا يسمح لغيرها من الطرق بنشر دعوتها الصوفية فى تلك المنطقة.

ويبدو أن مثل هذا المبدأ، لم يكن معمولًا به قبل القرن التاسع عشر الميلادى، وهو مبدأ يحمل في طياته الشئون الإدارية والتعقيدات الإدارية التى صحبت نشأة مشيخة الطرق الصوفية.
ولكن يبدو – من وجهة نظر بعض المؤرخين - أنه في أواخر القرن السابع عشر، وفي خلال القرن الثامن عشر بصفة خاصة: أن «الخلفاء» - لدى تعينهم في منصب «الملتزمون»- كانوا يقومون بأعمال الدعاية للطريقة التي ينتمون إليها، في نطاق منطقة الالتزام الخاصة بهم، أمام مندوبي الدعاية التابعين لطرق أخرى، ويفرضوا القيود على أنشطة الطرق الأخرى الموجودة بالفعل بالمنطقة.
وأثناء قرارات الإصلاح الزراعي -التي أصدرها محمد علي في الفترة ما بين عام 1812 إلى عام 1815- تم إلغاء نظام الالتزام؛ فأحدث هذا الوضع الجديد تأثيرًا على هؤلاء الخلفاء الملتزمين، من الناحية المالية والاجتماعية، شأنهم في ذلك شأن كافة الملتزمين؛ بل وأحدث هذا تأثيرًا على مركزهم، من حيث هم رؤساء على الطريق المحلية، وذلك بمجرد إلغاء المنصب الذي كان يسمح لهم بحماية المصالح الخاصة بالطريقة التي ينتمون إليها.
منذ ذلك الوقت فصاعدًا، أصبحت المعارضة للدخلاء المنتمين لطرق أخرى، ترتكز فقط على أن طرقهم من الناحية التقليدية كانت هي الطرق الوحيدة التي لها الحق في ممارسة نشاطها في المنطقة.
ومن المؤكد، أنه كانت هناك علاقة بين إلغاء نظام الالتزام، وبين ظهور مبدأ القدم كمبدأ محوري بالغ الأهمية في مجال التنظيم في عالم الطرق الصوفية، والدليل على ذلك أن هذا المبدأ لم يكن معمولًا به  في مصر العليا، فهناك لم تكن الغالبية العظمى -من الملتزمين المتولين للمنصب في وقت إلغاء هذا النظام- قد منحت الالتزام الخاص بهم حتى عام 1800، وفي تلك السنة اعترف الفرنسيون بالمملوك الأمير مراد بك حاكمًا على مصر العليا؛ وبالتالي فقد قام بمنح التزامات لعدد من أهم أنصاره والموالين له، متجاهلًا الحقوق الخاصة بملاك الأراضي السابقين.
وعلاوة على ذلك، فإنه من غير المحتمل أن يكون لأولئك الذين ظلوا في مناصبهم أية اهتمامات مستمرة بالأراضي؛ نظرًا لأن حاله الفوضى السياسية التي سادت في مصر العليا على مدى ثلاثة عقود على الأقل، قد أحدثت بالتأكيد تأثيراتها على الاستقرار في امتلاك الأراضي، وكان هذا من شأنه أن يجعل الحصول على منصب الملتزم بالوراثة أقل تنظيمًا مما هو عليه في الدلتا؛ ولذلك فإن عددًا قليلًا فقط من الملتزمين في جنوب القاهرة، من ذوي الولاء لأي طريقة -كان باستطاعتهم البقاء في المنصب لفترة طويلة تكفي لتدعيم مركز طريقتهم؛ وبالتالي فإن الممثلين لمثل هذه الطرق، لم يكونوا في موقف يمكنهم من إحراز النجاح في المطالبة بحقوق القدم في مرحلة متأخرة، وظلت الإدارة التنفيذية للبكري قليلة الأهمية بالنسبة للطرق في هذه المناطق حتى السبعينات من القرن التاسع عشر.
وكان ظهور مبدأ القدم، قد ترك ثلاث اختيارات أمام رؤساء الطرق الذين لا يشرفون على عقارات، أو يتلقون معاشات أو رواتب أو مدفوعات من ربع الأوقاف أو من الروزناما.
والاختيار الأول:هو أنه كان باستطاعتهم قبول سلطة البكري وإشرافه عليهم، وكل ما يترتب على ذلك.
والاختيار الثاني: أنه كان بمقدورهم أن يضعوا أنفسهم تحت سلطة أحد رؤساء الطرق، الذين قبلوا منذ البداية الخضوع لسلطة البكري، وكان هذا يمثل اختيارًا واقعيًّا بالنسبة لرؤساء الطرق ذات الأهمية المحلية، الراغبة في تجنب القيود التي تفرض على التوسع في العضوية، بسبب ظهور مبدأ القدم.
والاختيار الثالث: أنه كان باستطاعتهم تحدي البكري، والبقاء في حالة استقلال عن سلطته، ولكن هذا البديل الثالث كان يعتبر واقعيًّا فقط بالنسبة لرؤساء الطرق التي لم تكن تظهر نفسها كجماعة علنًا، وإنما تقتصر في أنشطتها على المساجد وبعض البيوت بالاعتدال والرزانة؛ فإنهم قد اجتذبوا أعضاء ممتازين، فسمح لهم هذا باتخاذ الاختيار الثالث، بدون الخوف من فقدان بعض الأعضاء، لصالح الطرق التي تركز هدفها على الظهور أمام الجماهير والاشتراك في الاحتفالات الرسمية؛ إلا أن إقامة «الحضرات» في البيوت الخاصة، أصبحت ممنوعة في عام 1289 هـ / 1872م، وذلك بهدف إرغام هذه الجماعات أيضًا على تقبل البكري كرئيس أعلى عليهم، والتجاوب مع الممارسات التي أرست قواعدها إدارة الطرق الصوفية.
ونظرًا لأن المشاركة في الموالد، وفي المواكب التي تقام في الاحتفالات الإسلامية، وفي الحضرات التي تقام في الأماكن العامة -أصبحت لا يمكن أن تتم إلا تحت قيادة خليفة لطريقة لها حق القدم، وبحيث يكون هذا الخليفة معتمدًا رسميًّا من جانب البكري؛ فإن الأعضاء الراغبين في الانضمام إلى طريقة ما، كانوا يضعون في اعتبارهم -بالتأكيد- ما إذا كانت الطريقة لها حق القدم من عدمه، فإذا لم تكن الطريقة لها حق القدم، تصبح عوامل الترغيب في الانضمام إليها ضئيلة.
وفي حالة أولئك الذين يتطلعون إلى الوصول إلى منصب القيادة المحلية، على طريقة ما نجد أن الإجراء المتبع عادة، هو أن يحاول الشخص الطموح الراغب في المنصب الحصول على تعيينه خليفة، على طريقة يكون رئيسها معترفًا بسلطة البكري، وتكون للطريقة حق القدم في المنطقة التي يسكن فيها هذا الشخص الطموح؛ نظرًا لأن هذا من شأنه أن يؤهله لكل الحقوق التي يتضمنها «القدم»؛ وبالتالي فهو يقدم الشروط السابقة التي لا غنى عنها لتحقيق آماله بنجاح.
وكان تعيين الخلفاء يتم عن طريق رئيس الطريقة، وكانت الطلبات للحصول على تعيين رسمي يكتبها أعضاء الطريقة، ويرفعونها لرئيس الطريقة أو للبكري، وما إن يصدر قرار بالتعيين، حتى يتم التصديق عليه من جانب البكري، الذي لا يقوم بالتصديق النهائي إلا إذا كان لديه الدليل على أن قانونية السلطة الممنوحة لن تظل غير فعالة بسبب عدم الشرعية، فإذا ما تم تعيين أي شخص بما يتناقض مع رغبة أولئك الذين يمارس سلطانه عليهم، وتم بالفعل قبول هذا التعيين من جانب رئيس الطريقة؛ فإنه يمكن للأعضاء الاحتجاج لدى البكري؛ وعندئذ يقوم البكري -بالتالي- بإصدار أوامره للوكيل التابع له؛ لكي يقوم بالتقصى بين جماهير الناس، والتوصل إلى إيجاد تسوية وحل للمشكلة.
وإذا كان رئيس الطريقة ينوي تعيين خليفة في منطقة لا يوجد بها مثل هذا الموظف من قبل، أو إذا أراد أن يعين موظفًا إضافيًّا في منطقة يوجد بها خليفة له بالفعل؛ فإنه يتعين عليه أن يحصل مقدمًا على تصريح من البكري.
وفي الحالة الأولى: يتم مراجعة وفحص حقوق القدم الممكنة للطرق الأخرى في المنطقة.
وفي الحالة الثانية: تكون الرغبة الإدارية في تعيين خليفة إضافي، هي التي يتم فحصها بكل دقة، ولكن لا يتم التصديق على التعيين بمعرفة البكري إلا إذا اتضح أنه قد حدث توسع جوهري في عدد الأعضاء، بما يبرر بأن مركز السلطة الجديدة سيؤدي عمله على خير وجه، بدون أن يعرض مركز الخلفاء الآخرين في المنطقة للخطر، عن طريق سحب الأعضاء منهم.
وفيما يتعلق بجميع مراكز السلطة الأخرى -في نطاق إدارة الطرق، ومراكز الخلفاء بصفة خاصة- كان هناك الحرص على التأكيد على شرعية امتلاك الأراضي أو شروط ذلك كما أشرنا من قبل، وكان هذا الواقع أمرًا أساسيًّا بالنسبة للحفاظ على النظام والإبقاء عليه، طالما أنه عندما يتقلد شخص ما منصب الخليفة بطريقة قانونية؛ فإن هذا لا يعني فقط أنه قد تم الاعتراف به كخليفة من جانب أولئك الذين يخضعون لسلطانه، وإنما يعني أيضًا أن شرعية النظام الذي يشعر هذا الموظف أنه مدان له بمنصبه -حيث يكون منصبه جزءًا من هذا النظام- قد تأكدت عن طريق أولئك الذين يرتكز كيان النظام عليهم، وكان هذا يمثل تأكيدًا لشرعية مبدأ القدم، الذي بدونه لم يكن النظام الإداري قد اتخذ الشكل الذي هو عليه، ولم يكن هذا المبدأ سيصبح مبدأ مهمًّا في مجال العلاقات بين الطرق المختلفة، وإلى حد كبير في مجال تنظيم أنشطتها بدون تواجد إدارة ذات سلطة مركزية.
إلا أن الهيبة والنفوذ المرتبط بمنصب الخليفة، لم يكن متوقفًا فقط على كون هذا المنصب جزءًا لا يتجزأ من الإدارة؛ إذ كان يمثل مهنة أو وظيفة لعدد من الخلفاء، الذين يندرجون تحت طريقة ما في منطقة معينة، والذين يلقون التبجيل والاحترام الكافي من أتباع الطريقة، وكان عليهم أن يساعدوهم في تأدية واجباتهم.
ولأن شاغلي منصب النقيب - بالإضافة إلى عملهم كضابط اتصال ما بين شيخ الطريقة وبين الخلفاء المحليين- كان عليهم أن يشرفوا على إنجاز الخلفاء لأعمالهم، ويتأكدوا من أن الأعمال تتم بطريقة سليمة؛ فإن شرعية السلطة لم تكن مستمدة من الاعتراف من جانب الأعضاء العاديين ، وإنما مستمدة أساسًا من الحقيقة التى مفادها أن خلفاء الطريقة في منطقة ما قد قبلوا شخصًا معينًا كنقيب عليهم.
وتواجد نقيب في أي منطقة كان يتوقف تمامًا على ما إذا كانت الطريقة قد اعترفت رسميًّا بالخلفاء في تلك المنطقة من عدمه، ويكون الوضع على ذلك النحو عندما يكون للطريقة حق القدم؛ ولذلك فإن تواجد وظيفة النقيب كان يرجع إلى مدى أهمية مبدأ حق القدم بالنسبة للإدارة؛ ومن ثم فإن شرعية النواب- تمامًا مثل شرعية الخلفاء- تعبيرًا عن التوافق مع مبدأ حق القدم، وبالتالي كانت تأكيدًا وتعزيزًا لشرعية الجهاز الإداري بأكمله.
ونظرًا لأن جميع الخلفاء والنواب كانوا مدينين بمراكز سلطاتهم إلى الحقيقة التي مفادها أن مبدأ القدم قد أصبح هو المبدأ الرئيسي في كيان الإدارة، فقد كان لديهم كل الأسباب التي تجعلهم يذعنون للعلاقة التي تربط شيخ طريقتهم بالبكري، والتي تجعله تابعًا للبكري، وهذا يعني الاعتراف بسلطة البكري.
ونظرًا لأن أي شخص معترف بسلطة البكري، يعتبر في نفس الوقت معترفًا بمبدأ القدم، وبالتالي بشرعية مبدأ القدم؛ فإن التبعية الاختيارية لشيخ الطريقة كانت تعني أيضًا التمسك بهذا المبدأ.
ولكي يتم منع الارتباك والفوضى فيما يتعلق بحقوق القدم، وحتى لا تتجرد الإدارة من سلطاتها؛ فإنه لم يكن يسمح للنواب والخلفاء بتقلد مناصب في أكثر من طريقة واحدة، أو يكونوا أعضاء في أكثر من طريقة واحدة؛ إذ كان يطلب منهم الانتماء لطريقة واحدة، وذلك بعكس الأعضاء العاديين.
وإذا كان الأعضاء العاديون لا يتم منعهم بالفعل من الانضمام لأكثر من طريقة؛ إلا أنهم من الناحية العملية كانوا غير قادرين تمامًا على أن يكونوا أعضاء نشطين في أكثر من طريقة واحدة؛ وذلك بسبب مبدأ القدم.
ولم تفرض قيود رسمية فيما يتعلق بالعضوية في طريقة ليس لها قدم في المنطقة التي يعيش فيها العضو، إلا أن هذه الممارسة لم تكن شائعة؛ نظرًا لأنه في هذا الوضع تكون العلاقة ما بين المريد والخليفة لا معنى لها في نطاق إدارة الطرق، فالخليفة الذي لا تكون لطريقته قدم في المنطقة التي يسكن فيها مريده، لا يستطيع أن يتدخل نيابة عن المريد في حالات النزاع، ولا يستطيع التوسط والمطالبة بمعاملة المريد معاملة خاصة مميزة، في حالة الاحتجاز في السجن، أو في حالة إقامة دعوى ضده في المحكمة، والسبب في ذلك أن المريد لا يعتبر واقعًا في نطاق سلطانه القضائي.
وهناك عامل آخر يعوق ظهور هذا النوع من العضوية، وهو أن أعضاء الطريقة التي ليس لها حق القدم في المنطقة الخاصة بهم، لا يستطيعون ممارسة نشاطهم علنًا، اللهم إلا إذا عرضت أنشطتهم على خليفة لطريقة لها حق القدم لمراجعتها والإشراف عليها؛ وبالتالي فإن هذا الوضع كان يجعلهم معتمدين – للغاية - على خليفة لطريقة لا ينتمون إليه.
وحقيقة الأمر، أنه لم يكن بالمستطاع التسامح في أي انتهاك لحقوق القدم؛ لأنه لو حدثت حالة واحدة انتهكت فيها حقوق القدم؛ فإن هذا كان من شأنه أن يجعل رؤساء الطرق يفقدون الثقة في حماية البكري لمصالحهم المحلية؛ بل وكان سيضعف الحافز الذي يدفعهم إلى قبول سلطة البكري عليهم؛ مما قد يترتب عليه الاتجاه إلى الاستقلال عن البكري، وهذا بالتالي -إذا تم من جانب أعداد كافية- كان سيجعل من الصعب الإبقاء على حق القدم، وإذا ما تم إلغاء هذا المبدأ؛ فإنه كان سيفتح الطريق أمام تزايد أعداد الخلفاء في المناطق المختلفة؛ مما كان سيجعل السلطة لا تعتمد عليهم كأدوات في الإدارة الحكومية؛ ومن ثم فإن إدارة البكري -بالاشتراك مع الوكالات الحكومية- كانت على استعداد لاتخاذ الإجراءات الفعالة في حالة حدوث انتهاك لحق القدم، ليس فقط بسبب أن هذا يعتبر انتهاكًا لمصالحهم المشتركة، ولكن أيضًا بسبب أن النزاع بين الطرق المختلفة يعرض المسار السليم للمجتمع للخطر.
كان النزاع حول حق القدم، ينشأ عادة عندما يدخل خليفة في منطقة لا يكون لطريقته فيها حق القدم، ثم يبدأ في إعطاء العهد لأعضاء جدد، أو يقيم الحضرات، أو يشارك في الاحتفالات بالموالد الصغيرة في تلك المنطقة؛ إذ كان هذا الوضع يعتبر انتهاكًا صارخًا ، ومع ذلك فقد كان يمضي وقت طويل -قد يصل أحيانًا إلى بضع سنين- قبل أن تتخذ الإجراءات ضد الطريقة الدخيلة، التي قد تكون بمرور الوقت قد جذبت إليها عددًا كبيرًا من الأعضاء.
وقد يكون هذا التأخير ناجمًا عن التدهور الذي أصاب الطريقة التي لها حق القدم في المنطقة، عقب وفاة خليفتها المحلي، بالإضافة إلى الإهمال وعدم المبالاة من جانب السلطات المحلية بهذا الأمر، وإحياء الطريقة التي تردت إلى هذا المستوى كان يسير جنبًا إلى جنب، مع المطالبة بحق القدم وبذل الجهود الملائمة للحصول عليه، وعندما تطورت وتزايدت إدارة البكري هبطت الصراعات التي من هذا القبيل.
وكان بالمستطاع عرض هذه الصراعات على المحاكم ولكن عادة كان يتم تفضيل عرضها على مجلس يضم موظفي الطرق، وأحيانًا ما كان يعرض الأمر على مشايخ وعمد المنطقة التي ظهر فيها الصراع.
وكانت الإجراءت في المحكمة تعتمد على شهادة الشهود، كما كان مجلس المشايخ يعتمد على التحكيم، هذا بالإضافة إلى أن البكري كان يطلب الدليل والشهادة، من رؤساء الطرق الذين يدعون حق القدم في منطقة ما؛ بل وكان البكري يصدر تعليماته لأحد وكلائه في المديريات لإجراء تقص للحقائق؛ إلا أن الوكلاء لم يكن بمقدورهم أن ينفذوا بالقوة مبدأ حق القدم، وكذلك الحال بالنسبة للخلفاء المحليين؛ نظرًا لأنه لم يكن لديهم الوسائل التنفيذية التي تعينهم على تحقيق ذلك، وكان عليهم أن يتأكدوا فقط بمجرد رسوخ حقوق القدم أن كل شيء قد تم من جانب شيخ الناحية والعمدة والمأمور المحلي؛ لتنفيذ هذه الحقوق بالقوة والحفاظ عليها.
وحقيقة الأمر، أن الحفاظ على حق القدم، وبالتالي الحفاظ على سلطة البكري، والحفاظ على إدارة الطرق بأكملها كان يتوقف على التدخل الفعال، من جانب هؤلاء الموظفين الذين يمثلون الحكومة التى اعترفت بحق القدم من حيث هو أداة مفيدة للإدارة الحكومية، وبالتالي كانت الحكومة تتصرف على النحو الذي يدعم حق القدم.
كان للخلفاء -الذين هم ينحدرون من سلالة الأشراف- وضع استثنائي خاص، من حيث إنهم إذا انتهكوا حق القدم الخاص بطريقة ما، لا يتخذ أي إجراء رسمي حكومي ضدهم؛ حيث كان يشعر الجميع أن اتخاذ مثل هذا الإجراء ضدهم، يتعارض مع التبجيل الذي يحس به الناس نحوهم، وقد أدى هذا الوضع -بالإضافة إلى أن فرض القيود على سكان المناطق الريفية لم يكن منطبقًا عليهم- إلى جعل الخلفاء المنتسبين للأشراف، هم الوكلاء الجدد للطرق المختلفة.
وإذا كانت المنازعات حول القدم تتضمن أشرافًا؛ فإنه يتم إبلاغ البكري بذلك، فيبادر إلى التحقق من شرعية وصحة الادعاءات، ولكي يفعل ذلك فإنه يطلب من النقيب الإقليمي الذي يقع النزاع في منطقته أن يبحث الأمر ويعرض عليه نتيجة بحثه، فإذا ثبت صحة الادعاء فإنه يصدر تعليماته للموظفين الحكوميين المحليين؛ لكي يتخذوا الإجراءات اللازمة التي تضمن عدم إعاقة الأشراف.
وهكذا نرى أن الدور المهم الذي بدأ يلعبه الأشراف، من حيث هم وكلاء جدد كان نتيجة مباشرة لظهور مبدأ القدم؛ من حيث هو المدلول الرئيسي لإدارة البكري، وقد أدى هذا التطور إلى زيادة أهمية النقباء المحليين، وذلك بالإضافة إلى الدور الذي كانوا يقومون به فيما يتعلق بإدارة الأضرحة بالأقاليم المختلفة ؛ فأصبح لهم بذلك دور فعال في إدارة شئون الطرق، وليس أدل على هذا من أن بعض النقباء الإقليميين كانوا يشغلون منصب الوكيل في نطاق الإدارة في نفس الوقت.
ويبدو أن التوقف عن تعيين النقباء الإقليميين لفترة سنة واحدة فقط، كان له أهمية كبيرة في خلق هذا الوضع، فهؤلاء الموظفون أصبحوا يشغلون هذا المنصب لفترة أطول؛ مما أطال فترة السلطة التي تمارس من خلال شاغلي المنصب، فأدى هذا إلى زيادة التكامل مع إدارة البكري.
ولقد كانت إدارة البكري تقدم للحكومة موظفين محددي الهوية، وهم الخلفاء والنواب، وكان هؤلاء الموظفون أكثر نجاحًا من حيث التعامل الفعال مع حشود أعضاء الطرق الصوفية، طبقًا للقواعد المعمول بها في عالم التصوف من البيروقراطية الحكومية غير الكافية في ذلك الوقت.
وعلاوة على ذلك، استطاعت الحكومة السيطرة على تنظيم الاحتفالات الدينية الأخرى والموالد، من خلال هؤلاء الموظفين الذين كانوا يعتبرون مسئولين عن السلوك القويم لأولئك المشاركين في هذه الاحتفالات، بل ومسئولين عن الأداء المنظم أثناء الحضرات في هذه المناسبات وغيرها من المناسبات الأخرى؛ ولذلك يمكن القول أن إدارة البكري أصبحت مفيدة بالنسبة للحكومة؛ ومن ثم فإن المبدأ الذي ارتكزت عليه هذه الإدارة، مما جعلها تتطور وتصبح جهازًا يلبي الاحتياجات الإدارية للدولة قد اعترفت الحكومة به تمامًا، بل وقامت الحكومة عن طريق وكالاتها المختلفة بحماية هذا المبدأ، ومنع أي انتهاك له.
والحقيقة أن حق القدم كان الركن الأساسى فى إنشاء وتدعيم منصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية عندما أسند أول الأمر إلى الشيخ البكرى شيخ السجادة البكرية، ولمزيد من التوسع بخصوص هذه المسألة راجع (@مشيخة الطرق الصوفية - النشأة والتطور@)
كما أن وجود حق القدم أدى إلى حدوث ثنائية وازدواج فى عالم الطرق الصوفية، حيث ظهرت طرق صوفية عديدة لم تستطع الانضمام إلى مشيخة الطرق الصوفية بسبب خرقها لحق القدم، مما ترتب عليها بقاؤها خارج الإطار الرسمى لمشيخة الطرق الصوفية، راجع:
(@مشيخة الطرق الصوفية - الطرق الصوفية الجديدة خارج حق القدم@)
(@مشيخة الطرق الصوفية - الطرق الصوفية غير المنضمة لمشيخة الطرق@)
كما أن حق القدم تعرض للإلغاء والإسقاط فى إصلاحات سنة 1905 م ، وكان الإلغاء الرسمي لمبدأ حق القدم في عام 1905 بمثابة بداية لعهد جديد للطرق في مصر، راجع:
(@مشيخة الطرق الصوفية – النشأة والتطور @).
(@مشيخة الطرق الصوفية - اللائحة الداخلية للطرق الصوفية لعام 1905 م @).
 
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 40-50.


مشيخة الطرق الصوفية – نشأة منصب شيخ مشايخ الطرق الصوفية

لم تكن الطرق الصوفية فى مصر وحتى أواخر القرن الثالث عشر الهجرى خاضعة لتنظيم ما رسمى يشملها جميعا، ومع تولى محمد على باشا حكم مصر، وشروعه فى إعادة تنظيم شئون القطر المصرى، وإنشاء الدولة الحديثة، فقد أقال الشيخ خليل البكرى من نقابة الأشراف والسجادة البكرية ، وأسندهما إلى الشيخ محمد أبو السعود البكرى مع تكليفه بالإشراف على الطرق الصوفية (راجع: @مشيخة الطرق الصوفية - فرمان محمد على باشا بتنظيم مشيخة الطرق الصوفية 1227 هـ@).

وشيئا فشيئا تبلورت الأمور والسلطات واتجهت إدارة الطرق الصوفية نحو أن تكون مؤسسة مستقلة ، وهو ما عرف بعد ذلك بمشيخة الطرق الصوفية. ومن خلال الموضوعات المتنوعة الواردة تحت هذا الباب (مشيخة الطرق الصوفية) سيتضح تاريخ هذا المنصب وتطوره، واللوائح والتنظيمات المتعلقة به، وأهم الأحداث المؤثرة فيه.
ولمزيد من المعلومات حول الشيخ خليل البكرى ، ومن أتى بعده على مشيخة السجادة البكرية مع الإشراف على الطرق الصوفية ، راجع:
أرباب السجاجيد/ البكرية/ شيوخ السجادة:
-(@البكرية - شيوخ السجادة - خليل البكرى@)
- (@البكرية - شيوخ السجادة - محمد أبو السعود البكرى@)
- (@البكرية - شيوخ السجادة - محمد بن محمد أبى السعود البكرى@)
- (@البكرية - شيوخ السجادة - على بن محمد بن أبى السعود البكرى@)
- (@البكرية - شيوخ السجادة - عبد الباقى بن على بن محمد بن أبى السعود البكرى@)
 
مشيخة الطرق الصوفية - المحضر الخاص بتحديد مجالات السلطة لكل من شيخ السجادة البكرية محمد أفندي البكري وشيخ الأزهر إبراهيم البيجوري
 

في عام 1263 هـ/ 1847 م تم عقد اتفاق بين محمد البكري وشيخ الأزهر إبراهيم الباجوري، ترتب عليه توسيع الفجوة بين العلم والتصوف، وهي الفجوة التي خلقها فرمان عام 1812، ففي المنازعات التي تضم أعضاء في طريقة ما أو تضم أشرافًا، يكون للبكري وحده سلطة النظر في الدعاوى والفصل فيها، وأيضًا إذا كان أحد الأطراف مرتبطًا بالأزهر، ولكن إذا كان جميع أطراف النزاع ليست لهم علاقة بأية فئة من هذه الفئات، يكون المختص في الفصل في النزاع هو شيخ الأزهر أو شيخ الرواق أو المذهب للمتهم.

ووافق الباجوري أيضًا على الامتناع عن التدخل في شئون الزوايا والأضرحة ومشيخة المقارئ، والامتناع عن الاستجابة للطلبات التي تقدم له من أجل التحكيم، والتدخل في الأمور التي لها علاقة بالطرق.
ولقد حدث هذا الوضع بالفعل قبل التوقيع على هذا الاتفاق بوقت قصير، عندما وقف شيخ الأزهر مع أحد طرفي النزاع في داخل نطاق البيومية؛ حيث كان كل طرف منهما يساند مرشحًا لتولي منصب شيخ الطريقة البيومية، عقب وفاة محمد نافع شيخ هذه الطريقة.
وأخيرًا، حصل على هذا المنصب عبد الغني الملواني «1292- 1875»، وهو المرشح المفضل لدى  الجانب الذي كان يلقى التأييد والمساندة من شيخ الأزهر، ولكن النزاع والخلاف في الرأي نشأ بين شيخ الأزهر والشيخ البكري؛ حيث كان البكري يساند المرشح الآخر المنافس، ويبدو أن هذا النزاع كان هو الحافز الأساسي نحو عقد الاتفاق، ولم يكن هذا النزاع هو السبب المباشر؛ فإن هذا الاتفاق كان يهدف إلى منع تكرار مثل هذه المنازعات في المستقبل.
وكان تدخل شيخ الأزهر في قضية العنانية سنة 1886 م (راجع: @السجاجيد الشريفة - العنانية - مدخل عام@) وكذلك في قضية الشاذلية تحت قيادة الحصافى قبل ذلك بعامين تقريبًا سنة 1884 (راجع: @الشاذلية - فروعها - الحصافية الشاذلية - مدخل عام@) بمثابة خرق لاتفاقية عام 1847 .
وهذا يوحي لنا بأن هذه الاتفاقية قد أصبحت من الناحية الواقعية ملغاة كما يدل هذا على العلاقة المتغيرة التي حدثت بين إدارة الطرق وبين الوكالة الحكومية بالدولة. وهذا التغير يرجع أساسًا إلى إعادة تنظيم الإدارة الحكومية في الدولة في مطلع الاحتلال البريطاني لمصر في عام 1882 مما أعطى للإدارة الحكومية كفاءة عالية للغاية فأدى ذلك بدوره إلى تضاؤل أهمية إدارة الطرق الصوفية في مواجهة الدولة ووكالاتها ومن المؤكد أن الوكالات الحكومية قد توقفت تمامًا عن تدعيم إدارة الطرق حتى عندما كان هذا- كما هو في الحالات سالفة الذكر- التدعيم وثيق الصلة بالحفاظ على حقوق القدم.
 

نص المحضر الاتفاق بين الشيخ البكرى وشيخ الأزهر 1263 هـ/ 1847 م :

بسم الله الرحمن الرحيم. والشكر لله العظيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين. ففي يوم الأحد المبارك الموافق 19 شعبان من عام 1263 تم عقد اجتماع عند الشيخ الأعظم السيد: البكري نقيب الأشراف الحالي وحضر هذا الاجتماع كل من: شيخ الإسلام الشيخ إبراهيم البيجوري، وصاحب المعالي فخر العلماء شيخ المالكية محمد حبشي، وصاحب المعالي الواسع المعرفة الشيخ محمد التميمي المغربي، والشيخ المبجل الشهير الشيخ عثمان السادي، والشيخ العلامة علي خليفة، وصاحب المعالي الشيخ أحمد مينا.
وقد تم الاتفاق بين هؤلاء جميعًا وبين صاحب المعالي الشيخ إبراهيم البيجوري سالف الذكر قبل قراءة الفرمان السامي بتعيينه على مسجد الأزهر على أنه في أفضل حالة وفي أحسن درجات النضج والكمال التي يتطلبها منصب شيخ الأزهر بما يتمشى مع موقف السلف، وأن ذلك سيكون متمشيًا مع المباديء المعروفة للجميع ومتوافقًا مع كافة السلطات وبدون إعاقة للشئون التي لا تدخل ضمن اختصاصات مسجد الأزهر مثل تلك المتعلقة بالزوايا والفقراء (أي أعضاء الطرق الصوفية) الذين يخضعون لسلطة حضرة صاحب السعادة السيد/ البكري مثال ذلك قراءة القرآن في الزوايا ومشيخة المقاريء ومكاتب المشرفين على الأضرحة (خلافات الأضرحة) مثل تلك الخاصة بالسيد/ البدوي ورؤساء الطرق، فينبغي عليه أن يحولها إلى القاضي الخاص بها سالف الذكر، فهو الذي يتوسط ويصدر الحكم طبقًا للمباديء سالفة الذكر. أما البت في الأمور الهامة فينبغي أن يتم بعد استشارة رؤساء الأزهر. أما الحالات المتعلقة بالطلبة (المجاورون) فإنها تحال إلى مشايخ أروقتهم أو تحال إلى شيخ المالكية إذا كان الطالب مالكيًّا أو إلى شيخ الحنفية إذا كان الطالب حنفيًّا أو تحال إلى شيخ الشافعية إذا كان الطالب شافعيًّا طبقًا للمباديء التي صدر بها قرار من الديوان وذلك حتى يشعر كل فرد بالاطمئنان والتحرر من القلق طالما أن أحدًا لن يتعدى على آخر. وينبغي عليه أن يعطي اهتمامًا كبيرًا بكل ما هو متعلق بمصالح المسجد و«المشدون» والعساكر والقائمين على خدمة الطلبة (المجاورون). فلا أحد من هؤلاء سيستمر في عمله إلا إذا كان صالحًا لتأدية هذه الخدمة المحترمة وعلى النحو الذي تنشده السلطة المشرفة، وذلك لكي لا يقترب من سيادته سوى أناس يتميزون بالكمال والمعرفة والتقوى.
ويرفع الحاضرون في هذا الاجتماع هذا البيان المتعلق بسيادة إبراهيم البيجوري إلى السيد نائب الوالي على مصر أدام الله مجده للأبد. وهم يقرون بما ورد في هذا المحضر فيما يتعلق بكمال المعرفة والعمل الصالح والتقوى والنضج، وقد أكد فضيلة الشيخ بأنه ملتزم بكل ما ورد في هذا البيان ونسأل الله أن يوفقه ويوفقنا جميعًا إلى ما فيه الخير ببركة سيدنا أبي بكر الصديق وسيدنا الإمام الشافعي وببركة جميع أولئك المنتمين لبيت النبي ×.
 
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص29-30، 102 - 104 ، 190-193.


مشيخة الطرق الصوفية – خلفاء الطرق
 

نظرًا لأن المشاركة في الموالد، وفي المواكب التي تقام في الاحتفالات الإسلامية، وفي الحضرات التي تقام في الأماكن العامة -أصبحت لا يمكن أن تتم إلا تحت قيادة خليفة لطريقة لها حق القدم، وبحيث يكون هذا الخليفة معتمدًا رسميًّا من جانب البكري؛ فإن الأعضاء الراغبين في الانضمام إلى طريقة ما، كانوا يضعون في اعتبارهم -بالتأكيد- ما إذا كانت الطريقة لها حق القدم من عدمه، فإذا لم تكن الطريقة لها حق القدم، تصبح عوامل الترغيب في الانضمام إليها ضئيلة.

وفي حالة أولئك الذين يتطلعون إلى الوصول إلى منصب القيادة المحلية، على طريقة ما نجد أن الإجراء المتبع عادة، هو أن يحاول الشخص الطموح الراغب في المنصب الحصول على تعيينه خليفة، على طريقة يكون رئيسها معترفًا بسلطة البكري، وتكون للطريقة حق القدم في المنطقة التي يسكن فيها هذا الشخص الطموح؛ نظرًا لأن هذا من شأنه أن يؤهله لكل الحقوق التي يتضمنها «القدم»؛ وبالتالي فهو يقدم الشروط السابقة التي لا غنى عنها لتحقيق آماله بنجاح.
وكان تعيين الخلفاء يتم عن طريق رئيس الطريقة، وكانت الطلبات للحصول على تعيين رسمي يكتبها أعضاء الطريقة، ويرفعونها لرئيس النظام أو للبكري، وما إن يصدر قرار بالتعيين، حتى يتم التصديق عليه من جانب البكري، الذي لا يقوم بالتصديق النهائي إلا إذا كان لديه الدليل على أن قانونية السلطة الممنوحة لن تظل غير فعالة بسبب عدم الشرعية، فإذا ما تم تعيين أي شخص بما يتناقض مع رغبة أولئك الذين يمارس سلطانة عليهم، وتم بالفعل قبول هذا التعيين من جانب رئيس الطريقة؛ فإنه يمكن للأعضاء الاحتجاج لدى البكري؛ وعندئذ يقوم البكري -بالتالي- بإصدار أوامره للوكيل التابع له؛ لكي يقوم بالتقص بين جماهير الناس، والتوصل إلى إيجاد تسوية وحل للمشكلة.
وإذا كان رئيس الطريقة ينوي تعيين خليفة في منطقة لا يوجد بها مثل هذا الموظف من قبل، أو إذا أراد أن يعين موظفًا إضافيًّا في منطقة يوجد بها خليفة له بالفعل؛ فإنه يتعين عليه أن يحصل مقدمًا على تصريح من البكري.
وفي الحالة الأولى: يتم مراجعة وفحص حقوق القدم الممكنة للطرق الأخرى في المنطقة.
وفي الحالة الثانية: تكون الرغبة الإدارية في تعيين خليفة إضافي، هي التي يتم فحصها بكل دقة، ولكن لا يتم التصديق على التعيين بمعرفة البكري إلا إذا اتضح أنه قد حدث توسع جوهري في عدد الأعضاء، بما يبرر بأن مركز السلطة الجديدة سيؤدي عمله على خير وجه، بدون أن يعرض مركز الخلفاء الآخرين في المنطقة للخطر، عن طريق سحب الأعضاء منهم.
وهؤلاء الخلفاء -قبل التصديق عليهم كخلفاء، في نطاق إدارة البكري- كانوا خلفاء بالفعل بطريقة مختلفة، وكان ذلك بمقتضى حملهم للإجازة -وهو أمر كان شائعًا بين الطرق لعدة قرون- التي كانت تصدر لهم عن طريق مرشدهم الروحي، والتي كانت تخول لهم الحق في إعطاء العهد للداخلين حديثًا في الطريقة وإرشادهم، وأولئك -الذين كانوا خلفاء في إطار هذا المعنى الأخير- قد وقعوا تمامًا تحت السلطان القضائي لأولئك الذين كانو خلفاء أولًا في نطاق إدارة البكري.
وامتلاك الإجازة كان يمثل دليلًا ساطعًا على أن الشخص الذي يمتلكها هو إنسان صاحب مقام ديني رفيع  الشأن، وكان هذا من شأنه أن يعطيه -أحيانًا- حقوقًا متميزة؛ مثل: الاستثناء من الخدمة العسكرية، ومن الانخراط في أعمال السخرة، ومن القيود التي تفرض على السفر والتنقلات، وهي أمور تفرض على السكان الريفيين، كما كان يستثنى من دفع الضرائب، وفي حالة التحاقه بالجيش كان يلقى معاملة خاصة؛ ولهذا السبب، فليس من المدهش أن تنتشر التجارة في الإجازات، ومما زاد من قيمتها التجارية أنها كانت تعطي لحاملها حقوقًا وامتيازات تفوق كثيرًا الحقوق والامتيازات التي تمنحها الحكومة؛ ولذلك نجد أن البكري وكذلك رؤساء الطرق، قد اتخذوا من وقت لآخر الإجراءات لمواجهة هذه الظاهرة، وذلك عن طريق الحد من فئة أولئك الذين قد تصدر لهم الإجازات، وعن طريق فرض القواعد والشروط فيما يتعلق بمحتويات ومضامين الإجازات.
ومنذ ذلك الوقت تقريبًا، أصبحت الإجازة لا تكسب صفة الصلاحية إلا بعد أن يتم فحص محتوياتها ومضامينها، ومدى توافقها مع تلك القواعد، وذلك عن طريق رؤساء الطرق الذين يقومون باعتمادها، بالإضافة إلى اعتمادها من الخلفاء الذين أصدروا هذه الوثائق، بمعنى التوقيع عليها بإمضاءاتهم أو بأختامهم.
إلا أن الهيبة والنفوذ المرتبط بمنصب الخليفة، لم يكن متوقفًا فقط على كون هذا المنصب جزءًا لا يتجزأ من الإدارة؛ إذ كان يمثل مهنة أو وظيفة لعدد من الخلفاء، الذين يندرجون تحت طريقة ما في منطقة معينة، والذين يلقون التبجيل والاحترام الكافي من أتباع الطريقة، وكان عليهم أن يساعدوهم في تأدية واجباتهم.
ولأن شاغلي منصب النقيب -بالإضافة إلى عملهم كضابط اتصال ما بين رئيس الطريقة وبين الخلفاء المحليين- كان عليهم أن يشرفوا على إنجاز الخلفاء لأعمالهم، ويتأكدوا من أن الأعمال تتم بطريقة سليمة؛ فإن شرعية السلطة لم تكن مستمدة من الاعتراف من جانب الأعضاء العاديين ، وإنما مستمدة أساسًا من الحقيقة التى مفادها أن خلفاء الطريقة في منطقة ما قد قبلوا شخصًا معينًا كنقيب عليهم.
وتواجد نقيب في أي منطقة كان يتوقف تمامًا على ما إذا كانت الطريقة قد اعترفت رسميًّا بالخلفاء في تلك المنطقة من عدمه، ويكون الوضع على ذلك النحو عندما يكون للطريقة حق القدم؛ ولذلك فإن تواجد وظيفة النقيب كان يرجع إلى مدى أهمية مبدأ حق القدم بالنسبة للإرادة؛ ومن ثم فإن شرعية النواب- تمامًا مثل شرعية الخلفاء- تعبيرًا عن التوافق مع مبدأ حق القدم، وبالتالي كانت تأكيدًا وتعزيزًا لشرعية الجهاز الإداري بأكمله. (راجع: @مشيخة الطرق الصوفية وحق القدم@).
ونظرًا لأن جميع الخلفاء والنواب كانوا مدينين بمراكز سلطاتهم إلى الحقيقة -التي مفادها أن مبدأ القدم قد أصبح هو المبدأ الرئيسي في كيان الإدارة- فقد كان لديهم كل الأسباب التي تجعلهم يذعنون للعلاقة التي تربط رئيس طريقهم بالبكري، والتي تجعله تابعًا للبكري، وهذا يعني الاعتراف بسلطة البكري.
ونظرًا لأن أي شخص معترف بسلطة البكري، يعتبر في نفس الوقت معترفًا بمبدأ القدم، وبالتالي بشرعية مبدأ القدم؛ فإن التبعية الاختيارية لرئيس الطريقة كانت تعني أيضًا التمسك بهذا المبدأ.
إن الصلة الوثيقة بين إدارة البكري والحكومة قد جعلت مندوبيها يهتمون اهتمامًا كبيرًا بضرورة أن تتم أعمالها على خير وجه. ولذلك كان من المهم للغاية أن تبقى المناصب المختلفة مشغولة بالكفاءات من الناس وفعالة. ولذلك فإنه إذا أهمل موظف في طريقة واجباته أو إذا ظل منصب الخليفة أو منصب النقيب غير مشغول لبعض الوقت ولم يتقدم المريدون بطلبات لتعيين موظف جديد فإن المندوبين الحكوميين- وخاصة المحافظ الإقليمي والقاضي المحلي- كانوا يبادرون إلى عمل ذلك. إلا أن هذا نادرًا ما كان يحدث وخاصة فيما يتعلق بمنصب الخليفة؛ لأن خلو  منصب الخليفة يؤدي إلى فرض قيود كبيرة على أنشطة المريدين. ولذلك كان من صالحهم المسارعة إلى التقدم بطلب لتعيين خليفة جديد لهم.
لكن خلو منصب الخليفة كان له تأثير ضئيل على أعمال الطريقة على مستوى الروتين الأسبوعي نظرًا لأن الحضرات التي تقام أسبوعيًا لا تتطلب بالضرورة أن تقام علنًا سواء في مسجد أو في أرض  فضاء وإنما يمكن أن تعقد في منازل خاصة حيث لا يتطلب الأمر حضور الخليفة. إلا أن عدم وجود خليفة أثناء الموالد تنجم عنه تعقيدات خطيرة لأن الموالد هي أهم الأنشطة التي تمارسها الطرق الصوفية.
 
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 44- 55.


مشيخة الطرق الصوفية - بداية الجهود الرسمية للإصلاح

يرى بعض المؤرخين للطرق الصوفية ، ونشأة مشيخة الطرق الصوفية أن الإصلاح من وجهة نظر الخديوي سعيد ومن خلفه يشتمل على تحديد عام للأنشطة الجماهيرية التي تقوم بها الطرق بالإضافة إلى القضاء على بعض الممارسات الطقوسية الدرامية التي تصيب الناس بالدهشة والذهول مثل «الدوسة» التي يقوم بها السعدية ومثل أنواع تشويه الذات الذي يتم أثناء الحضرات بمعرفة الرفاعية والعيسوية على سبيل المثال. ولكن القضاء على هذه الممارسات كان من شأنه حرمان الطرق وبالتالي حرمان الأعضاء المنتمين للطرق من جزء من هويتهم. ونظرًا لأن الأعضاء المنتمين للطرق الصوفية كانوا يصلون إلى أقصى درجات  تحقيق الذات لهم ولطرقهم الصوفية أثناء الاشتراك في الاحتفالات والمناسبات المختلفة فإن فرض القيود على الظهور أمام الجماهير كان أقرب ما يكون إلى الحرمان العام من ممارسة نشاطهم.

بل إن هذا الإصلاح كان سيؤثر على الوضع الاجتماعي للطرق ويقلل من نفوذها مما يؤثر بالتالي على مركز الشيخ علي البكري (للتوسع راجع: @ 04- البكرية - شيوخ السجادة - على بن محمد بن أبى السعود البكرى @) الذى أسند إليه الإشراف على الطرق الصوفية بعد وفاة والده، ولذلك لم يظهر الشيخ علي البكري الاهتمام والحماس نحو هذه المطالب. إلا أنه من وقت لآخر كان يشعر أنه مضطر لاتخاذ إجراءات تمشى مع رغبات الخديوي خاصة عندما تنقد الصحافة بعض الأمور التي تتم في أثناء الحضرات مثل أكل الثعابين وتشويه الذات. وفي مثل هذه الحالة فإن البكري إذا التزم بعدم الاهتمام فإن هذا يعود عليه بالمزيد من عدم الثقة من خارج نطاق عالم الطرق الصوفية ، وإذا قام بإجراءات مشددة ومعاقبة بعض موظفي الطرق المتورطين في مثل هذه الأعمال فإن هذا يعود عليه بعدم الثقة في داخل نطاق الطرق الصوفية. وقد حدث هذا على سبيل المثال في عام 1880 عندما نشرت الجريدة اليومية «المحروسة» التي تصدر في الإسكندرية وصفًا لاحتفالات إحدى الموالد بتلك المدينة. ففي هذه المناسبة طعن الناس أنفسهم بأسياخ من الحديد أثناء الحضرة. وما أن جذبت هذه الجريدة انتباه عدد كبير من الجماهير العريضة إلى هذه الأحداث حتى اضطر البكري إلى اتخاذ بعض الإجراءات. وطلب من محافظ الإسكندرية أن يحضر مجلسًا يتكون من موظفي الطريقة ووكيل البكري. وقام هذا المجلس ببحث ادعاءات الجريدة ومعاقبة أولئك الذين شاركوا في الأنشطة التي انتقدتها الجريدة في حضور القاضي ومفتي المدينة إلا أن العقاب الوحيد المطلوب كان مجرد إبداء التوبة والندم أمام أعضاء المجلس والقسم على عدم العودة إلى مثل هذه الأعمال مستقبلًا.
والحالات المماثلة لهذه الحالة كانت قليلة ويبدو أن الهدف الرئيسي من ورائها هو مجرد تظاهر البكري بأنه يقبل رغبة الخديوي في إصلاح الطرق الصوفية ويهتم بتنفيذ هذا الإصلاح.
وكان الخديوي نفسه يشعر بعدم الحرية في اتخاذ المزيد من الإجراءت الحاسمة بسبب قوة شخصية الشيخ علي البكري ومركزه القوي ولذلك اعتبر هذه الإجراءات التي تتم من وقت لآخر غير كافية لمواجهة الإصلاح .
كما كان لدعوات رجال الإصلاح الإسلامى من أجل إصلاح الطرق الصوفية، ومحاربة ما انتشر فيها من بدع وخرافات أثره الواضح على الشيخ محمد توفيق البكرى عندما أصدر اللائحة الداخلية الطرق الصوفية لعام 1905 م، وهو ما تناوله بالتحليل عندما تناول هذه اللائحة ، راجع: (@مشيخة الطرق الصوفية - اللائحة الداخلية الطرق الصوفية لعام 1905 م@).
 
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 90-91.



مشيخة الطرق الصوفية - الطرق الصوفية غير المنضمة لمشيخة الطرق
 

كان هناك طائفة من رؤساء الطرق التي لها طابع الجمعيات، والتي لم يكن لهم أية حقوق في الحصول على الرواتب والمعاشات والمكافآت، ولم يكن لهم الحق في الإشراف على المخصصات بصفتهم رؤساء للطرق؛ فكان من الواضح أنهم ليسوا بحاجة لوساطة البكري؛ ولذلك لم يكن هناك سبب يدعوهم للاعتراف بسلطته عليهم، وامتنعوا عن الارتباط مع الإدارة التنفيذية للطرق، وظهر من بينهم ممثلون عن جماعات الميرغنية والصاوية، وبعض جماعات الشاذلية والخلواتية.

والغالبية العظمى من هذه الطرق، قد أصبحت نشيطة وفعالة في مصر مؤخرًا، وكانت متمركزة في القاهرة والإسكندرية، ونتيجة لذلك كان رؤساء هذه الجماعات في وضع أفضل؛ من حيث تمكنهم من السيطرة على الصراعات التي تؤثر على الطرق الخاصة بهم، مما كان يحول دون تدخل البكري في شئونهم.
لذلك نجد أن تواجد هذه المجموعة، وتواجد نظائرهم كأرباب السجاجيد ممن لهم هذه الروابط الرسمية، قد أدى إلى ظهور انقسام في عالم الطرق في مصر؛ فظل هذا الانقسام هو الطابع الرئيسي المميز للبناء الأساسي للطرق في مصر.
إلا أن محمد توفيق البكرى تمكن فى تعديلات 1903 م (راجع: @ مشيخة الطرق الصوفية - لائحة الطرق الصوفية المعدلة لعام 1903 م @) من إدخال إضافتين كبيرتين على هذه التنظيمات الجديدة. الإضافة الأولى (المادة رقم13) تنص على أن أي عضو في طريقة سواء أكان مريدًا أو خليفة أو موظفًا كبيرًا له الحق في اللجوء إلى المجلس الصوفي في حالة اعتراضه على القرارات التي أصدرها شيخ طريقته. فتخفيض السلطة الداخلية لمشايخ الطرق كان يؤدي حتما إلى تزايد سلطة البكرى حيث كان هذا يفتح الطريق أمام تدخله المباشر في الشئون الداخلية للطرق المختلفة.
أما الإضافة الثانية (المادة رقم5) فقد نصت على أن جميع القرارات الصادرة عن المجلس الصوفي تنطبق على أي شخص أو أي جماعة تعمل بأية وسيلة تحت اسم التصوف. إذ أعطى هذا النص أساسًا قانونيًا لممارسة السلطة على أولئك الذين ينتمون لطرق غير معترف بها رسميًا بدون تغيير وضع هذه الطرق.
والطرق الواقعة في نطاق هذه النوعية كانت تشمل العديد من فروع النقشبندية والشاذلية والخلواتية بالإضافة إلى التيجانية والسنوسية.
ولهذا فقد كان هناك العديد من الطرق التى ظلت متواجدة ولها أتباعها ومريدوها ، دون أن تنضم إلى مشيخة الطرق الصوفية، وظلت تعمل بعيدا عن سلطة البكرية، راجع :
- الطريقة النقشبندية ، (@النقشبندية - مدخل عام - الوضع العام لها فى مصر فى القرن 13 هـ@)
-  (@الشاذلية - فروعها - القادرية المدنية الشاذلية@)
- (@الشاذلية - فروعها - الوفائية الفاسية الشاذلية@)
- (@الخلوتية - فروعها - الصاوية الخلوتية@)
- (@الخلوتية - فروعها - العمرانية الخلوتية@)
- (@الخلوتية - فروعها - القاياتية الخلوتية@)
- (@الخلوتية - فروعها - الشرقاوية الخلوتية@)
- (@الخلوتية - فروعها - الجودية الخلوتية@)
- (@الخلوتية - فروعها - السباعية الخلوتية@)
- (@التيجانية - مدخل عام@)
- (@السنوسية - مدخل عام@)
وكان أحد أهم أسباب تواجد هذه الطرق خارج نطاق مشيخة الطرق الصوفية هو خروجها عن حق القدم، راجع الموضوعات التالية :
(@مشيخة الطرق الصوفية - حق القدم@)
(@مشيخة الطرق الصوفية - الطرق الصوفية الجديدة خارج حق القدم@)
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 34-35، 141.

مشيخة الطرق الصوفية - الطرق الصوفية الجديدة خارج حق القدم
 

مشيخة الطرق الصوفية

مشيخة الطرق الصوفية - الطرق الصوفية الجديدة خارج حق القدم

 
إن محاولات الاستقلال من جانب الجماعات التي تطورت إلى طريقة متميزة في  داخل الطرق المتحدة في نطاق إدارة البكرى بالإضافة إلى أية حركات انفصالية كان يتم دائمًا فحصها ودراستها ومراجعتها عن طريقة مبدأ حق القدم ؛ نظرًا لأن هذه المجموعات من حيث هى طرق مستقلة لم يكن لها هذا الحق ، وبالتالي لم يكن بمقدورها أن تظهر نفسها كطرق مستقلة. (راجع بخصوص حق القدم : @مشيخة الطرق الصوفية وحق القدم@).
إلا أن عدم المحافظة على حقوق القدم قد سمح لعدد من هذه الطرق الصوفية بأن تنفصل وتعلن عن نفسها كطرق مستقلة بحكم حقوقها الشخصية. وهناك الجماعات التي سلكت هذا المسلك وأصبحت بالفعل طرقًا مستقلة من الناحية الواقعية عندما قام البكرى بالتصديق على رئيس لكل طريقة من هذه الطرق، ومن هذه الطرق الجديدة التى نالت اعتراف البكرى:
- الضيفية (راجع: @الطرق الصوفية - الخلوتية - فروعها - الضيفية الخلوتية@)
المسلمية (راجع: @الطرق الصوفية - الخلوتية - فروعها - المسلمية الخلوتية@)
- الشرنوبية (راجع: @الطرق الصوفية - البرهامية - فروعها - الشرنوبية البرهامية@)
- الشهاوية (راجع: @الطرق الصوفية - البرهامية - فروعها - الشهاوية البرهامية@)
هذا بخلاف الطرق التى التمست سبلا أخرى للاعتراف بها خارج مؤسسة البكرى، كما وقع فى قضية الطريقة العنانية (راجع: @السجاجيد الشريفة - العنانية - مدخل عام@).
وكما وقع فى قضية الشيخ حسانين الحصافى (راجع: @الطرق الصوفية - الشاذلية - فروعها - الحصافية الشاذلية@).
وحقيقة أن رؤساء الطرق  السابق ذكرها باستثناء الحصافية والعنانية قد توسلوا جميعًا وحصلوا على قانونية المنصب من البكرى لم يكن يعني أنهم وافقوا على الإصلاحات على النحو المبين في المنشور الدورى الذي أصدره البكرى ، أو أنهم كانوا على استعداد لتنفيذ ما ورد به من تعليمات.
فعلى العكس من ذلك نجد أن الطرق الخاصة بهم وكذلك الطرق التي شاركت في الإدارة على مدى عقود من الزمان قد تجنبت القيود ، وتهربت من الشروط والاشتراطات الواردة بالمنشور بقدر الإمكان ، وكانوا يميلون جميعًا إلى التميز والاستقلالية التامة.
وقد أدى هذا الوضع إلى التدهور في شرعية سلطة البكرى ومما زاد الأمر سوءا أن البكرى لم يحافظ على وحدة بعض الطرق الكبيرة وإنما كان يعمل ضد مصالحها مما أدى بالتالي إلى تعاظم التوتر بينه وبين رؤساء هذه الطرق.
وانظر أيضا موضوع : (@مشيخة الطرق الصوفية - الطرق الصوفية غير المنضمة لمشيخة الطرق@)
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 114، 117.

قائمة بشيوخ السجادة البكرية حتى عام (1329 هـ / 1911م)
تحت عنوان (السجاجيد الشريفة – السجادة البكرية مدخل عام) تكلمنا عن نشأة السجادة البكرية، وسنذكر هنا قائمة بأسماء من تولوا مشيخة هذه السجادة الشريفة فى الفترة من (952 هـ  / 1545 - 1546 م) إلى (1329 هـ / 1911م).

1- أبو الحسن منصور البكرى

في عام 952 هـ (1545/1546 م) وقبل ذلك التاريخ.

2- أبو المكارم محمد شمس الدين أبيض الوجه البكرى

من عام 952 إلى 14 صفر 994 هـ (من 1545/1546 إلى 4 فبراير 1586م).

3- أبو السرور بن محمد بن علي البكرى

من ؟- إلى 1007 هـ (1598-1599 م).

4- أبو المواهب بن محمد بن علي البكرى

من 1007 إلى 17 شوال 1037 هـ (1598/9 إلى 20 يونيو 1628م).

5- أحمد بن أبي السرور زين العابدين البكرى

من ؟- إلى 12 ربيع الأول 1087 هـ (25 مايو 1676 م).

6- أبو المواهب بن محمد أبو السرور البكرى

من ؟- إلى 1125 هـ (1713 م).

7- أحمد بن عبد المنعم البكرى

من ؟- 1153 هـ (1740/1741م).

8- محمد بن أحمد البكرى

من 1153 إلى 1171 م (1740/1741 إلى 1757/1758 م).

9- محمد بن عبد المنعم بن أحمد البكرى

حوالي 1176 هـ (1762/1763م).

10- أحمد بن محمود بن أحمد البكرى

12 ربيع الثاني 1195 هـ (7 ابريل 1781 م).

11- محمد البكري الكبير البكرى

من 18 ربيع الثاني 1195 إلى 10 شعبان 1196 هـ (13 إبريل 1781- 31 يوليو 1782 م).

12- محمد البكري الصغير البكرى

من 1196 إلى 18 ربيع الثاني 1208 هـ (1782 إلى 23 نوفمبر 1793 م).

13- خليل بن محمد البكري البكرى

من 1 جمادي الأول 1208 إلى ذي القعدة 1216 (ديسمبر 1793 إلى فبراير 1802 م).

14- محمد أبو السعود البكرى

من ذي القعدة 1216 إلى آخر شوال 1227 هـ (فبراير 1802 إلى نوفمبر 1812 م).

15- محمد أفندي بن محمد أبى السعود البكرى

نهاية شوال 1227 إلى 17 رجب 1271 هـ (نوفمبر 1812 إلى 5 ابريل 1855 م).

16- على بن محمد البكرى

من 25 رجب 1271 إلى 17 ذي القعدة 1297 هـ (13 إبريل 1855 إلى 12 أكتوبر 1880 م).

17- عبد الباقي البكرى

من 23 ذي القعدة 1297 إلى 19 جمادي الثاني 1309 هـ (27 أكتوبر 1880 إلى 21 ديسمبر 1891 م).

18- محمد توفيق البكرى

من جمادي الثاني 1309 إلى أوائل عام 1329 هـ (ديسمبر 1891 إلى أوائل عام 1911 م).
المرجع : فريد عبد الرحمن دي يونج، تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ترجمة: عبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب،  1995م، ص 228- 230.