أسباب وظروف إنشاء مشيخة مشايخ الطرق الصوفيا
كان نتيجة لكثرة الطرق الصوفية في مصر، وانتشارها الواسع، وتأثيرها الكبير على جموع الفلاحين والحرفيين، أن أصدر محمد على باشا – لضمان إحكام السيطرة عليها – فرمانًا رسميًّا سنة (1227هـ/1812م) بتولي السيد محمد البكرى زعامة كافة الطرق الصوفية، بالإضافة إلى نقابة الأشراف، وهو القرار الذي صدر في إطار تحديث دولته من جهة، ولضمان عدم وقوع هذه الطرق تحت تأثير الزعامات الدينية والمتمثلة في الأزهر الشريف ورجاله، والتي أبعدها محمد على عن دائرة التأثير في الحياة العامة([1]) .
ولعله بهذا الإبعاد كان يريد إحداث الموازنة من خلال إشراك الطرق الصوفية مع الأزهر الشريف الذي نفى زعامته في مطلع القرن التاسع عشر، ولعل هذا هو السبب الذي جعل أهمية التصوف – منذ ذلك الوقت فصاعدا – تقل من حيث هو فرع من فروع المعرفة التي تدرس بالأزهر الشريف، فتحول الأخير إلى قلعة قويمة تقليدية ومركز للمعارضة ضد أولئك الذين ينشُرون المفاهيم الصوفية الإسلامية، فقام بدوره في تجميد وتحجير التصوف الإسلامي في رحابه.
وقد تضمن فرمان محمد على باشا فقرة صريحة وواضحة عن بسط نفوذ محمد البكرى شيخ السجادة البكرية على الطرق الصوفية في جميع أرجاء مصر بل وعلى جميع التكايا والزوايا والأضرحة طبقًا : " للقرار القانوني الصادر له، فقد مُنحت له السلطة على المشيخة وسجادة السادة البكرية طبقًا لتقاليد أجداده بني الصديق، وكل ما يتعلق بهم، وعليه أن يتخذ القرارات بين الفقراء ( أي أعضاء الطرق الصوفية ) بما يتمشى مع قوانينهم القديمة وعاداتهم وقواعدهم وأحكامهم السليمة "([2]).
ثم قام الخديوي سعيد بعد وفاة محمد البكرى (ت1271هـ/1855م) بتعيين ابنه "علي " في منصبي شيخ السجادة البكرية ونقابة الأشراف، بالإضافة إلى سلطته على الطرق الصوفية، والتي ارتبطت يومئذ بما يسمى بـ (حق القدم) ، وهو: " الحق المقصود على طريقة ما في الدعوى لنفسها بين الانتشار بين الناس والظهور علنًا في منطقة معينة إذا ما أمكن البرهنة على أنها أول من قامت بهذا الإجراء ".
ومبدأ حق القدم هو الذي جعل رؤساء الطرق الصوفية مضطرين للاعتماد على "علي البكرى " والانضواء تحت سلطته طالما أرادوا لطرقهم ولأنفسهم كرؤساء على هذه الطرق الاستمرار والبقاء، غير أن هذا المبدأ ألغي رسميًّا في سنة 1905م.
ثم عيَّن الخديوي توفيق بعد وفاة علي البكرى (ت1298هـ/1880م) ابنه "عبدالباقي" على نفس مناصبه، والذي أصدر مجموعة من القوانين والتنظيمات بلغت تسعًا وعشرين مادة، تتعلق بالشعائر الدينية والشئون الداخلية لرؤساء الطرق، محاولاً إصلاح حال الطرق الصوفية حينئذ، فنذكر منها على سبيل المثال :
المادة 2 : يمنع منعًا باتًّا إقامة المعارض والاحتفالات في المدن والقرى بدون الحصول على تصريح من شيخ السجادة البكرية .
المادة 3 : يمنع منعًا باتًّا استخدام السيوف وأكل الفحم الحي والثعابين والزجاج.
المادة 11: ليس من حق أي شيخ إيقاف أي نائب من نوابه بدون أن يعرض علينا الدافع والمبررات لذلك.
المادة 23 : تلغى اعتبارًا من اليوم " الدوسات " في جميع المعارض والاحتفالات.
المادة 26 : حلقات الذكر التي تقيمها الشاذلية يجب أن تسير على نفس المبادئ التي تسير عليها حلقات الذكر الأخرى، وهو ما دفع معظم رؤساء الطرق والتكايا أن يميلوا إلى الاستقلالية والاكتفاء الذاتي عن إدارة عبد الباقي مما أدَّى إلى تدهور سلطة شيخ السجادة البكرية، وهو أمر يمكن وصفه بأنه أزمة في السلطة كما قال فريد دي يونج([3]) .
وفي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وتحديدًا في سنة (1310هـ/1892م) يُعين السيد محمد توفيق البكرى شيخًا لمشايخ الطرق الصوفية، وشيخًا للسجادة البكرية، ونقيبًا للأشراف بأمر من الخديوي عباس حلمي الثاني.
(1) زكريا سليمان بيومي: الطرق الصوفية بين الساسة والسياسة في مصر المعاصرة، ص 153، ط1، 1410هـ/1990م، دار الصحوة للنشر، القاهرة.
(2) فريد دي يونج: تاريخ الطرق الصوفية في مصر، ص 190.
(3) فريد دي يونج: تاريخ الطرق الصوفية في مصر، ص 122.
المصدر: مصطفى فهمي: رسالة دكتوراه-كلية دار العلوم-جامعة القاهرة
http://kenanaonline.com/users/Dr-mostafafahmy/topics/92887/posts/279686