بدايات الطرق الصوفية في مصر وأهم مصطلحاتها
الرجوع إلى قائمة المقالات
يكاد يتفق القول على أن الصوفية المصريين معتدلون في تصوفهم، بسبب بعدهم عن العناصر الأجنبية التي لا تتفق وروح الإسلام، فقد جمع بين صوفية الطرق(1)المصريين جميعًا طابعٌ خاص هو العناية بالجانب العملي الخلقي من التصوف أكثر من العناية بالخوض في المسائل النظرية الصوفية الفلسفية.
يتضح ذلك منذ أول تنظيم رسمي للصوفية في مصر، والذي يرجع تاريخه – كما سبق - إلى صلاح الدين الأيوبي، الذي أنشأ أول خانقاه، سميت بسعيد السعداء، وكانت تعرف بدويرة الصوفية بالقاهرة، وقد جعلها لإقامة الصوفية الوافدين إلى مصر، وذلك في سنة (569هـ/1173م )، ولقب شيخ هذه الخانقاه بشيخ الشيوخ، وكان سكانها من الصوفية يعرفون بالعلم والصلاح وترجى بركتهم.
وفي هذا العصر انتشر المذهب السني، وانحسر المذهب الشيعي، ثم قامت في العصر المملوكي الخانقاوات الكثيرة، وكان أبرزها خانقاه سرياقوس، والتي أسسها الناصر محمد بن قلاوون سنة (725هـ/1324م ) وصار شيخها معتبرًا في درجة شيخ خانقاه سعيد السعداء، كما انتشرت المدارس الصوفية، كالتي قامت في القاهرة واستوعبت كل من وفد إليها من صوفية المشرق الإسلامي، وكالتي قامت في صعيد مصر، وأسسها الشيخ عبد الرحيم القنائي ( ت592هـ/1195م ) ثم خلفه عليها الصوفي المصري أبو الحسن الصباغ ( ت613هـ/1216م )، كما كانت هناك مدرسة الإسكندرية التي وفد إليها من العراق الشيخ الواسطي وأقام بها وبشَّر بالطريقة الرفاعية سنة (630هـ/1232م).
وممن وفد إلى مدرسة الإسكندرية السيد أحمد البدوي ( ت675هـ/1276م ) مؤسس الطريقة الأحمدية، ثم أقام بطنطا بعد ذلك، كما استوطن بها الشيخ أبو الحسن الشاذلي (ت656هـ/1258م) مؤسس الطريقة الشاذلية ومعه جملة من تلاميذه ومريديه، ثم قام على الطريقة من بعده أبو العباس المرسي (ت686هـ/1287م) ثم من بعده الصوفي المصري ابن عطاء الله السكندري ( ت709هـ/1309م ) .
كما ظهر في هذا العصر في مصر الشيخ إبراهيم الدسوقي (ت676هـ/1277م) بدسوق، والذي أسس الطريقة البُرهامية.
وكان لشيوخ الطرق آنذاك دورهم البارز في مجريات الحياة العامة، فقد كانوا يعاونون سلاطين المماليك في جهادهم للأعداء، كما هو معروف عن الإمام أبي الحسن الشاذلي وغيره([1]) ، كما كانوا يتمتعون بمكانة بارزة وعالية عندهم، كما هو معروف عن السيد أحمد البدوي([2]) .
ثم جاء العصر العثماني، وانتشرت فيه الطرق الصوفية انتشارًا واسعًا، شملت جميع طبقات الشعب المصري، وأوضحنا كيف انصرفت عناية أصحاب الطرق إلى الشكليات، والرسوم أكثر من العناية بجوهر التصوف نفسه، فضلاً عن المبالغة في تقديس الشيوخ، والكرامات، والاحتفالات، وغير ذلك مما أساء بالفعل إلى صورة التصوف ومكانته .
وعند مجيء الحملة الفرنسية على مصر سنة (1213هـ/1798م) كان – بشكل غير رسمي – يتولى شئون الصوفية في مصر السيد خليل البكرى، والذي كان شيخًا للسجادة البكرية ونقيبًا للأشراف، وقد عُيَّن عضوًا في الديوان الذي أنشأه نابليون بونابرت، ولما انسحب الفرنسيون من مصر سنة (1216هـ/1801م ) قام الوالي العثماني محمد باشا خسرو بإقالة خليل البكرى، فأعاد تعيين عمر مكرم نقيبًا للأشراف، كما قام بتعيين محمد أبي السعود البكرى في منصب شيخ السجادة البكرية ([3]).
1- السجادة البكرية :
السجادة : هو من يستقيم على الشريعة والطريقة والحقيقة، ومن لم يكن كذلك لا يسمى سجادة إلا رسمًا ومجازًا، والاسم معَّرب من ( سه جاده ) الفارسية، والمراد بها ثلاثة أشياء : الشريعة والطريقة والحقيقة، واجتماع الصوفية في الرباط على السجادة، وسجادة كل واحد زاويته، ومن سنتهم أن لا يجلس أحدهم على سجادة الآخر([4]) .
وأصبحت كلمة " السجادة " عند أصحاب الطرق في مصر – على الأقل – مرادفة لكلمة طريقة في التعبير مثل " شيخ السجادة " الذي يطلق على شيخ الطريقة.
وقد ظهر اصطلاح شيخ السجادة لأول مرة في القرن السابع عشر في كتاب " الرحلة " لعبد الغني النابلسي (ت1144هـ/1731م ) والذي حكى فيه عن شيخ السجادة البكرية محمد بن أبي المواهب (ت1125هـ/1713م) أنه قد مُنِح هذا المنصب عن طريق والده وسلفه محمد بن أبي السرور زين العابدين (ت1087هـ/1676م) بحضور العلماء الأفاضل البارزين.
وابتداءً من أواخر القرن الثامن عشر فصاعدا أصبح منح هذا المنصب يتم عن طريق الوالي، وكان أول شيخ من مشايخ السجادة البكرية انطبقت عليه هذه الحالة هو محمد أفندي البكرى الكبير الذي منح هذا المنصب في سنة (1195هـ/1781م) والذي تقلَّد أيضًا منصب نقيب الأشراف([5]).
وتعتبر وظيفة مشيخة السجادة البكرية من الوظائف العالية المقام بمصر، ولها التقدم على سائر الطرق الصوفية الأخرى، ومن حقوقها القديمة وأصولها المستديمة أن يتولى صاحبها مشيخة المشايخ الصوفية([6]) .
ولهذا تداخلت اختصاصات وظيفة مشيخة السجادة البكرية مع اختصاصات وظيفة مشيخة المشايخ الصوفية، فكان لوظيفة المشيخة البكرية التكلم على سائر الطرق الصوفية والتكايا والأضرحة والزوايا التي بالقطر المصري، وذلك تبعًا للفرمان الصادر من سعيد باشا في سنة (1271هـ/1854م) إلى السيد علي البكرى بتوليه المشيخة البكرية خلفًا لأسلافه بني الصديق([7]) .
نقابة الأشراف :
تاريخ نقابة الأشراف أطول من تاريخ مشيخة الطرق الصوفية والمشيخة البكرية نفسها، فالشرف في الأصل بمعنى الرفعة، وكان يطلق في الجاهلية على عظماء العرب، ونجد في كتب التاريخ والسير القديمة فلانًا الشريف العباسي، وفلانًا الشريف العلوي ونحو ذلك، وقد حرص القوم على حفظ أنساب تلك البيوت فأحدثوا وظيفة نقابة الأشراف، وهي وظيفة عامة تشمل التكلم والنظر في أنساب جميع الأشراف من أهل تلك البيوت([8]).
وفي استانبول يُعين نقيب الأشراف سنويًّا، أو يعاد تعيينه في كل ولاية، ولهذا السبب كانت الهدايا المجزية تدفع باستمرار وبسخاء، وكانت هذه الوظيفة يحتفظ بها الأتراك حتى جاء أحد المصريين، وكان يسمى محمد أبو الهادي السادات في منتصف القرن الثامن عشر تقريبًا وتقلَّد هذا المنصب حتى توفي سنة (1168هـ/1755م)، ثم تولاه أحمد بن إسماعيل السادات حتى سنة (1176هـ/1763م) عندما تنازل عن منصبه لصالح محمد بن أحمد البكرى شيخ السجادة البكرية([9]) .
وظلت نقابة الأشراف في أيدي الشاغلين لمنصب السجادات البكرية حتى بداية القرن العشرين باستثناء فترات قصيرة، وقد كان لنقيب الأشراف حقوق وعليه واجبات إزاء المنحدرين من أسرة النبي (صلى الله عليه وسلم ) :
أولاً : الحقوق :
- يحق لنقيب الأشراف معاقبتهم وتنفيذ العقوبات التي يطالب بها الآخرون .
- يحق له الحصول على عشرة في المائة من الديون التي يتم سدادها من خلال تدخله المباشر .
ثانيًا : الواجبات :
- يجب على نقيب الأشراف فتح سجلات تضم سلسلة أنساب هؤلاء الأشراف.
- يجب عليه مساعدتهم في الحصول على حقوقهم ، والمراجعة على الأوقاف الخاصة بهم، وكذلك توزيع الريع، والدخول على أولئك الذين لهم الحق في المشاركة فيها([10]) .
(1)هي مجموعة القواعد والرسوم والأخلاق التي يضعها المشايخ لبلوغ المريدين الغاية من التصوف، وهي الوصول إلى الله تعالى، مثلما أن الشريعة موصلة إلى الله تعالى (د.الحفني:المعجم الصوفي،ص158).
(2) د/ عبد الحليم محمود: قضية التصوف ، المدرسة الشاذلية، ص 54-60.
(3) د/ عبد الحليم محمود: السيد أحمد البدوي، ص 32-34، 1421هـ/2000م، مؤسسة دار الشعب للصحافة والطباعة والنشر، القاهرة.
(4) فريد دي يونج: تاريخ الطرق الصوفية في مصر في القرن التاسع عشر، ص 9.
(5) د/ عبد المنعم الحفني: المعجم الصوفي، ص 122، ط1، 1417هـ/1997م، دار الرشاد، القاهرة.
(6) فريد دي يونج: تاريخ الطرق الصوفية في مصر، ص 11-12.
(7) محمد توفيق البكري: بيت الصديق، ص 374.
(8) د/ ماهر حسن فهمي: محمد توفيق البكرى، ص 33.
(9) محمد توفيق البكري: بيت الصديق، ص 394-395.
(10) دي يونج: تاريخ الطرق الصوفية في مصر، ص 13.
(11) نفس المرجع السابق، ص 12-13.
المصدر: مصطفى فهمي : رسالة دكتوراه -كلية دار العلوم-جامعة القاهرة
http://kenanaonline.com/users/Dr-mostafafahmy/topics/92887/posts/279682