مؤتمر دولي عن منهج التصوف فى
الإصلاح
|
برعاية وبرئاسة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد محمد الطيب - شيخ الأزهر- تعقد أكاديمية الإمام الرائد لدراسات التصوف وعلوم التراث بالعشيرة المحمدية- مؤتمراً دولياً تحت عنوان "التصوف منهج أصيل للإصلاح" وذلك بإشراف المشيخة العامة للطرق الصوفية ووزارة الأوقاف في الفترة من 26-28 شوال 1432هـ الموافق 24-26 سبتمبر 2011م بمركز مؤتمرات الأزهر الشريف بمدينة نصر القاهرة .
وصرح فضيلة الشيخ / محمد عصام الدين زكى ابراهيم ، رائد العشيرة المحمدية
أن المؤتمر يكتسب أهمية كبيرة في ظل الضغوط الخارجية المتواصلة على الشرق الإسلامي
لفرض نموذج معين للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية تحت شعارات معينة ظهر
منها في الآونة الأخيرة شعار الإصلاح كمبرر لتمرير نماذج من الخارج لا تتفق مع
طبيعة التراث الحضاري للأمة وتحقيق أهدافها القومية .
وأشار إلي وجود ردود أفعال برزت لمقاومة هذا التيار من قِبَل أنظمة الحكم
المختلفة في دول الشرق تمثلت في رفع شعار " الإصلاح من الداخل " إلا
أنها بدت عاجزة عن تحقيقه بسبب فقدان حسن النية وعدم الجدية فى الإصلاح وانخداع
بعض قطاعات من الجماهير بالشعارات القادمة من الخارج، فضلاًََ عن سلسلة الأزمات
العالمية التي تأثرت بها بلاد الشرق على كافة المستويات الاقتصادية والسياسية
والاجتماعية وتواصل الضغوط الخارجية، الأمر الذي أدى إلى وقوع ثورات فى عدد من
البلدان كما تسجله الأحداث منذ بداية العام .
وأوضح د / حسن الشافعى رئيس أكاديمية الدراسات الصوفية أن محاولات الإصلاح
سابقاً كانت دائماً محصورةً في إطار الأشكال والهياكل دون الجوهر والمضمون، وإصلاح
الهياكل والمؤسسات دون الاهتمام بإصلاح القائمين عليها قليل الجدوى، فإن بناء
الفرد المؤمن هو أساس كل إصلاح ؛ إذ لا إصلاح بلا صلاح، والفرد لايجدي فيه إصلاح
سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي أو صحي أو فكري دون إصلاح روحي، وهذا هو مغزى حديث
النبى (صلى الله عليه وسلم) : " ألا إن في الجسد لمُضغة إذا صَلُحت صلح الجسد
كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". فالإصلاح الحقيقي لايُمكن أن يبدأ
من قمة النظام مع إغفال قاعدة البناء ألا وهو الفرد المؤمن، إذ أنه وإن كان صحيحاً
أن الله يزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن فإنه أيضاً "كما تكونوا يولى
عليكم" ، ولما أقام النبي (صلى الله عليه وسلم) مجتمع المدينة المنورة عند
هجرته لم يؤسس البناء باستيراد أنظمة مما كان سائداً في زمانه من إمبراطوريات
الروم والفرس، وإنما كان أساس البناء هو الفرد المؤمن المتعالى على تحديات الواقع
بتقواه وصِدقه وأمانته وإخلاصه وتوكله وصبره وكرمه ومحبته وسماحته، وغير ذلك
من مكارم الأخلاق، فكان مُحصلة ذلك مجتمعاً مثالياً إن كان الفرد فيه تاجراً فهو
التاجر الأمين، وإن كان قاضياً فهو القاضي العادل، وإن كان أجيراً فهو الأجير
القوي الأمين، وإن كان حاكماً فهو التقي الحكيم العادل وهكذا، والمجتمع فرد مكرر
إذا صلُح صلحت الأسرة، وإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، وإذا صلح المجتمع صلحت
الدولة، وبصلاح دولة الإيمان يصلح العالم كله، وبفسادها يفسد العالم كله.
وشدد د/ محمد مهنا أمين عام الدعوة بالعشيرة ونائب رئيس الأكاديمية
على أن كل إصلاح يغفل الفرد باعتباره أساس أى بناء أو إصلاح فقد أغفل المنهج
الرباني قال تعالى {كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون} وأن
التصوف هو الضمان الحقيقي لبقاء الإصلاح نابعاً من عمق وحقيقة الحضارة الإسلامية
وتراث الأمة وعدم انحرافه لخدمة أجندة أعداء الأمة.
والمجتمع الرباني هو مجتمع يحكمه الحب الذي فقده الناس، ففقدنا بفقده
الحقيقة الإنسانية في الأجساد البشرية، وهو مجتمع يحكمه السلام والتسامح والتيسير
واللين والشرف وتحري معالي الأمور، فالعنف والقسوة والقهر والإرهاب والتعالي
والخبث والبذاءة والتعالم والاندفاع وأذى الناس أقذار لايعرفها التصوف ولاتعرفها
المجتمعات الربانية.
و أضاف أن الدول الإسلامية أجهدت نفسها كثيراً وضحت من تراثها عظيماً وباعت
من كرامتها عزيزاً من أجل اللحاق بقطار الشرق الشيوعي أحياناً والغرب الرأسمالي
أحياناً أخرى دون اعتبار لرصيدها الروحي الذي تنوء به أربعة عشر قرناً مضت هي رأس
المال الطبيعي المُتأصل في الأمة منذ فجر الإسلام، والذي تنفرد به عن بقية شعوب الأرض.
فاستثمار التصوف وترشيده باعتباره رأس المال الطبيعي المتأصل في الأمة سوف
يكون أجدى وأنجح من محاولات كثيرة تتسم بالإندفاع دون رَويَّة مع ما يقتضيه ذلك من
أثمان باهظة تنفق من المبادئ الثابتة والقيم الأساسية للأمة، فتحقيق التقدم المادي
في حاجة إلى جُرعة روحية تعصمه من الإفراط والتفريط.
وصرح د/ ابراهيم نجم المستشار الإعلامى للمؤتمر بأن المؤتمر يهدف إلي
بيان دواعي الإصلاح وضروراته في المرحلة الراهنة من تاريخ الأمة وتحرير محل
النزاع فيما يتعلق بجدلية الإصلاح وإصلاح الهياكل أو المؤسسات وإصلاح
الأفراد والمجتمعات، وبيان أهمية الخيار الصوفي في ضوء الخيارات المتاحة للإصلاح،
وتوجيه وترشيد التصوف ورد الممارسات الصوفية إلى الكتاب والسنة بفهم العلماء
العاملين من السلف الصالح دون إفراط أو تفريط، ومن ثم توجيه الطاقات الإيمانية لدى
قطاعات عريضة من الجماهير في ربوع العالم الإسلامي نحو البناء والإصلاح على المنهج
الرباني الروحي الأصيل بدلاً من الهدم والتفريق والتكفير الذي تنتهجه بعض الجماعات
المتطرفة، و التأكيد على أهمية إيقاظ وإنقاذ الحضارة الإسلامية من مُستنقع المادة
التى طغت قوانينها بحكم الزمان على كل مناحي الحياة بكافة صورها ومستوياتها، وذلك
بردها إلى أصولها الروحية ومناهجها الربانية من خلال استلهام الأعماق الغيبية
والأبعاد الصوفية للعلوم المختلفة خاصة الحديثة منها بهدف ربط الغيب بالشهادة
والمُلك بالملَكوت، والمعقول بالمنقول والمادة بالروح والطبيعة بما ورائها، وإعادة
طرح العلاقات الدولية على أسس روحية وقيم أخلاقية باعتبارها القادرة على إعادة
التوازن المُختل في العلاقات الدولية بين الشرق والغرب بفعل تفوق الغرب في مجال
الصناعة والتجارة والمال، فضلاً عن إيجاد الشروط الضرورية لتحقيق تعاون جاد وليس
شكلياً في هذه العلاقات باعتبار أن الروح بطبيعتها وحدة وانسجام بقدر ما المادة
بطبيعتها تفرق وانقسام.
وأضاف أن المؤتمر يبحث خمسة محاور تتناول الحاجة إلى الإصلاح ودواعي
الإصلاح في المجتمعات العربية والإسلامية ، وطرح التصوف كمنهج للإصلاح ، وإشكاليات
التصوف والإصلاح ، والتصوف وإمكانيات الإصلاح ، ونماذج من الإصلاح عند الصوفية.
ويشارك فى المؤتمر عدد كبير من علماء
التصوف والإسلام والمفكرين من مصر والعالم ، منهم الشيخ / عبدالله بن بيَّه ، نائب
رئيس اتحاد علماء المسلمين ، والدكتور / محمد سعيد البوطى ، والداعية / علي الجفري
.